وتستمر الحياة - عرس لاجئين خلال رحلة البحث عن مكان آمن
١٣ نوفمبر ٢٠١٤تنفس بلال حسين الصعداء بعد اطمئنانه على سلامة أهله وذويه في مدينة الشيخ مسكين بمحافظة درعا السورية. قبل أيام دارت هناك معارك ضارية بين القوات الحكومية وقوات المعارضة. تمنّى الأهل لبلال (30 عاما) ولعروسه الفلسطينية- السورية نُسيبة الكايد من مخيم اليرموك وطالبة لجوء في ألمانيا أيضا، كل السعادة والتوفيق بدخول "القفص الذهبي"، عش الزوجية. عش الزوجية هذا هو عبارة عن غرفة متواضعة بفراش بسيط في أحد مخيمات اللجوء في برلين.
رحلة وترحال
جمعت الغربة والتشرد بين بلال ونسيبة. ويبدو أن قول الشاعر امرئ القيس: "أجارتنا إنّا غريبان هاهنا...وكل غريب للغريب نسيب" ينطبق عليهما. فقد تعرفا على بعضهما البعض في مدينة بنغازي الليبية. "لهف قلبي لها من النظرة الأولى"، يتذكر بلال مبتسماً. كان بلال وحيداً في ليبيا يدير ويعمل بمحل خياطة ملابس يملكه هناك، أما نسيبة فكانت مع عائلتها. وتقول والدة العروس، خولة خشان: "من أول مرة رأيته فيها، أرتاحت سريرتي له وأعجبتني أخلاقه وسلوكه."
ضاق الحال عليهم جميعا في محطتهم الليبية، فقرروا ركوب "قوارب الموت" في نهاية الشهر التاسع من عام 2013. "حشر مهرب البشر 150 شخصا في قارب صيد لا يتعدى طوله 19 مترا وعرضه 5 أمتار. في بعض اللحظات تخيلت أننا ميتون، لا محالة. لن أنسى ما حييت ذكريات تلك اللحظات المرعبة "، تروي العروس وكأنها تقرأ من كتاب مفتوح. أدركهم الصليب الأحمر ونقلهم إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. وهناك افترشوا الارض وألتحفوا السماء. وبعد عدة أيام وصلت جثث حوالي 400 مهاجر غرقوا في الحادثة الشهيرة بداية أكتوبر 2013. وسط هذه الأجواء، تجرأ بلال وفاتح عديله، سامر قدورة، برغبته في طلب يد نسيبة. وتضحك نسيبة مؤكدة تفاجئها بالأمر في ظل الظروف غير العادية أنذاك. "نحن من يصنع الفرح رغم كل شيء"، يعلق بلال على ذلك. ولم يتردد الأب، يحيى الكايد (54 عاماً) في الموافقة كون بلال "ذو خلق وطيب ومتدين ومجد بعمله".
بعد فترة اعتقال في بوتزالو بإيطاليا توجها إلى السويد. أمضيا هناك خمسة أشهر وهناك أيضا عقد شيخ دين إسلامي قرانهما في فاتح يناير عام 2014. ولازمهما سوء الطالع بعدما رفض طلب لجوئهما، فوجب عليهما العودة إلى إيطاليا، غير أنهما توجها إلى ألمانيا، وقدما في شهر مارس طلب اللجوء في برلين قبل البدء في بالتحضير لحفل الزواج.
بحث عن لحظات سعيدة
قامت إدارة مركز اللجوء بمساعدتهما من خلال تقديم شقة صغيرة مستقلة لهما. وجلب الزوجان بعض الأثاث البسيط والضروري من بعض الجمعيات الخيرية الألمانية، التي تُعنى بمساعدة اللاجئين. وجاء أخ العريس-اللاجئ أيضا- من جنوب غرب ألمانيا، كما قدمت خالتا العروس من السويد وهولندا. "عوضت هذه المشاركة قليلا من غياب باقي العائلة، المتشتتة في أرجاء المعمورة الأربعة" تلاحظ أم العروس. تكفل أصدقاء العريس من السوريين والفلسطينين-السوريين في مخيم اللجوء بالتحضير لحفلة العرس وتكاليفها، فقد حضّروا أكلة فلسطينة مشهورة تدعى "مسخّن". وأعار أحد اللاجئين العريس بدلة العرس، وقام أحد الشباب بحلاقة شعره. جرت الزفة والعراضة الشامية في مخيم اللجوء، وحُمل العريس على الأكتاف وفق طقوس الزواج المعتادة في سوريا. وقد شاركت عدة نساء ألمانيات من إدارة مخيم اللجوء ومن خارجه فرحة العروسين وقدمن هدية رمزية وهي عبارة عن عقد لجلب الحظ ومبلغ مالي.
اتفاقية دبلن
لازم سوء الطالع العروسين حيث رفض طلب لجوئهما قبل أسبوع من الاحتفال بالعرس.قدم الجميع طعونا بقرار المحكمة لعدم إجبارهم على الرجوع إلى إيطاليا وفق إتفاقية دبلن. وتنص إتفاقية دبلن على إعادة طالبي اللجوء إلى أول بلد قدموا فيه طلب اللجوء ووقعوا عليه. ويؤكد والد العروس أنه " ليس هناك من سلاح بيديهم غير الانتظار والصبر". العروسان يحصلان على مساعدات من الدولة، غير أنه لا يسمح لهما بالعمل أو بإثبات الزوجية لدى السلطات الألمانية . ويقضي العريسان وقتهما بين مراجعة السلطات والمحامية وجمعيات دعم حقوق اللاجئين وتأمين الأوراق اللأزمة لدعم موقفهما في قضية اللجوء. كما لا يسمح وضعهما القانوني بمغادرة مدينة برلين. ورغم ذلك يتطلع العريسان بتفائل إلى مستقبل أفضل، إذ ينوي بلال، تعلم الألمانية وتطوير نفسه في مهنة الخياطة وتعلم تصميم الأزياء، حيث إنه واثق من قدرته على المنافسة والنجاح في ألمانيا لو تم قبول طلب اللجوء، خصوصا وأن عائلة عديل بلال قد حصلت أخيراً على حق اللجوء في ألمانيا.