هل تتبع الحكومة الألمانية نهجا جديدا في التعاطي مع الإسلام؟
١٤ يوليو ٢٠٢٥بعد 60 يومًا من تشكيل حكومة الإئتلاف الفيدرالية في ألمانيا، شارك كريستوف دي فريس، وزير الدولة في وزاراة الداخلية، والنائب عن الحزب المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني (بوندستاغ) في ورشة عمل أقامتها "مجموعة العمل المعنية بالإسلام السياسي" تحت عنوان "مكافحة الإسلام السياسي". هذه المجموعة تأسست نهاية عام 2024، وتعرّف نفسها بأنها "شبكة متعددة الأحزاب والتوجهات الفكرية"، هدفها كما تقول يكمن في "التوعية بالتهديدات التي يشكلها 'الإسلام السياسي‘" على البلاد.
كان من بين المشاركين مؤسسةُ مسجد ابن رشد غوته الليبرالي، والكاتبة الليبرالية سيران أتيس، والمجلس المركزي للادينيين، وجمعيات أخرى من المجتمع المدني. ولكن مشاركة دي فريس كشخصية حكومية، حظيت باهتمام خاص لأنها اعتبرت عنوانا محتملا للسياسة القادمة للحكومة الجديدة اتجاه الإسلام والجالية المسلمة.
وزير الدولة: "سياسة الإسلام في ألمانيا فشلت"
ركزت الورشة على تأثير ما أطلق عليه ´الإسلام السياسي` على الحياة الاجتماعية، وكراهية المثليين، والضغط على النساء، ومعاداة السامية، والهجمات ذات خلفية إسلاموية.
وعند مستهل كلمته، قال دي فريس، وزير الدولة، إنَّه تردد "للحظة" قبل قبوله الدعوة - "لأنَّكم سريعون جدًا"، في إشارة إلى إلى خطة تقدمت بها مجموعة العمل المنظمة للورشة إلى الحكومة الألمانية في كانون الأول/ يناير 2025، (أي قبل تشكيلها)، مطالبة أي حكومة قادمة بالإسراع في تطبيق تصورات الخطة المُقدمة.
واصل دي فريس حديثه، منتقدا "عقدين من مؤتمر الإسلام الألماني (DIK)"، وقال: "أتفق مع الرأي القائل إنَّ سياسة الإسلام في ألمانيا خلال العشرين عامًا الماضية فشلت، ونحن بحاجة ماسة لتغيير مسارها".
تحدث دي فريس عن جالية مسلمة تضم نحو 4.5 مليون إلى 5 ملايين مسلم ومسلمة، بينما استقرت أرقام المكتب الاتحادي للهجرة في عام 2021، عند 5,6 مليون شخص.
كان وزير الداخلية الألماني في حكومة المستشارة أنغيلا ميركل ، فولفغانغ شويبله (الحزب المسيحي الديمقراطي)، أول من دعا إلى مؤتمر الإسلام الألماني نهاية أيلول/سبتمبر 2006، وكانت الانتخابات الاتحادية آنذاك قد جرت قبل نحو عام.
الهدف المعلن من قبل وزارة شويبله حينها من مؤتمر الإسلام الألماني هو السعي إلى "دمج مسلمي ألمانيا بشكل أفضل من الناحية الدينية والاجتماعية والسياسية". ودائما ما شهدت النقاشات والتحضيرات للمؤتمر خلافات حادة بين الجمعيات الإسلامية المشاركة، والتي عادة ما كانت جمعيات محافظة، سواء بينها وبين قوى ليبرالية، أو بين الجمعيات نفسها. وعادة ما كانت الخلافات الداخلية تدور حول من له الأحقية في تمثيل الجالية المسلمة داخل البلاد.
في الاجتماع الأول، شارك بالإضافة إلى خمسة ممثلين عن الجمعيات، شخصيات مثل الكاتبة من أصول تركية سيران أتيس، والكاتب فريدون زايموغلو والمستشرق نوفيد كرماني.
منذ ذلك الحين تعثّر مؤتمر الإسلام الألماني في العمل السياسي لنحو 20 عامًا. ولم يرد ذكره في اتفاقات الإئتلاف الحكومي إلا مرة واحدة فقط في عام 2009، وذلك بجملتين تقديريتين مع الإعلان عن نية استمرار عمله "باعتباره أهم منتدى بين الدولة الألمانية والمسلمين المقيمين في ألمانيا". وكذلك في أحدث اتفاق ائتلافي بين الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطيلم يتم ذكر المؤتمر إطلاقا.
الإسلام والإسلام السياسي
في المقابل، ذكرت كلمة "إسلام" ثلاث مرات في هذه الوثيقة، ولكن دائمًا ضمن سياق ´الإسلام السياسي` و´التهديدات الإسلاموية´. وقد تم الإعلان عن نية الائتلاف تطوير "فريق عمل للوقاية من الإسلاموية" إلى "هيئة دائمة في وزارة الداخلية الألمانية". وفي النقاشات الحالية نادرًا ما يتعلق الأمر بقضايا مثل الرعاية الروحية للمسلمين - مثلًا في المستشفيات وفي الجيش الألماني - أو بتحديد شكل "الإسلام الألماني"، في حين يهيمن الجانب الأمني على النقاش.
خلال الندوة، قيّم وزير الدولة دي فريس الإسلام السياسي بأنَّه "تهديد جاد وكبير". وقال إنَّ هذا يمكن ملاحظته مثلًا في مظاهرات تدعو بوضوح في برلين أو في مدينته هامبورغ إلى إقامة "خلافة" في ألمانيا. وأضاف أنَّ الأيديولوجيات الإسلاموية "تتغلغل في ثقافتنا الديمقراطية. ويتم إختراق المساحات الاجتماعية وقمع الحريات الفردية، وخاصة حريات النساء والفتيات".
وهذا يتعلق على المدى الطويل بنظام اجتماعي "يتعارض مع قيمنا الأساسية"، بحسب تعبير السياسي دي فريس. ويجب على الدولة مواجهته بثبات "وعلى جميع المستويات". وأضاف أنَّ هذا يتعلق بـ"استراتيجيات إعداد إيديولوجي" و"تأثير محدد تحت ستار الحرية الدينية".
كلمة دي فريس لقت ترحيبًا واسعًا من قبل المشاركين. وقال فيليب مولر، رئيس المجلس المركزي للادينيين، إنه "من الأفضل أن يكون العمل المشترك بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الألمانية "بداية نهاية الإسلام السياسي في ألمانيا". وتابع أحد المشاركين بأنَّ "مؤتمر الإسلام الألماني لم يساعد في أي شيء على الإطلاق". وقال مشارك آخر بأنه "يجب إعادة التفكير من جديد في سياسة الإسلام".
إلى ذلك تحدثت ممثلة عن منظمة "أرض النساء" (Terre des femmes) بشكل مفصل حول استطلاعات جديدة بشأن " ارتداء الحجاب لدى الأطفال والضغط على الفتيات". وذكر شخص مسلم، جاء قبل عدة سنين إلى ألمانيا من موريتانيا، أنَّه "هرب من الإسلامويين ويواجه الآن شكلًا محافظًا من الإسلام".
دي فريس حظي في الوشة بدعم المتحدث باسم مجموعة العمل الاتحادية "الخضر العلمانيون"، حين دعا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات ضد التيارات الإسلاموية. هذا الدعم "أسعد" دي فريس كما يقول، لكونه "تعرض لسنوات" خاصة من حزب الخضر لانتقادات في هامبورغ حين كان حزبه بصدد العمل على حظر "المركز الإسلامي في هامبورغ" (IZH)، والذي تمّ بالفعل حضره لاحقا بعدما تبث قربه من النظام الإيراني.
نهاية مؤتمر الإسلام السياسي؟
لم يجب دي فريس النائب عن الحزب المسيحي الديمقراطي، عمّا إذا كان مؤتمر الإسلام الألماني "قد انتهى العمل به" بشكل صريح، لكنه ألمح في الوقت ذاته إلى أنَّ "الدولة لا تحتاج إلى صيغة محددة من أجل الاستمرار في الحوار مع الجمعيات". وتابع بأنه "يتمنى تمثيلا مختلفا للمسلمين في ألمانيا"، فلا يمكن "وجود تعاون" مع جمعيات وهيئات "تتم إدارتها وتمويلها من الخارج" أو تتم مراقابتها من قبل موظفي المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا.
في ذات الوقت اعتبر دي فريس إنَّ "مجموعة العمل المعنية بالإسلام السياسي" تُمثل بالنسبة له "منارة" لإقامة التعاون الجديد.
وألقت الكلمة الختامية السيدة لالا زوسكيند، التي تولت من عام 2008 حتى عام 2012 رئاسة الجالية اليهودية في برلين، وتعمل اليوم في الحوار بين الأديان. وخاطبت وزير الدولة بابتسامة وجدّية قائل: إنَّ الحكومة الاتحادية "بما فيها أنت - غضّت الطرف حتى الآن عن الإسلام السياسي".
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: وفاق بنكيران