لمن سيصوت الألمان من ذوي الأصول المهاجرة في الانتخابات؟
٢٨ يناير ٢٠٢٥لم يبق أمام الأحزاب الكثير من الوقت لإقناع الناخبين ببرامجها الانتخابية، فبعد أقل من شهر (23 شباط/ فبراير) ستجرى الانتخابات التشريعية المبكرة. وتوجد فئة من الناخبين لا يزال هناك حاجة وإمكانية للتحرك بينهم وكسب أصواتهم، وهم الناخبون ذوو الأصول المهاجرة، ويقدر عددهم بنحو 7,1 مليون ناخب.
مجموعة مشاركتها في الانتخابات قليلة، مقارنة بالناخبين الآخرين الذين ليسوا من أصول مهاجرة، والذين لم يعودا ملتزمين بحزب محدد كما في السابق، تقول الباحثة الاجتماعية فريدريكه رومر لـ DW: "الحزب الذي يتمتع بأكبر الإمكانيات بين تلك المجموعات التي تم بحثها، هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وحوالي 20 بالمئة من الناخبين ذوي الأصول المهاجرة يرون أنه يمكنهم انتخاب حزب البديل من أجل ألمانيا! وعند سؤالهم: أي حزب لديه القدرة على تقديم الحلول؟ يجيب أغلبهم، كما باقي الناخبين، ولا أي حزب".
كما أن هناك توجه آخر: وهو أن حزب اليسار وحزب "تحالف ساره فاغنكنيشت" لديهما شعبية بين هذه الفئة من المهاجرين، بينما حزب الخضر فإن شعبيته أقل.
المخاوف المادية أكبر!
الناخبون ذوو الأصول المهاجرة أيضا يولون قضايا الاقتصاد والتضخم أهمية كبيرة ولها الأولوية لديهم. وتقول فريدريكه رومر الباحثة في المركز الألماني لأبحاث الهجرة والاندماج "عندما يتعلق الأمر بالمخاوف المادية ومشاكل التقاعد أو السكن، فإن الناس من أصول مهاجرة، غالبا ما يعبرون عن قلق أكبر، مقارنة بالآخرين الذين ليست لديهم أصول مهاجرة".
وتضيف رومر "نرى أيضا، أن الناس ذوي الأصول المهاجرة لديهمقلق أكبر من أن يصبحوا ضحايا جريمة". وهذه المخاوف يغذيها حزب البديل من أجل ألمانيا الذي يعتبر يمينيا متطرفا جزئيا، والذي صحيح أنه يقود حملة انتخابية معادية للأجانب ويثير المشاعر ضد المهاجرين، لكنه وفي نفس الوقت يريد الوصول إلى مجموعات جديدة من الناخبين. وهذا يمكن أن يكون ناجحا لدى بعض ذوي الأصول المهاجرة، حسب رأي الباحثة الاجتماعية فريدريكه رومر، التي تقول "إنه (حزب البديل) بارع جدا في مخاطبة فئة محددة من ذوي الأصول المهاجرة وكسب تأييدهم لسياسته. فهو يتوجه للمهاجرين الذين يعيشون منذ فترة طويلة في ألمانيا، وخاصة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو تركيا، بخطاب مفاده: أنتم لستم المشكلة، وإنما المهاجرون الجدد هم المشكلة. وهذا ينطبق بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي".
مشاركة ضعيفة في الانتخابات لذوي الأصول التركية
الأشخاص من أصل تركي ولديهم موقف نقدي تجاه الإسلام، ومستوى عالي نسبيا من الانصهار أو تاريخ هجرة منذ عقود عديدة، و يرون الوافدين الجدد كمنافسين لهم، هم الذين قد تنجح معهم استراتيجية حزب البديل، حسب رأي يونس أولوسوي، مدير البرامج في مركز دراسات تركيا وأبحاث الاندماج في مدينة إيسن الألمانية، ويقول لـ DW : "لكنني أعتبر هذه المجموعة هامشية. لأنه حين أسمع التصريحات التي يدلى بها حزب البديل بشأن الهجرة والإسلام، لا يمكنني تصور أنه سيحصل حاليا على تأييد كبير بين مجتمع ذوي الأصول التركية".
في الماضي صوت الأتراك المجنسون للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وصحيح أن الحزب لا يزال يحظى بدعمهم، لكن ارتباطهم بالحزب قد تراجع مؤخرا. وبدل ذلك يزداد ميل ذوي الأصول التركية إلى عدم المشاركة في الانتخابات، ومشاركتهم ضعيفة مقارنة بالمجموعات الأخرى من المهاجرين. ويعلل أولوسوي ذلك بالقول: "هناك مجموعة كبيرة من الشباب، لا يشعرون بالانتماء التام بسبب تجاربهم اليومية مع التمييز والاستبعاد. وهذا الشعور يؤذيهم، وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى ابتعاد الشباب عن السياسة وعدم المشاركة في الانتخابات".
ويضيف أولوسوي منتقدا، بأن الساسة يركزون كثيرا على العجز والمشاكل مع المجتمع التركي، بدل الحديث عن التطورات الإيجابية ونقل شعور بالقبول إلى هؤلاء.
تأييد كبير لحزب البديل
مجموعة أخرى كبيرة من ذوي الأصول المهاجرة لديهم هذا الشعور بعدم الانتماء، وهم المهاجرون من دول الاتحاد السوفياتي سابقا. فمع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، شعر هؤلاء وخاصة الكثير من "الألمان الروس" بأنهم غرباء، حسب رأي المؤرخ يانيس باناغيوتيديس، ويوضح لـ DW أن المستفيد من ذلك هو حزب البديل الذي اهتم باكرا بهذه المجموعة، ويضيف "يحاول حزب البديل بكل ما أوتي من قوة تقديم نفسه على أنه حزب الألمان الروس". مع وعود استبدادية وسياسة فرض النظام والقانون وموقف مناهض للهجرة، وهو أمر مهم جدا لفئة من هذه المجموعة، "لأن شعور المرء بعدم الأمان يجعله ضد الهجرة، وخاصة من البلدان الإسلامية".
وحسب الدراسات فإن موضوع الهجرة بالنسبة للمهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي سابقا له أهمية خاصة. وبسبب النظر بعين الشك لسياسة الهجرة التي اتبعتها المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، بدأ تأييد هؤلاء للاتحاد المسيحي يتراجع، بعد أن كان تأييدهم له كبيرا جدا.
وصحيح أن الاتحاد المسيحي المكون من حزبي:الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، قد بدأ في استقطاب هذه الفئة من الناخبين، وخاصة من خلال التركيز على موضوع معاشات التقاعد، الذي يعتبر مهما بالنسبة لكبار السن من هؤلاء. لكن إلى جانب حزب البديل، فإن المستفيد من التطورات الأخيرة في استقطاب هذه الفئة من المهاجرين، هو حزب "تحالف ساره فاغنكنيشت" يقول يانيس باناغيوتيديس المدير العلمي لمركز أبحاث تاريخ التحولات في جامعة فيينا.
"في الماضي انتخب الكثير من المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي سابقا، حزب اليسار أيضا. لكن جزءا كبيرا من هؤلاء انتقل إلى حزب اتحاد ساره فاغنكنيشت. وإذا استمر الحزب في الوجود مستقبلا، فإنه لديه الإمكانية ليكون ناجحا ليس بين المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي سابقا فقط، فهو لا يضع نفسه في موقع اليمين المتطرف، الأمر الذي قد يردع الناخبين ذوي الأصول المهاجرة". يقول باناغيوتيديس.
أعده للعربية: عارف جابو