هل تهدد خطط ترامب حول قطاع غزة استقرار دول الجوار؟
٢٩ يناير ٢٠٢٥
من الواضح أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتقد بشدة وإصرار أنَّ خطته المثيرة للجدل يمكن أن تنجح: فقد قال يوم الاثنين (27.01.2025) إنَّه ما يزال يأمل في أن تستقبل مصر والأردن في المستقبل مواطنين من قطاع غزة.
وأضاف أنَّ الحياة في غزة أصبحت في نهاية المطاف "جحيمًا" منذ فترة طويلة. ولذلك فهو يتمنى لأهالي قطاع غزة الانتقال إلى "منطقة يمكنهم العيش فيها من دون هذا القدر الكبير من الاضطرابات والشغب والعنف". ومن باب الاحتياط، لم يحدد ترامب حتى الآن إن كان انتقالهم هذا سيكون بشكل مؤقت أو بشكل دائم.
وترامب ما يزال يعتقد بأنَّ مثل هذا الترحيل ممكن على الرغم من وجود مخاوف سياسية وقانونية دولية كبيرة، وعلى الرغم من الرفض والتصريحات السلبية وكذلك إجرائه مكالمتين هاتفيتين - مزعومتين - مع كل من الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ومن جانبه قال ترامب: "أتمنى أن يستقبل بعضهم"، في إشارة إلى نظيره الرئيس المصري، الذي أنكر مكتبه إجراء مكالمة هاتفية بين الرجلين. بينما أكد ترامب فيما يتعلق بالسيسي ومصر قائلًا: "لقد ساعدناهم كثيرًا، وأنا متأكد من أنَّه (أي السيسي) سيساعدنا أيضًا".
مصر والأردن ترفضان خطط ترامب لقطاع غزة
وقد أثار اقتراح ترامب ترحيل الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة إلى دول مجاورة أخرى انتقادات كبيرة في الأيام الماضية. وبالإضافة إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، فقد أعرب ممثلا مصر والأردن عن معارضتهما هذا الاقتراح.
وبحسب وكالات الأنباء فقد أكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان رفض مصر المساس بحقوق الشعب الفلسطيني و"دعمها الثابت لحق الشعب الفلسطيني في الثبات على أراضيه وحقوقه المشروعة". كما أكدت الوزارة أنَّ مصر ترفض "أي انتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك إجباره على مغادرة أراضيه، وأية أعمال تشمل توسيع المستوطنات أو ضم الأراضي أو تهجير الفلسطينيين قسريًا".
وكذلك اتخذ الأردن موقفًا مشابهًا. وفي هذا الصدد ذكرت مثلًا صحيفة "جوردان تايمز" المقربة من الحكومة أنَّ الموقف الأردني واضح. وأنَّ الأردن لا يعتبر وطنًا بديلًا للفلسطينيين ولن يكون كذلك قط: "الأردن يرفض كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية أو أي طرح من شأنه أن يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين. والفلسطينيون متمسكون بحق تقرير المصير وقيام دولتهم".
"على الحكومة توقع احتجاجات كبيرة من المواطنين"
ويرى خبير العلوم السياسية شتيفان رول من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) في برلين أنَّ الرفض المصري لا يُفسر فقط بتضامن مع الشعب الفلسطيني ودعم سعيه لإقامة دولته المستقلة: "هذه قضية كبيرة على مستوى السياسة الداخلية. والتنازل عن أراضٍ مصرية يعتبر من المحرمات، وخاصة فيما يتعلق بمشروع التهجير، الذي يعتبر بالنسبة لكثير من المصريين معاديًا للفلسطينيين. ولذلك يحب على الحكومة أن تتوقع احتجاجات كبيرة من المواطنين".
وكذلك تواجه العائلة المالكة والحكومة في الأردن مشكلات مشابهة، كما يقول إدموند راتكا، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور هناك. ويضيف أنَّ معظم الأردنيين يرفضون بشدة أي مشروع يعتبر بمثابة تقويض للقضية الفلسطينية: "لا أحد في الأردن، ولا حتى الملك، يريد أن يُشتبه في مشاركته في هذه السياسة. وهذا يعود أيضًا إلى أنَّ ذلك يمكن أن يعطي زخمًا قويًا للجماعات المتطرفة داخل الأردن".
ويضاف إلى ذلك شيء آخر، كما يقول إدموند راتكا: "إذ أن أبناء الشعب الأردني غير الفلسطينيين، الذين يشكلون العمود الفقري للدولة، قلقون من تغير التوازن الديموغرافي والسياسي في المملكة على حسابهم - وهذا قد يعزز حجج القوى اليمينية في إسرائيل، التي تنظر إلى الأردن اليوم باعتباره دولة للفلسطينيين".
ويقول الخبير إدموند راتكا إنَّ الأردنيين من أصل فلسطيني باتوا يسيطرون اليوم على أجزاء كبيرة من القطاع الخاص في الأردن. وبحسب مصادر مختلفة فإنَّ نصف الأردنيين تقريبًا من أصل فلسطيني. "ولهذا السبب أيضًا يعارض الأردنيون المنحدرون من أصول أردنية تدفق المزيد من الفلسطينيين إلى الأردن"، كما يقول إدموند راتكا.
حرب جديدة مع إسرائيل كسيناريو مرعب
وتوجد في مصر أيضًا مخاوف أمنية كبيرة تتعلق بمقترح ترامب، كما يقول الخبير شتيفان رول من مؤسسة العلوم والسياسة: "وهذا يعكس حقيقة أنَّ شبه جزيرة سيناء المتاخمة لفلسطين كانت غير مستقرة للغاية خلال العقود الماضية. والآن استطاع المصريون من خلال عمليات عسكرية ضخمة تحقيق الاستقرار إلى حد ما في سيناء". ولكن إذا نشأت الآن في سيناء مخيمات أكبر للاجئين، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خطر قيام اضطرابات جديدة، يمكن أن تنتشر بعد ذلك أيضًا في بقية أنحاء مصر.
"وفي الوقت نفسه، توجد بطبيعة الحال مخاوف من إمكانية القيام بهجمات على إسرائيل انطلاقًا من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو أماكن توطينهم. وعلى الأرجح أن ترُد إسرائيل على هذه الهجمات ـ وهكذا ستجد مصر نفسها في حرب مع إسرائيل. توجد مخاوف كبيرة من ذلك"، كما يقول شتيفان رول.
وهذه المخاوف تبدو في الأردن مختلفة إلى حد ما، كما يقول إدموند راتكا. وفي خضم حرب غزة نتيجة هجوم حماس الإرهابي يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل، واجه ملك الأردن وحكومته صعوبات متزايدة في إقناع المواطنين بهدف سياسة التوافق والسلام مع إسرائيل. وذلك لأنَّ معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994 تم عقدها على أمل أن يحصل الفلسطينيون في يوم ما على دولتهم الخاصة.
"ولكن عندما يكون مشروع الدولة الفلسطينية قد مات، فيجب من وجهة نظر الكثيرين جدًا من الأردنيين إعادة النظر بشكل جذري في العلاقات الأردنية مع إسرائيل. واقتراح ترامب الأخير ترحيل أهالي قطاع غزة يُفسَّره في هذا الاتجاه أيضًا"، كما يقول إدموند راتكا. ويضيف أنَّ لا أحد في الأردن يعتقد بأنَّ نقل الفلسطينيين إلى الدول المجاورة سيكون مؤقتًا فقط، وذلك نظرًا إلى تجارب اللجوء والتهجير التاريخية.
تهجير الفلسطينيين خط أحمر
ويقول إدموند راتكا إنَّ "عمَّان وصفت دائمًا تهجير الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية بأنَّه خط أحمر. وإذا رضخ المسؤولون الأردنيون الآن، فسيُنظر إليهم - سواءً لدى شعبهم أو على المستوى الدولي - على أنَّهم ضعفاء ومن دون أي تأثير".
وهذا ينطبق أيضًا على مصر، كما يقول شتيفان رول: "مصر ترغب في استمرار حضورها، خاصة ضمن سياق إعادة الإعمار وأهميتها الاقتصادية. وبناءً على ذلك من المحتمل أن يحاول المعنيون في القاهرة التأثير على ترامب وجعله يتراجع بقدر الإمكان عن خطته".
وعلى الرغم من جميع الانتقادات فإنَّ ترامب محق في إشارته إلى أنَّ "قطاع غزة مدمر برمته. وقد تستغرق عملية إعادة إعماره سنين عديدة. والسؤال: أين يجب في الواقع أن يعيش الفلسطينيون حتى ذلك الحين؟"، كما يقول شتيفان رول.
أعده للعربية: رائد الباش