بيربوك تبدأ رئاسة الجمعية العامة وسط انتقادات وفتور من بلدها
٩ سبتمبر ٢٠٢٥أنالينا بيربوك على مسرح الساحة العالمية الكبير. فاعتبارا من اليوم الثلاثاء (التاسع من سبتمبر/ أيلول) تتولى وزيرة الخارجية الألمانية السابقة رسميا منصبها الجديد كرئيسة للجمعية العامة للأمم المتحدةفي دورتها الثمانين.
حتى أوائل مايو/ أيار، عندما تم انتخاب فريدريش ميرتس مستشارا جديدا لألمانيا، كانت السياسية بحزب الخضر والبالغة من العمر 44 عاما لا تزال رئيسة للدبلوماسية الألمانية. وفي الثاني من يونيو/ حزيران تم انتخابها في نيويورك رئيسة جديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن انتخاب بيربوك لم يتم بالإجماع بالتزكية، كما جرت العادة، وإنما في تصويت سري. وحسب دبلوماسيين فإن روسيا هي التي طلبت ذلك. كانت هذه خطوة صغيرة من موسكو. كوزيرة كانت بيربوك تنتقد بشدة وبصراحة الحرب الروسية على أوكرانيا. وفي نهاية التصويت حصلت على 167 صوتا من أصل 193 صوتا في نيويورك. وهي الآن تتولى منصبها، وقد استقالت من منصبها في البرلمان الألماني (بوندستاغ).
منصب دون اهتمام كبير من الرأي العام
بيربوك، الرئيسة السابقة لحزب الخضر والمرشحة لمنصب المستشارية عن حزبها، ستتولى على مدار عام كرئيسة للجمعية العامة في نيويورك رئاسة جلسات الجمعية وتحديد الإجراءات وبنود جدول الأعمال وإعداد الاجتماعات. وهو منصب لا يتطلب ظهورا علنيا كبيرا. وسيتعين على بيربوكإجراء العديد من المحادثات خلف أبواب مغلقة حول الموضوعات التي ستجري مناقشتها في الجمعية العامة.
وفي العام المقبل سيتم انتخاب أمين عام جديد للأمم المتحدة. وستشارك بيربوك في التحضير لهذه الانتخابات بالتعاون مع سفراء الدول الأعضاء الـ 193 في الأمم المتحدة. وسيظل الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش في منصبه حتى نهاية عام 2026.
هجوم شامل من المستشار الألماني
من ألمانيا ، موطنها الأصلي، لا يُعرب جميع السياسيين عن تمنياتهم الطيبة للسياسية الجريئة من حزب الخضر بمناسبة بدء عملها في نيويورك. فخلال مؤتمر الحزب المسيحي المحافظ بولاية شمال الراين-وستفاليا، قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن "النقاشات المُرهقة"، التي دارت في السنوات الأخيرة "حول السياسة الخارجية لهذه السيدة التي تتواجد الآن في نيويورك" أصبحت شيئا من الماضي في ظل الحكومة الجديدة.
في الواقع كانت بيربوك تحب أن تثير الجدل بشكل صريح، ليس فقط تجاه روسيا، بل تجاه الصين أيضا. وكشف أحد أعضاء الحكومة السابقة المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) والذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ DW أنه كان من الغريب دائما أن تصبح "الشخصية الأقل دبلوماسيةً التي أعرفها" وزيرةً للخارجية.
المرشحة الأصلية للمنصب .. هيلغا شميد
لم يمر ترشيح السياسية الطموحة من حزب الخضر للمنصب الأممي دون ضجة، ففي مارس/ آذار أُعلن أن الحكومة القديمة، التي كانت تتألف من أقلية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر قد رشحت بيربوك للمنصب في نيويورك.
وقد كان معروفا منذ فترة طويلة أن هذا المنصب من حق مجموعة دول أوروبا الغربية وأن ألمانيا يحق لها ترشيح مرشح أو مرشحة له. وقال المتحدث باسم الحكومة آنذاك شتيفن هيبشترايت في نهاية مارس/ آذار في برلين إن بيربوك "مؤهلة تأهيلا عاليا لهذا المنصب". كما تمت مناقشة التعيين مع الحكومة المستقبلية أي مع المستشار فريدريش ميرتس.
لكن في الواقع كانت ألمانيا قد رشحت الدبلوماسية المرموقة هيلغا شميد لهذا المنصب. وقد وافقت الحكومة آنذاك على ذلك في صيف 2024. شميد، المولودة عام 1960 حققت مسيرة مهنية رائعة في وزارة الخارجية. وشغلت من بين أمور أخرى منصب مديرة مكتب وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر، الذي شغل المنصب من 1998 إلى 2005، وكان فيشر أيضا من حزب الخضر.
وفي وقت لاحق اعتُبرت هيلغا شميد واحدة من أهم واضعي نصوص الاتفاق النووي بين الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مع إيران، والذي تم إبرامه بنجاح في عام 2015، ولكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن إلغاء العمل به لاحقا في ولايته الأولى.
بيربوك تريد الآن أن تكون قوةً مُوحِّدة
لكن شميد لم تحصل على المنصب في النهاية، فقد عدّلت الحكومة قرارها واقترحت بيربوك. وقالت بعد ترشيحها في مارس/ آذار في برلين: "إذا تم انتخابي رئيسة سأخدم جميع الدول الأعضاء الـ 193 الكبيرة والصغيرة. كوسيطة نزيهة. كقوة مُوحِّدة بأذن صاغية وباب مفتوح".
وبعد ذلك بوقت قصير أضافت خلال رحلتها الأخيرة إلى الخارج بصفتها وزيرة الخارجية إلى جزيرة بورنهولم الدنماركية: "نحن في وضع ندرك فيه أكثر من أي وقت مضى أهمية دستورنا والقانون الأساسي ونظام السلام الأوروبي وميثاق الأمم المتحدة". وأضافت أنه قد مرّ 80 عاما على تأسيس الأمم المتحدة ويجب الدفاع عن قيمها وتقديرها كل يوم.
وأثار الترشيح المفاجئ لبيربوك ردود فعل غاضبة على الفور. كما تم انتقاد الحكومة المنتهية ولايتها. وقال كريستوف هويسغن، الرئيس السابق لمؤتمر ميونيخ للأمن في مقابلة مع صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية إن "استبدال أفضل دبلوماسية ألمانية وأكثرها خبرة دولية بشخصية منتهية الصلاحية هو أمر غير مقبول". وحسب هويسغن، الذي شغل منصب مستشار السياسة الخارجية والأمنية للمستشارة السابقة أنغيلا ميركل لعدة سنوات، فإن هيلغا شميد قد "حمت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من الانهيار" بصفتها أمينة عامة للمنظمة.
ثنائي قمة حزب الخضر يغادر الساحة السياسية الألمانية
ثم أشارت أنالينا بيربوك نفسها لاحقا في بورنهولم إلى فترة توليها منصب وزيرة الخارجية الألمانية من ديسمبر 2021 إلى مايو/ أيار من هذا العام باعتبارها ميزة: "كنت أسافر كثيرا حول العالم بصفتي وزيرة الخارجية. حتى في المناطق البعيدة أو في الشرق الأوسط. عندما توليت منصبي لم أكن أتصور أنني سأزور بعض دول الخليج والدول العربية أكثر من شركاء الاتحاد الأوروبي الأوروبيين بسبب الوضع الصعب في الشرق الأوسط. وهذا يخلق علاقات أكثر كثافة مع هذه الدول".
تأتي بداية بيربوك في وقت يودع فيه نائب المستشار السابق ووزير الاقتصاد روبرت هابيك السياسة الألمانية. فقد استقال من منصبه في البوندستاغ وسيقوم في المستقبل بالتدريس في معهد الدراسات الدولية في كوبنهاغن من بين أمور أخرى. لطالما كانت بيربوك وهابيك السياسيين المؤثرين في حزب الخضر واللذين يكرسان الآن جهودهما لمهام جديدة بعيدا عن السياسة في برلين.
أعده للعربية: م.أ.م/ تحرير: صلاح شرارة