مسيرات روسية فوق بولندا- وارسو تكشر عن أنيابها للكرملين

الرئيس البولندي اليميني المحافظ كارول ناوروكي، ورئيس حكومة يسار الوسط الليبرالي المحافظ دونالد توسك، لا يفوّتان في العادة أية فرصة لتبادل الاتهامات والانتقادات العلنية. بيد أنَّ السياسيين المتعاديين حرصا يوم الأربعاء (10 أيلول/سبتمبر) على ضبط النفس وتجنب أي استفزاز.

وقال توسك في مجلس النواب البولندي: "نحن، أنا والسيد الرئيس ووزرائي، مصممون بقوة على العمل كقبضة واحدة، من دون اختلاف في الرأي". وأضاف مؤكدًا: "يجب علينا أن نجتاز هذا الاختبار متحدين. ولا يمكن أن تكون هناك ثغرة يستطيع العدو، جارنا الشرقي، أن يخترقها بمخالبه. وبدلًا من الهتافات الساخرة، قوبلت كلمته هذه المرة بالتصفيق حتى من حزب العدالة والقانون (PiS) المعارض، وذلك عندما أكد توسك على تماسك المعسكرين السياسيين في ساعة التهديد. وقال: "عندما يعمل البولنديون متحدين لا يمكن هزيمتهم".

التعاون بدل المواجهة

وفي ساعات الصباح بعد الحادث، التقى ناوروكي وتوسك مرتين لمناقشة الرد على هذا الانتهاك الجسيم لمجال بولندا الجوي. وخلال ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، تسللت 19 مُسيّرة المجال الجوي البولندي، وللمرة الأولى جاء العديد منها من بيلاروسيا.

 

وقال رئيس الوزراء: "اتفقنا على التنسيق الكامل للخطوات التالية على الساحة الدولية". وكذلك أكد الرئيس البولندي على التعاون الجيد. وحتى أنَّ رئيس مجلس الأمن القومي، سلافومير سينكيفيتش، المقرّب جدًا من ناوروكي، قد تحدّث عن "تعاون نموذجي" بين مكتب الرئيس والحكومة. والرئيس بموجب الدستور البولندي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويلعب دورًا مهمًا في المسائل الأمنية. وهذا الوضع الاستثنائي يفرض على المعسكرين المتعاديين التعاون لمواجهة التهديد القادم من الشرق.

19 مسيّرة انتهكت المجال الجوي البولندي

قررت القيادة العسكرية البولندية إسقاط ثلاث طائرات مسيرة على الأقل بعد اعتبارها خطير بشكل خاص. ومن أجل ذلك حلقت طائرات F-16 بولندية وطائرات F-35 هولندية، ومن المفترض أنَّ جنودًا إيطاليين وألمانًا شاركوا في العملية أيضًا.

وعُثر على بقايا المسيّرات في مناطق مختلفة داخل بولندا. ووصلت بعض المسيّرات إلى مدينة لودز في وسط بولندا على بعد نحو 250 كيلومترًا من الحدود البولندية في الشرق. وأدت أجزاء من مسيّرة إلى تدمير سقف منزل في بلدة ويريكي القرب من لوبلين في شرق البلاد. ولم يُصب أحد بأذى. وتعليقًا على ذلك قال المتحدث باسم الحكومة البولندية، آدم سزلابكا إنَّ "المسيّرات كانت غير مسلحة". 

وقال ناوروكي: "هذه لحظة غير مسبوقة في تاريخ حلف الناتو وفي تاريخ بولندا الحديث". وأضاف توسك: "للمرة الأول يتم إسقاط مسيّرات روسية معادية فوق أراضي الناتو". وقرّر رئيس الدولة ورئيس الوزراء معًا تفعيل المادة الرابعة من ميثال الناتو، التي تنص على طلب أية دولة عضو في الحلف التشاور مع بقية الدول الأعضاء.

توسك: "كلمات التضامن لا تكفي"

ومن جانبه استغل توسك الحادثة لتوجيه نداء دراماتيكي للحلفاء وقال إنَّ بولندا ممتنة لجميع كلمات التضامن. "لكن هذا لا يكفي"، كما أكد رئيس الحكومة. وقال: "نحن نتوقع دعمًا أكبر بكثير". وإنَّ الحرب في أوكرانيا ليست مسألة بولندية أو أوكرانية، بل هي "مواجهة أعلنتها روسيا لكل العالم الحر". ويذكر أنَّ بولندا تنفق على الدفاع 4.7 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وتستفيد كثير من البرنامج الدفاعي الأوروبي SAFE.

وأكد وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أنَّ "بولندا والناتو لا يمكن إخافتهما". وأضاف: "يجب على روسيا أن تفهم أخيرًا أنَّ محاولة إعادة بناء إمبراطوريتها القديمة محكومة عليها بالفشل".

وأغلقت بولندا حدودها مع بيلاروسيا بشكل تام قبل أن تبدأ  في بيلاروسيا وروسيا مناورات "زاباد" (الغرب) العسكرية، التي ربما يتدرّب الجيشان خلالها على القيام بهجمات ضد الغرب أيضًا. وتخشى وارسو مزيدًا من الاستفزازات.

حملات تضليل روسية

وحذّر وزير التحول الرقمي، كريستوف جاوكوفسكي، من حملات تضليل روسية وبيلاروسية. وقال السياسي اليساري جاوكوفسكي إنَّ "عدد الأخبار الكاذبة على الإنترنت يزداد باستمرار". وأضاف أنَّ "روسيا وبيلاروسيا تقفان خلف هذه الحملة المنظمة"؛ والتي تهدف إلى التنصّل من المسؤولية عن هجوم المسيّرات وتحميلها أوكرانيا، من أجل إثارة الخلاف بين بولندا وجارتها التي تتعرض لهجوم من روسيا.

وتعتمد بولندا في السياسة الأمنية بشكل أساسي على تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي اجتماع مع ناوروكي في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضيفه البولندي أنَّه لا يريد سحب القوات الأمريكية من بولندا.

ولذلك فإنَّ المسؤولين في وارسو يتنظرون بفارغ الصبر الرد من واشنطن. واقد أجرى ناوروكي اتصالًا هاتفيًا مع ترامب مساء الأربعاء. وكتب بعد ذلك على موقع إكس (تويتر): "المحادثة كانت جزءًا من سلسلة مشاورات أجريتها مع حلفائنا". وأضاف أنَّ "محادثات اليوم أكدت وحدة الحلفاء".

"عدو بولندا في الشرق وليس في الغرب"

وعلى الرغم من الجهود من أجل وحدة الرأي في وارسو، لكن توسك استغل خطابه في البرلمان لتحذير المعارضة القومية المحافظة من الإساءة لألمانيا. وتوسك رئيس الحكومة الليبرالي المحافظ، الذي تشوّه صورته المعارضةُ بوصفه "عميلًا لألمانيا" - قال إنَّ "عدو لبولندا السياسي، الذي لا يُخفي نواياه العدائية، موجود خلف الحدود الشرقية، ليس الحدود الغربية". وخاطب المعارضة: "لا تبحثوا عن عدو في الغرب، يكفي العدو الحقيقي في الشرق". وويذكر أنَّ بطاريتي باتريوت ألمانيتين متمركزتين في شرق بولندا شاركتا في أيضًا في التصدي لمسيّرات الروسية.

وعلق الصحفي البولندي بارتوش فيلينسكي في صحيفة غازيتا فيبورتشا اليومية: "بعد توغل المسيّرات الروسية في بولندا، يجب على الناتو ألا يتراجع". وأضاف أنَّ: "إظهار قوة الحلف ووحدته يجب أن يكون عظيمًا ودائمًا. ولدول الأوروبية الأعضاء في الناتو تستطيع تحقيق ذلك أيضًا من دون دعم الولايات المتحدة الأمريكية".

أعده للعربية: رائد الباش