مواجهات السويداء.... دروز الجولان يدخلون على الخط
١٦ يوليو ٢٠٢٥عبر عشرات الدروز الأربعاء (16 تموز/ يوليو 2025) الحدود الفاصلة بين إسرائيل وسوريا في كلا الاتجاهين وفق ما أعلن الجيش الإسرائيلي، كما أكد مصور وكالة فرانس برس وذلك بعد وقت قصير من إعلان الدولة العبرية تعزيز قواتها هناك.
ورصد مصور فرانس برس عبور عشرات الدروز نحو سوريا، وبالمقابل كان هناك دروز سوريون يحاولون الدخول إلى إسرائيل. وأكد وجود حالة "من الفوضى" وأن القوات الإسرائيلية استخدمت الغاز المسيل للدموع لوقفهم، مشيرا إلى عدم تسجيل إصابات.
وفي بلدة مجدل شمس، كان بين الحشود من ارتدى الزي التقليدي للطائفة الدرزية، أي الطربوش الأبيض والعمامة السوداء، ووقفوا أمام الأسلاك الشائكة يهتفون ويرفعون أعلام الطائفة على مرأى ومسمع الجنود الإسرائيليين. وقال فايز شقير بالعبرية "نريد فقط أن نساعد أهلنا، نريد أن نساعد الآباء، وعائلاتنا". وأضاف "نحن محبطون جدا، لا نستطيع فعل أي شيء، عائلاتنا هناك، زوجتي من هناك، أمي من هناك، أعمامي هناك، عائلتي كلها من هناك".
محاولات للتسلل
بدوره قال الجيش الإسرائيلي في بيان إن قواته رصدت "عشرات المشتبه بهم الذين حاولوا التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية في منطقة قرية حضر". وأكد أن قواته تعمل على "منع عملية التسلل وتفريق الحشود". كما أشار إلى عبور عدد من "المواطنين الإسرائيليين السياج الحدودي إلى داخل سوريا في منطقة مجدل شمس" وأن قواته تعمل على إعادتهم "بسلام".
واندلعت الاشتباكات الأحد في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية بين مسلحين دروز وآخرين من البدو السنة على خلفية عملية خطف. ومع احتدام المواجهات، تدخلت القوات الحكومية بـ "هدف فض الاشتباكات" كما قالت، وانتشرت الثلاثاء في مدينة السويداء. لكن بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وسكان وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو ضد المقاتلين الدروز.
ويتواجد الدروز بشكل رئيسي في سوريا ولبنان وإسرائيل. وفي إسرائيل، يشكّلون أقلية ناطقة بالعربية يبلغ تعدادها أكثر من 150 ألفا. ويتوزّع الدروز على أكثر من 20 قرية في الجليل وجبل الكرمل وهضبة الجولان المحتلة. ويحمل عشرات الآلاف منهم الجنسية الإسرائيلية. ويضاف إليهم نحو 23 ألفا في الجولان، غالبيتهم العظمى تحمل إقامات إسرائيلية دائمة.
نتنياهو يناشد
من جانبه، ناشد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه الأربعاء المواطنين الدروز عدم عبور الحدود إلى سوريا، واصفا الوضع في السويداء بأنه "خطير جدا". وقال نتنياهو متوجها للدروز "أنتم مواطنو إسرائيل، لا تعبروا الحدود. فأنتم بذلك تعرّضون حياتكم للخطر؛ قد تُقتلون، قد تُخطفون، وأنتم تعوقون جهود الجيش الإسرائيلي. لذا أطلب منكم عودوا إلى منازلكم، واتركوا للجيش القيام بمهمته".
وكان المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي قال في بيان: "بناء على تقييم الوضع تقرر تعزيز عدد القوات في منطقة الحدود مع سوريا في منطقة السياج الأمني".
وسبق ذلك استهداف الجيش الإسرائيلي مدخل مجمع الأركان العامة في دمشق، قبل أن يعلن التلفزيون السوري عن ضربة ثانية للمجمع. وجاءت الضربة بعدما طالبت إسرائيل الحكومة السورية بسحب قواتها من مدينة السويداء. وفي هذا السياق قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه "أغار ... على بوابة الدخول إلى مجمع الأركان العامة التابع للنظام السوري في منطقة دمشق". وأكد أنه يواصل مراقبة التطورات "وبناء على توجيهات المستوى السياسي يهاجم في المنطقة".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حذر سوريا الأربعاء من "ضربات موجعة". وقال كاتس "الرسائل إلى دمشق انتهت، الآن وقت الضربات الموجعة"، متوعدا بأن الجيش الإسرائيلي سيعمل "بقوة" في السويداء في جنوب سوريا "لتصفية القوات التي هاجمت الدروز حتى انسحابها الكامل".
دوامة من الخوف
في غضون ذلك قال سكان في السويداء إنهم يعيشون في دوامة من الخوف ويخشون على مصيرهم منذ بدأت القوات الحكومية دهم المنازل وتنفيذ إعدامات ميدانية، وفق شهود عيان والمرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق قال أسامة (32 عاما) لوكالة فرانس برس متحفظا عن كشف هويته خشية على سلامته: "أنا في قلب مدينة السويداء، لكنني لا أفكر بالخروج، ولا إمكان للهروب أساسا بسبب الخشية من أي عملية تصفية".
ويضيف بتأثر "رغم أن الموت احتمال وارد في أي لحظة، سواء بقينا في المنزل أو غادرنا، لكنني على يقين من أنهم إذا وصلوا إلي فستتم تصفيتي"، مشيرا إلى "إعدامات ميدانية تجري في الشوارع"، تعيد الى الذاكرة "مجازر الساحل" السوري.
وفاقمت أعمال عنف ذات خلفية طائفية استمرت لثلاثة أيام في آذار/ مارس الماضي، وأسفرت عن مقتل 1700 شخص في الساحل السوري، غالبيتهم الساحقة علويون، المخاوف إزاء مصير الأقليات.
بين ليلة وضحاها، وجد منذر (43 عاما) نفسه محاصرا داخل منزله مع أطفاله الأربعة وعاجزا عن القيام بواجبه المهني كمسعف في أحد مستشفيات المحافظة. ويقول لفرانس برس: "أنا وعائلتي داخل المنزل، لا مجال للهروب والطرقات غير آمنة بين السويداء والأرياف"، مشيرا إلى "عائلة أعرفها بشكل شخصي، قُتل أربعة أفرادها داخل منزلهم". ويضيف "لم يعد يتوافر طعام في ثلاجة منزلي، بقي لدينا قليل من الكعك، بينما الخضار والفواكه لم تعد صالحة بسبب انقطاع الكهرباء منذ 48 ساعة".
والأسوأ من ذلك، يجد المسعف نفسه عاجزا عن تلبية عشرات طلبات المساعدة التي ترد عبر هاتفه الخلوي. ويشرح "تلقيت أكثر من خمسين طلب إسعاف. أعجز عن فتح الرسائل والرد عليها، ليس بيدي حيلة"، موضحا أن "المشفى الوطني في وضع كارثي" مع قلة الإمدادات وتدفق عدد هائل من الإصابات، عدا عن تعرض محيط المستشفى للاستهداف والقنص.
وضع كارثي وفوضى عارمة
وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها من داخل المستشفى أسرّة متراصة في ممرات ضيقة خشية من شظايا الرصاص والقذائف العشوائية. واضطر كثير من المرضى للاحتماء أرضاً في زوايا الممرات، بعدما امتلأت الأسرّة كافة. ويتنقل الأطباء والممرضون بين المصابين، وسط فوضى عارمة وموارد شحيحة، بينما تلطخ الدماء الأرض.
في مدينة السويداء، شاهد مراسل لفرانس برس عناصر مسلّحة بزي عسكري تابعة لوزارة الدفاع السورية، بعضهم ملثّم، وآخرون مكشوفو الوجوه، وهم يطلقون قذائف على أحد المحاور ويهتفون "الله أكبر" مع كل قذيفة تطلق.
في الشارع إلى جانبهم، جثتان ملقتان على الأرض لمقاتلين درزيين ومن حولهم تبعثرت رصاصات فارغة. وتنقّل مقاتلون آخرون من منزل إلى آخر وأجروا فيها عمليات تفتيش. وأغلقت المتاجر أبوابها في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 150 ألف نسمة، وخلت شوارعها من السكان.
وشاهد مراسل آخر لفرانس برس صباح الأربعاء داخل المدينة نحو ثلاثين جثة، يعود بعضها لعناصر من السلطة وأخرى لمقاتلين بلباس مدني مع جعب عسكرية فيما كان الدخان يتصاعد من بعض أحياء المدينة على وقع دوي القصف المتقطع.
"إعدامات ميدانية"
ومنذ اندلاع الاشتباكات الأحد، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 302 شخص، يتوزعون بين 69 مقاتلا درزيا، إضافة الى أربعين مدنيا، قُتل 27 منهم "بإعدامات ميدانية برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية"، مقابل 165 قتيلا من القوات الحكومية و18 مسلحا من البدو. كما قتل عشرة عناصر من القوات الحكومية جراء الغارات الإسرائيلية.
وتعهّدت الرئاسة السورية بـ "محاسبة" مرتكبي "الانتهاكات" التي وصفتها بأنها "أعمال مشينة". لكن لجنة تحقيق شكّلت بعد أحداث الساحل، لم تصدر بعد نتائجها التي كان من المقرر أن تعلنها مطلع تموز/ يوليو الماضي.
يُذكر أن السلطات أعلنت الأربعاء عن التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار في السويداء.