ما تبعات الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة غزة؟
١٧ سبتمبر ٢٠٢٥بعد أيام من القصف، بدأت إسرائيل الثلاثاء (16 أيلول/سبتمبر 2025) هجومها البري على مدينة غزة، بالرغم من جميع التحذيرات، وحتى تلك الصادرة عن جيشها. ومن المتوقع وقوع معارك عنيفة مع حركة حماس المُصنَّفة لدى كثير من الدول الغربية منظمة إرهابية. وأفادت مصادر فلسطينية أنَّ 35 شخصاً على الأقل قُتلوا حتى صباح الثلاثاء وحده.
ما مدى تضرر مدينة غزة حتى الآن من الهجوم الإسرائيلي؟
تعرّضت مدينة غزة في الماضي لهجمات متكررة من قبل الجيش الإسرائيلي، واستُهدفت فيها مدارس ومخيمات لاجئين وأماكن إيواء طارئة. على سبيل المثال قصفت إسرائيل بغزة في نهاية أيار/مايو 2025 مدرسة فهمي الجرجاوي، التي كانت تستخدم آنذاك كملجأ للنازحين. وبحسب مصادر فلسطينية فقد قتل في ذلك القصف 33 شخصاً وأصيب العشرات، معظمهم من الأطفال، بحسب ما ذكره متحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني لوكالة فرانس برس للأنباء. بينما أعلنت إسرائيل أنَّ هذه الضربة كانت موجهة ضد إرهابيين فلسطينيين.
وتعرضت البنية التحتية في المدينة لأضرار جسيمة في قطاع غزة وكذلك في مدينة غزة. وفي مدينة غزة وحدها بلغت قيمة الأضرار 7.29 مليار دولار، وفق ما نقلته قناة الجزيرة الإخبارية عن تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولي في نيسان/أبريل 2024. ويتحدث تقرير نشره معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) في أيلول/سبتمبر عن أنَّ إجمالي المباني المتضررة بلغ 36611 مبنى، منها 8578 مبنى تدمر بشكل كلي.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية عن مؤتمر صحفي للأمم المتحدة في نهاية آب/أغسطس 2025، جاء فيه أنَّ 796 ألف شخص تشردوا منذ منتصف آذار/مارس. وذكرت الوكالة نقلاً عن المتحدثة باسم الأمم المتحدة دانييلا غروس أنَّ نحو 95 بالمائة من حركات النزوح تلك حدثت داخل مدينة غزة، محذرة من النزوح داخل النزوح.
ما مدى قوة حماس اليوم؟
بحسب وكالة الأناضول تعتقد إسرائيل أن هناك نحو 3000 عضو جاهز للقتال من حماس في مدينة غزة. وأشعل هجوم الحركة الفلسطينية غير المسبوق على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الحرب في قطاع غزة. وفي حوار مع DW في بداية أيلول/سبتمبر 2025، أوضحت الخبيرة العسكرية مارينا ميرون من كلية كينغز لندن أنَّ من الصعب إجراء تقييم دقيق لقوة حماس الضاربة. ولكن بحسب تعبيرها فإنَّ حماس ما تزال تسيطر على المدينة وعلى الأرجح ستكون المعركة شديدة ودموية.
وقالت مارينا ميرون: "ستكون هذه عملية صعبة للغاية، وذلك لأنَّ حماس لم يعد لديها ما تخسره". وأضافت أنَّ البنية التحتية الحضرية المتبقية - وخاصة المباني المرتفعة والشوارع الضيقة - يمكن أن تكون مفيدة تكتيكياً لحركة حماس.
ومن جانبها تحدثت منظمة الضغط اليهودية الأمريكية "جي ستريت" في وثيقة بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2025 عن ضعف كبير أصاب حماس. وذكرت أنَّ الجناح العسكري لحركة حماس كان يضم قبل بدء الحرب نحو 30 ألف مقاتل، منظّمين في خمسة ألوية و24 كتيبة. وبحسب جيش الدفاع الإسرائيلي فقد تم قتل حتى 23 ألف مقاتل من هؤلاء المقاتلين وتم تدمير 20 كتيبة.
وذكرت المنظمة أنَّ حماس تحولت من منظمة شبه عسكرية إلى قوة حرب عصابات لامركزية. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة، تفيد بعض التقارير بأنَّها جنّدت حتى 30 ألف مقاتل جديد، لكن لم يتلق الجزء الأكبر منهم تدريبات عسكرية.
ما التداعيات على السكان؟
بحسب الأمم المتحدة فقد تشرد جميع سكان غزة، البالغ عددهم 2 مليون نسمة، تقريباً خلال هذه الحرب المستمرة من نحو عامين، والكثيرون منهم نزحوا عدة مرات. والآن بات يجب على مئات الآلاف من السكان الفرار والتشرد مرة أخرى، وقد تصبح مدينة غزة المدمرة أصلاً "غير صالحة للسكن" بسبب استخدام الأسلحة المتفجرة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وبحسب بيانات عسكرية إسرائيلية فقد غادر المدينة حتى صباح الثلاثاء نحو 40 بالمائة من المدنيين. وذكرت وكالات أنباء أنَّ الجيش الإسرائيلي دعا الأهالي في غزة إلى التوجه إلى ما يعرف باسم المنطقة الإنسانية جنوب القطاع الساحلي. ولكن حتى هذه المنطقة شهدت في الماضي الكثير من الهجمات المميتة.
وحذّر يوم الثلاثاء (16 أيلول/سبتمبر 2025) المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إدوارد بيجبيدر، من "العواقب الوخيمة على أكثر من 450 ألف طفل" يعانون أصلًا من الصدمة والإرهاق. وقد أعلنت في نهاية آب/أغسطس الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى حالة المجاعة لأول مرة في منطقة غزة الإدارية، التي تقع فيها مدينة غزة.
ماذا يعني الهجوم بالنسبة للرهائن الإسرائيليين؟
وحياة الرهائن مهددة بمزيد من الخطر بسبب الهجوم البري. فقد نقلت في نهاية آب/أغسطس صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن أبو عبيدة، المتحدث الإعلامي للجناح العسكري لحركة حماس، والذي أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقنله، قوله إنَّ الرهائن الإسرائيليين "سيكونون مع مجاهدينا في أماكن القتال والمواجهة، في ذات ظروف المخاطرة والمعيشة". وكان يقصد بـ"أماكن القتال" مدينة غزة.
وكذلك ترى مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أنَّ حياة الرهائن مهددة بسبب الهجوم البري. وحول ذلك قالت في منتصف أيلول/سبتمبر خلال مؤتمر صحفي للأمم المتحدة في جنيف إنَّ "الهجوم المتواصل للسيطرة على ما تبقى من غزة لن يعرض الفلسطينيين وحدهم للخطر، بل أيضاً الرهائن الإسرائيليين المتبقين".
كيف تتم مناقشة الهجوم في إسرائيل؟
أعرب منتدى أهالي الرهائن المحتجزين لدى حماس عن قلقه الكبير بعد ورود الأنباء عن بدء الهجوم على مدينة غزة. وبعد 710 ليلة في قبضة الإرهابيين، "قد تكون هذه الليلة هي الليلة الأخيرة بالنسبة للرهائن"، كما جاء في بيان من أهالي الرهائن نشرته وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).
وتتزايد بين الإسرائيليين الانتقادات لحرب غزة وخطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وكثيراً ما تحدث احتجاجات حاشدة، كان آخرها قبل نحو أسبوع أمام مقر إقامة نتنياهو في القدس. ويطالبه آلاف الأشخاص بعقد صفقة مع حماس، بسبب خوفهم على حياة ذويهم في محاولة السيطرة على مدينة غزة.
وبحسب استطلاعات الرأي الحالية التي أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي (IDI) غير الحزبي، فإنَّ نحو ثلثي الإسرائيليين يؤيدون الآن إجراء اتفاق ينص على إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل وقف القتال وانسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة. وذكر المعهد أنَّ معظم الناس قلقون في المقام الأول على مصير الرهائن والجنود الإسرائيليين، أكثر من قلقهم على وضع الفلسطينيين.
كيف يبدو رد العالم العربي؟
من الواضح أنَّ رد العالم العربي متحفظ. وفي يوم الاثنين من هذا الأسبوع، عقدت في الدوحة قمة لرؤساء الدول والحكومات العربية والإسلامية. وأعرب بعض رؤساء الحكومات خلال هذه القمة عن انتقادات شديدة لأفعال إسرائيل في غزة. وذهب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى حد اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية - وهذا ما تنفيه إسرائيل بشدة. ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل بأنَّها "عدو" - على الرغم من معاهدة السلام التي عقدتها إسرائيل ومصر سنة 1979.
ولكن لم يكن جميع السياسيين الحاضرين في الدوحة مستعدين للإدلاء بمثل هذه التصريحات الشديدة اللهجة. وتضمن البيان الختامي الدعوة إلى "اتخاذ كافة التدابير القانونية والفعالة الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة أفعالها ضد الشعب الفلسطيني". ودعا البيان "جميع الدول" إلى "مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية" مع إسرائيل "ومباشرة الإجراءات القانونية ضدها".
ومن غير المستبعد أيضًا أن تحتفظ بعض الدولة لنفسها بحق اتخاذ خطوات أخرى، كما قال قبل وقت في حوار مع DW فيليب دينستبير، رئيس البرنامج الإقليمي لدول الخليج في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية. وأشار الخبير في المؤسسة الألمانية المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ مثلاً إلى الإمارات والبحرين، اللتين وقّعتا قبل عدة سنين اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل تعرف باسم اتفاقيات إبراهيم. "ولكن من المحتمل أنَّ أبو ظبي والمنامة غير مستعدتين للحفاظ على هذه الاتفاقيات تحت جميع الظروف"، كما يقول دينستبير.
أعده للعربية: رائد الباش