مع تصاعد القصف .. غياب الملاجئ يزيد من معاناة الإيرانيين
١٨ يونيو ٢٠٢٥تظهر العديد من الفيديوهات المصورة في طهران، والتي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أو تُرسل مباشرة إلى أقارب في الخارج، ازدحامًا مروريًا يمتد لعدة كيلومترات على الطرق السريعة. يحاول كل من يستطيع مغادرة المدينة، فيما تتكوّن طوابير طويلة أمام محطات الوقود مع نفاد الإمدادات.
يقول شهود عيان: "من الصعب تصديق ذلك، نحن في وسط حرب". "لا تعرف متى – والأسوأ من ذلك – أين سيسقط الصاروخ القادم". وشنّ الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي، 13 يونيو/ حزيران، هجومًا على إيران استهدف البرنامج النووي الإيراني. وقُصفت منشآت نووية إيرانية، ومرافق لتصنيع وصيانة الصواريخ، بالإضافة إلى حقول النفط والغاز.
كما قتل علماء نوويون ومسؤولون في الحرس الثوري بعد استهدافهم في منازلهم. ردّت إيران بهجمات صاروخية طالت عدة مدن إسرائيلية. وحتى صباح الاثنين، ارتفع عدد القتلى في إسرائيل، بحسب السلطات، إلى ما لا يقل عن 24 شخصًا، وأُصيب نحو 600 آخرين.
طهران بدون ملاجئ
مقارنة بالمدن الإسرائيلية، لا توجد في العاصمة الإيرانية طهران، التي يزيد عدد سكانها على 15 مليون نسمة، ملاجئ للحماية من الغارات الجوية. العديد من الأهداف التي تم استهدافها في طهران منذ يوم الجمعة تقع وسط المناطق الحضرية. كما أنه في أماكن أخرى من البلاد، لا تمتلك إيران ملاجئ للحماية ولا حتى أنظمة إنذار مبكر. وقال أحد سكان طهران: "لا نعرف إلى أين نذهب. لا توجد ملاجئ في المدينة، ولا أماكن آمنة نحتمي بها وقت الخطر.
بحسب وزير الصحة الإيراني، محمد رضا ظفرقندي، فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية أسفرت عن إصابة نحو 1800 شخص، مشيرًا إلى أن الغالبية الساحقة من الضحايا هم مدنيون لا صلة لهم بأي نشاط عسكري.
وفي تصريحات نقلتها وكالة "تسنيم" اليوم، أوضح ظفرقندي أن انفجار ميدان قدس في طهران، الذي وقع يوم أمس، أدى إلى مقتل 12 مدنيًا، بينهم امرأة حامل، إضافة إلى إصابة 59 آخرين، إلى جانب أضرار جسيمة في البنية التحتية جراء تفجّر خطوط المياه في المنطقة.
ووفقًا لوكالة مهر للأنباء، أوضح حسين كرمانبور، رئيس مركز العلاقات العامة والإعلام في وزارة الصحة، أن من بين المصابين تم نقل 1277 شخصًا إلى المستشفيات الجامعية لتلقي العلاج. كما أشار في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن 522 منهم غادروا المستشفيات بعد تلقي الرعاية اللازمة.
وأكد كرمانبور أن الغالبية العظمى من الإصابات وقعت في صفوف المدنيين، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي أصابت السكان جراء التصعيد العسكري.
نزوح جماعي
ذكرت وكالة رويترز أن آلاف السكان في العاصمة الإيرانية طهران فرّوا من منازلهم، وسارعوا إلى تخزين الإمدادات الأساسية، وسط مخاوف متزايدة من تصعيد وشيك في الضربات الجوية الإسرائيلية ضد إيران، عدوها الإقليمي اللدود.
ووجّه الجيش الإسرائيلي رسائل مباشرة إلى المدنيين الإيرانيين، يحذرهم فيها من البقاء في بعض المناطق، داعيًا إلى مغادرتها حفاظًا على سلامتهم، مما يعزز المخاوف من احتمال توسيع نطاق العمليات العسكرية خلال الأيام المقبلة.
واستمر تدفق الجرحى إلى مستشفى الخميني في طهران منذ يوم الجمعة، حتى مساء الأحد. وقالت المحللة الإيرانية الأمريكية هولي داغريس إن "المدنيين الإيرانيين وجدوا أنفسهم عالقين بين جبهات القتال"، مشيرة إلى أن معاناة المواطنين العاديين – الذين لا يستفيدون حتى صفارات إنذار لتحذيرهم – يجب ألا تُغفل.
وفي حديثها لـ DW يوم الأحد، بصفتها باحثة أولى في معهد واشنطن، شددت داغريس على أن الإيرانيين يعيشون اليوم حالة من "الصدمة والخوف العميق"، إلى جانب شعور متصاعد بالغضب، لأنهم يجدون أنفسهم وسط صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل."
وأضافت داغريس: "منذ 46 عامًا، يعيش الإيرانيون تحت حكم جمهورية إسلامية تخوض، في جوهرها، حربًا ضد شعبها. ما نشهده اليوم هو نتيجة قرارات نظام فقد شرعيته لدى الناس منذ زمن طويل. ورغم تزايد أعداد الضحايا المدنيين، فإن الإيرانيين لا يريدون حربًا ولا مزيدًا من الدماء. إنهم يشعرون بالعجز التام في مواجهة هذه الكارثة".
وفي تصريح عبر التلفزيون الرسمي، دعت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، المواطنين إلى الاحتماء في محطات المترو، والمساجد، والمدارس، مؤكدة أن السلطات ستعمل على إبقاء هذه المواقع مفتوحة على مدار الساعة. إلا أن هذا التصريح قوبل بموجة استهجان واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث علّق العديد من المستخدمين الإيرانيين، بعضهم بأسمائهم الحقيقية، بسخرية وغضب: "أي من مدارسنا أو مساجدنا بُني أصلًا ليكون ملجأ ضد الصواريخ؟"
انقطاعات كهربائية واسعة
بحسب معهد دراسات الحرب (ISW)، أسفرت هذه الهجمات عن انقطاعات واسعة في التيار الكهربائي، لا سيما في المدن الكبرى مثل طهران، ما انعكس سلبًا على قدرة إيران في إنتاج الطاقة وتوزيعها. كما ألحقت أضرارا جسيمة بعدد من منشآت النفط والغاز، مما فاقم من تعقيدات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، وعمّق من تأثيرات التصعيد العسكري على الحياة اليومية للمواطنين.
وفي السياق نفسه، قال عالم الاجتماع الإيراني المقيم في السويد، مهرداد درويش بور، في تصريح لموقع DW: "أن ما يجري ليس حربًا بين الشعبين الإيراني والإسرائيلي، ويجب أن يتوقف بأسرع وقت ممكن". وأضاف: "السبيل الوحيد لتفادي المزيد من الدمار الذي قد يخرج عن السيطرة، هو أن يمارس دعاة السلام والديمقراطية حول العالم ضغوطًا حقيقية لوقف الهجمات الإسرائيلية، ودفع النظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات".
وأظهرت دراسة صادرة عن جامعة كيل أن ثقة شريحة واسعة من الإيرانيين بجيش الدفاع الإسرائيلي قد تفوق ثقتهم بحكومتهم. وعلّق الباحث الإيراني بازوبندي على ذلك بالقول: "الكثير من الإيرانيين يثقون بأن الجيش الإسرائيلي لن يستهدف المدنيين، أكثر مما يثقون بأن حكومتهم ستحميهم". وأضاف: "في حي نارماك شرق طهران، سقط صاروخ أُطلق من داخل إيران على منطقة سكنية، وليس على هدف إسرائيلي".
لا يستبعد إسقاط النظام
وفي سياق متصل، أكدت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، أن الحملة العسكرية الحالية لا تهدف بشكل مباشر إلى تغيير النظام في إيران، بل تركز على تفكيك البرنامجين النووي والصاروخي الباليستي، وتجريد طهران من قدراتها التي تُهدد وجود إسرائيل.
ومع ذلك، لم يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا السيناريو. ففي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، وردًا على سؤال بشأن ما إذا كان إسقاط النظام الإيراني هدفًا محتملاً، قال: "إنه من الممكن تمامًا أن يكون ذلك إحدى النتائج، لأن النظام الإيراني بات في غاية الضعف. هذا و يشهد الاقتصاد الإيراني تدهورًا حادًا مع احتمال تجاوز سعر الدولار 200 ألف تومان، ما ينذر بموجة تضخم جديدة تؤدي إلى ضائقة معيشية حادة . ويرى محللون أن هذا التدهور قد يشعل احتجاجات جماعية أوسع من سابقاتها، ويمنح الشعب فرصة تاريخية لتغيير النظام".
وأشار محلل شؤون الشرق الأوسط سيمون مابون إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بات مقتنعًا بأن "السبيل الوحيد لضمان أمن إسرائيل على المدى البعيد هو تدمير مفهوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وأضاف في تصريح لـDW أن هذا لا يعني استهداف الشعب الإيراني أو القضاء عليه، بل يهدف إلى إنهاء النظام السياسي القائم في طهران.
ترجمته للعربية: ندى فاروق
تحرير: عادل الشروعات