نشر قوات أوروبية في أوكرانيا.. هل يؤدي إلى حرب شاملة؟
٢٦ أغسطس ٢٠٢٥دعمت مجموعة من القادة الأوروبيين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في زيارته إلى واشنطن في 18 أغسطس/آب، مؤكدين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضرورة تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.
لكن يبدو أن الطريق أمامهم سيكون أصعب مستقبلا، خاصة بعد الإفصاح عن تفاصيل دعمهم لأوكرانيا، بما في ذلك النشر المحتمل للقوات.
وصرح ترامب لشبكة فوكس نيوز يوم الثلاثاء الماضي، بعد لقائه بالزعماء الأوروبيين قائلا: "إنهم مستعدون لنشر قوات على الأرض".
منذ زيارتهم للولايات المتحدة، عُقدت سلسلة من الاجتماعات بين التحالف الذي يضم أكثر من 30 دولة، من بينها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وخلالها أبدت بعض الدول استعدادها لإرسال قوات. لكن كيف يمكن أن يُقرأ نشر القوات الأوروبية؟ وماذا يعني ذلك لأوكرانيا وأوروبا؟
هل ستلجأ أوروبا لقوات حفظ سلام؟
تتم الاستعانة بقوات حفظ السلام عادة من دول محايدة، وتعمل على تأدية أدوار ومهام غير قتالية. ويوضح رافائيل لوس، خبير الدفاع والأمن في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، قائلا: "دور حفظ السلام هو الأقرب إلى منظومة الأمم المتحدة، إذ تراقب هذه القوات الأطراف المتحاربة في وضع متوتر بعد وقف إطلاق النار".
وأضاف: "من الناحية النظرية، لا أعتقد أن هذا الدور يتناسب مع ما يريده الأوكرانيون ولا للنظرة الأوروبية. إنهم ليسوا محايدين في هذا الصراع، ويريدون أن يتم اعتبارهم على أنهم في صف أوكرانيا".
بالإضافة إلى ذلك، يخضع استخدام قوات حفظ السلام للقوة، لقواعد صارمة خاصة بكل ولاية، ويمكن أن تشمل الدفاع عن النفس وحماية المدنيين.
في السياق الأوكراني الروسي، يقتصر وجود قوات حفظ السلام على مهام مراقبة "تتطلب حوالي ألف جندي من قوات حفظ السلام المسلحة بأسلحة خفيفة"، حسب لوس.
وأضاف: "سيتمركزون على طول خط التماس للمراقبة"، في إشارة إلى الحفاظ على السلام على طول الحدود المتفق عليها بعد اتفاق بين أوكرانيا وروسيا، "وسيبلغون بالامتثال لوقف إطلاق النار، ولكن ليس للمشاركة في القتال".
هل سترسل أوروبا مدربين؟
صرح العديد من الخبراء لـ DW أن بعض الدول الأوروبية تفضل إرسال مئات أو آلاف من المدربين. وأضاف لوس: "يمكن نشر قوات للقيام بدور استشاري لتحديث الهياكل العسكرية الأوكرانية ومواءمتها مع معايير وإجراءات حلف شمال الأطلسي".
كما ستكون هذه القوات موجودة في دور غير قتالي، وستقوم بتدريب الجنود الأوكرانيين داخل البلاد على القتال في ساحة المعركة وتشغيل المعدات الغربية المتخصصة.
يرى الخبراء أن نشر قوات كهذه، سيزيد من كفاءة جهاز الدفاع الأوكراني، وسيُحوّل ثقافة الدفاع العامة من ثقافة مستوحاة حاليًا من الماضي السوفييتي لأوكرانيا، إلى ثقافة تُشبه الممارسات والأعراف الغربية.
وقال لوس: "من الآثار الثقافية تغيير أسلوب القيادة. لقد عمل الأوكرانيون في الغالب بأنظمة سوفييتية، وهم الآن ينتقلون إلى أنظمة حلف شمال الأطلسي التي تُعطي الأولوية للمبادرة على التسلسل الهرمي".
لكن لا أحد يعتقد أن قوات حفظ السلام أو المدربون سيشكلون ردعا فعالا، أو يضمنون عدم شن روسيا هجوما جديدا.
قوة أوروبية للردع
ناقش الأوروبيون فكرة نشر قوة جاهزة للقتال، ولكن ليس بهدف الاشتباك مع روسيا. بل يُفضلون التواجد على الأرض والعمل كقوة ردع.
قال غونترام وولف، خبير الشؤون الخارجية في مركز بروغل للأبحاث في بروكسل: "إذا كان لديك قوة كبيرة على الأرض، فهذا يُمثل ردعا بحد ذاته".
في ورقة بحثية حديثة، ذكر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، وهو مركز أبحاث، أن هدف هذه القوة "لن يكون الدفاع عن أوكرانيا في حال تعرضها لعدوان، بل ردع روسيا من خلال نشر قوات عسكرية أوروبية كافية". ولكن هذا قد يتطلب عددا كبيرا من القوات، يصل إلى 150 ألف جندي.
ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، يبلغ عدد العسكريين في الخدمة الفعلية في الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، حاليا ما يقرب من 1.5 مليون جندي. لكن العديد من الدول الأوروبية مترددة في سحب جنودها المنخرطين في الخدمة الوطنية، والذين يشاركون في خطط دفاع الناتو للاستعداد لهجوم مباشر على أراضي الحلف.
وأشارت ورقة SWP إلى أن "القوات المنشورة ستُحدث ثغرات في خطط الناتو الحالية، والتي سيتعين تعديلها". وهناك مخاوف أخرى، فالجنود الأوروبيون ببساطة ليسوا مُحنّكين في المعارك كنظرائهم الروس، وفقا للخبراء.
وأشارت دراسة لمؤسسة بروغل نُشرت في فبراير/شباط إلى أن "فعاليتهم تُعيقها غياب قيادة موحدة"، نظرا لخضوع جيوش كل دولة لحكومتها.
وأضافت دراسة بعنوان "فقدان المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، أن إرسال هذا العدد الكبير من القوات إلى صراع أمرٌ غير مستساغ سياسيا.
وقال أندريه هارتل، مدير مكتب المؤسسة الألمانية للعلوم والسياسة (SWP) في بروكسل: "هناك اختلافات كبيرة بين الدول الأوروبية حول نشر القوات. ألمانيا لا تعتبر هذا جزءا من الضمانات الأمنية"، كما استبعدت إيطاليا نشر قوات إيطالية على الأرض.
وهناك فكرة أخرى تتمثل في نشر عدد أقل من القوات الأوروبية فيما وصفه الخبراء بأنه سيناريو "خطير". وقال وولف: "يمكنك نشر ما بين 5000 و10000 جندي، ولكن إذا أصيب أي منهم، فإن ذلك سيجرّ القارة الأوروبية بأكملها، وبالتالي يُفترض أن روسيا لن تُهاجم".
هل وجود القوات الأوروبية يجعل الناتو طرفا في الحرب؟
في أي من سيناريوهات الانتشار، هناك خطر التعرض لإطلاق نار من قبل القوات الروسية أو القتل في غارات بطائرات مسيرة وقصف جوي. مع ذلك، فإن مجرد وجود قوات أوروبية على الأرض لا يعني بالضرورة إشراك الناتو في الحرب.
وبما أن ترامب قد صرح بالفعل بأن أي انتشار سيكون خارج الناتو، فلن يكون الحلفاء في حالة حرب مع روسيا بحكم الأمر الواقع حتى لو تعرضت القوات الأوروبية لنيران روسية.
وقال لوس: "من غير المرجح أن يستجيب الناتو كتحالف. لكنهم سيجرون مشاورات". وأضاف: "لا يوجد التزام قانوني بفعل أي شيء. ووفقا لصياغة معاهدة الناتو، يمكن أن يكون الرد أي شيء يراه الحلفاء مناسبا".
ويعتقد الخبراء أن أي رد محتمل من الدول المشاركة في التحالف سيكون على الأرجح محدودا ومحددا لكل حالة. ويقول وولف من مؤسسة بروغل: "إذا كان هناك حادث، فهذا أمر طبيعي". أما إذا وقع هجوم متعمد وواسع النطاق على القوات الأوروبية، فسيكون الرد مختلفا.
وقال الخبراء إن الحكومات الأوروبية منشغلة بمحاكاة سيناريوهات حربية كهذه، لكدنها تواجه معضلة: نشر القوات محفوف بالمخاطر، ورغم كل الحذر، قد يورط بلدانها في حرب أرادت تجنبها.
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة