مسار جديد للصراع في ايرلندا الشمالية
في بادرة غير مسبوقة أعلنت منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي رسميا في بيان لها وقف العمل العسكري ضد بريطانيا وسلوك الطرق السلمية من الآن فصاعدا لتحقيق أهدافها. وجاء في البيان إقرار المنظمة الايرلندية بأن قيادتها " أعلنت رسميا عن نهاية العمل المسلح"، مطالبة جميع وحداتها بإلقاء السلاح ومواصلة السعي إلى تحقيق هدف إنهاء الاحتلال البريطاني لايرلندا الشمالية بطرق سلمية فقط. ومع صدوره تنهي المنظمة حقبة عنف دامت أكثر من ثلاثة عقود وأسفرت عن سقوط أكثر من 3000 ضحية. وجاء القرار التاريخي الذي صدر في عاصمة ايرلندا الشمالية بلفاست ليفاجئ المراقبين للصراع الدامي بين الجناح السري للمنظمة والقوات البريطانية ويلاقي ترحيب حكومات لندن وواشنطن وبلفاست. وفي حين تشير توقعات المحللين إلى أن نوايا المنظمة صادقة في التخلي عن العنف، رفض مسؤولوها مطالب الجانب البروتستانتي في ايرلندا الشمالية الرامية إلى حل المنظمة. يشار إلى المنظمة الكاثوليكية التزمت منذ عام 1997 بشروط هدنة اتفقت عليها مع الحكومة البريطانية وأدت في عام 1998 إلى توقيع اتفاق سلام مع لندن.
بلير: قرار تاريخي
من جانبه رحب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ونظيره الايرلندي بيرتي آهيرن بإعلان الجيش الجمهوري التخلي عن العنف، مطالبين مسؤولي المنظمة بالتطبيق الفعلي لهذا القرار. وقال المسؤولان في بيان مشترك إنه إذا ترجم الجيش الايرلندي هذا التعهد إلى لغة الواقع، فإنه يمكن اعتباره "قرارا تاريخيا ومهما" ويوما "حل فيه السلام محل الحرب." بالمقابل جاءت تصريحات كبير البروتستانتيين في ايرلندا الشمالية يان بايسلي بخصوص البيان لتشير إلى أن الجانب البروتستانتي ما زال يشكك في نوايا الجيش الجمهوري المعلنة. وقال بايسلي إنه " لم يعثر في البيان على اعترافات جدية تشير إلى استعداد الجيش الجمهوري التخلي عن أعماله الإجرامية."، على حد قوله.
تجدر الإشارة إلى أن الجمهوريين تعرضوا في الأشهر القليلة الماضية لضغوطات كبيرة أثر انتشار إشاعات عن ضلوعهم في أعمال سطو وارتكاب جرائم، الأمر الذي أفقدها شعبيتها ومصداقيتها في الأوساط الكاثوليكية في ايرلندا الشمالية. وأشارت هذه الشائعات الى تورطهم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في أضخم عملية سطو عرفتها أيرلندا الشمالية وهي السطو على بنك "نورثرن بنك" وفي قتل الايرلندي الكاثوليكي روبرت مكارتني.
قرار صعب بعد نقاش مطول
وحسب المراقبين، فإن تخلي المنظمة رسميا عن العنف والعمل العسكري يعتبر قرارا لا نظير له في تاريخ نضال المنظمة ضد "الاحتلال البريطاني" لايرلندا الشمالية، وذلك منذ لجوئها إلى العمل المسلح بداية السبعينيات. وتشير الأرقام البريطانية الرسمية إلى أن أكثر من 35 عاما من العنف كلفت 3000 ضحية. ويعزو الخبراء استعداد المنظمة للقيام بهذه الخطوة التاريخية إلى المناقشات الداخلية الحامية والطويلة التي شملت لجانها ووحداتها وأدت في النهاية إلى قبولها بالتخلي عن العنف. كما تأتي نتيجة الجهود المكثفة التي بذلها جيري آدمز زعيم حزب شين فين، الذراع السياسي في المنظمة، في سبيل إقناعها بالتخلي عن العمل المسلح واللجوء إلى العمل السياسي من أجل تحقيق أهدافها.
تاريخ نضالي طويل
وكان الجيش الجمهوري الايرلندي تأسس بعد الحرب الايرلندية البريطانية التي اندلعت عام 1919 واستمرت حتى عام 1922. وقد جاءت تلك الحرب إثر إعلان البرلمان الايرلندي استقلال بلاده عن بريطانيا آنذالك. وبعد الحرب التحق عدد كبير من جنود الجيش الايرلندي بمنظمة الجيش الجمهوري الايرلندي وبدؤوا بمقاومة القوات البريطانية المرابطة في ايرلندا الشمالية والمطالبة باستقلالها عن لندن.
تقرير: ناصر جبارة