لماذا يجب على أوروبا تطوير منظومة "قبة ذهبية" خاصة بها؟
٣٠ مايو ٢٠٢٥أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأسبوع الماضي عن إطلاق مشروع "القبة الذهبية لأمريكا " بهدف مواجهة أي تهديد صاروخي لأراضي الولايات المتحدة.
وبينما يعد هذا الطموح رمزا لأسلوب ترامب الذي يتسم بهوس العظمة، فإنه يؤكد على حقيقة صعبة ، وهى أن نظم الدفاع الجوي والصاروخي الغربية متأخرة بشكل خطير عن القدرات الهجومية الناشئة و القوية على نحو متزايد للخصوم غير الغربيين، بحسب المحلل العسكري السلوفاكي توماش ناجي. وقال ناجي، وهو باحث أول في الدفاع النووي والفضائي والصاروخي في مركز غلوبسيك، وهو مركز أبحاث عالمي، وشغل سابقا منصب مستشار أول للسياسات لدى نائب وزير الدفاع في جمهورية سلوفاكيا، إن الاتجاه واضح من خلال التقدم الصاروخي الفرط صوتي لروسيا والصين إلى التقدم المتواصل لكوريا الشمالية في الصواريخ الباليستية، وبرنامج إيران النووي الذي من شأنه أن يضعها على عتبة قوة نووية وحتى عمليات التطوير في باكستان التي لم يتم الإعلان عنها. وأضاف ناجي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، أن الدول الغربية تفتقر إلى كل من النظم الدفاعية لحماية نفسها والقدرات الهجومية المكافئة لردع أعداء محتملين.
بالنسبة للولايات المتحدة ، يشير الإعلان عن "القبة الذهبية" إلى تغيير جذري، لا يركز على اعتراض الصواريخ فحسب، ولكن على منظومة متكاملة من الجيل القادم. ويشمل ذلك أجهزة استشعار في الفضاء وحتى من المحتمل وسائل اعتراض تربط الأصول على الأرض وفي البحر والجو وخارج الغلاف الجوي من خلال ألياف بيانات ناشئة تربط أجهزة الاستشعار المدنية والعسكرية، مما يعزز التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. وما زال من العدل القول إن المبادرة في مراحلها الأولى وتواجه مجموعة من التحديات الكبيرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تشمل هذه التحديات في معوقات في الإنتاج ونقص في المكونات وافتقار دائم للتكامل عبر طبقات الدفاع المختلفة.
التهديدات الصاروخية ضد أوروبا
وفي أوروبا، يعتبر التحدي مختلفا بشكل طفيف ولكن ليس أقل إلحاحا. وأثبتت حرب روسيا على أوكرانيا الدور المدمر للنظم الصاروخية- الباليستية والكروز. وفي حال واجهت أوروبا صراعا واسع النطاق مع روسيا، سوف تكون التهديدات الصاروخية خطيرة بالمثل إن لم تكن أكثر خطورة نظرا لقدرة روسيا المحدودة على الدفع بقوات برية تقليدية إلى عمق أراضي العدو. وفي مثل هذا السيناريو، فإن من المرجح أن روسيا سوف تعتمد على نحو أكثر على الهجمات الصاروخية عن بعد. وما زال الدفاع الصاروخي مهملا في سياسة أوروبا الدفاعية، وتم إهماله على نحو أكثر من القدرات المهمة الأخرى مثل انتاج ذخيرة المدفعية والحرب الإلكترونية والطائرات المسيرة وامتلاك القوة الجوية الاستراتيجية. وكانت النتيجة، فجوة كبيرة في قدرة أوروبا على الدفاع عن أجوائها.
ولا تملك الدول الأوروبية اليوم إلا جزءا ضئيلا من نظم الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل (أي أيه إم دي) الذي يعد ضروريا لردع روسيا بشكل موثوق، أو للدفاع عن نفسها حال فشل الردع. وفي العام الماضي ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) يمكنه أن يفتخر فقط بامتلاك أقل من 5% من قدرات الدفاع الجوي الضرورية للدفاع عن أوروبا الشرقية. وبعض مستويات الضعف أمر حتمي في أي حرب ولكن تعرض أوروبا حاليا للهجوم يتعذر الدفاع عنه ومثير للقلق الشديد. ومما يجعل الأمور أسوأ هو أن قدرات القارة الهجومية الصاروخية لا تبعث على المزيد من الطمأنينة.
ضعف الردع الأوروبي تجاه روسيا
هناك حفنة فقط من الدول الأوروبية تمتلك صواريخ قادرة على ضرب أهداف روسية من الجناح الشرقي للناتو، الذي يعد المسرح الأكثر ترجيحا لصراع في المستقبل. ومن بين هذه الدول، تمتلك بريطانيا وفرنسا قدرات الصواريخ الباليستية بمدى يفوق ألف كيلو متر. والأمر الأسوأ من ذلك هو أنه لن تكون المخزونات الحالية من الأسلحة كافية لشن حملة مستدامة حال فشل قوات هذه الدول في الردع. ومع وجود مخزون روسي قوي نسبيا من صواريخ تقليدية متنوعة، فإنه من غير المرجح أن تصل الدول الأوروبية إلى مرحلة التكافؤ في أي وقت قريب في ظل الافتراضات الواقعية، ولذا، هناك حاجة على نحو ملح لشكل ما من نمو القدرات. ومع ذلك، هناك إشارات إلى حدوث تقدم .
وتتعهد مبادرة "النهج الأوروبي للضربات البعيدة المدى" باستقلالية أكبر في إنتاج الصواريخ واستدامته وبمخزونات أكبر وأسلحة نارية متنوعة ذات مدى طويل. ويتعين على أوروبا التحرك على نحو عاجل وأن تكون لديها استراتيجية. ويعني هذا تسريع وتيرة المشتريات والتعاون مع حلفاء غير أوروبيين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وكوريا الجنوبية لضمان مشاركة واسعة عبر الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو بما في ذلك الدول التي لديها جيوش أصغر، وتنويع المنصات الصاروخية في كل المجالات.
ضرورة التكامل الأوروبي الأمريكي
وتابع ناجي أن المهم هو أنه يتعين على أوروبا تجنب بعض العراقيل التي تعوق جهود الولايات المتحدة، فبينما تبشر القبة الذهبية بحماية متعددة الطبقات، فإنها يمكن أن تتعرض لتحديات التكامل. ولايتعين على أوروبا أن تنشئ أنظمة فحسب، بل أيضا نظام للأنظمة يربطه تخطيط هندسي متماسك وبنية تحتية مشتركة للبيانات. ويمثل توسيع نطاق القاعدة الصناعية الدفاعية تحديا مهما آخر. ويزداد الطلب عالميا على المكونات الرئيسية، وهى أجهزة الاستشعار ومحركات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، حيث تشغل أكثر من 18 دولة بالفعل نظم باتريوت.
وأوروبا ليست في سباق مع الزمن فحسب، ولكن أيضا في منافسة مع بقية العالم بشأن قدرة الإنتاج. ويجب أن تحدد أيضا القدرة على التنقل والبقاء وجهة الاستثمار الأوروبي. ويجب أن تتمتع أنظمة الدفاع الصاروخية بقدرة عالية على التنقل لتجنب ان تصبح نفسها أهدافا، خاصة مع مراعاة قدرات الخصوم على توجيه الضربات دقيقة التوجيه والمراقبة المستمرة. وأخيرا، لا يستطيع أي نظام للدفاع الصاروخي، سواء كان أوروبيا أو أمريكيا، أن يوفر حماية مثالية. وتظل فكرة درع شامل ضد هجوم استراتيجي روسي أو صيني واسع النطاق خيالا تكنولوجيا. ولن يغير حتى وجود قبة ذهبية ناجحة حقيقة أن الهجوم يحتفظ بميزة عملياتية متواصلة. واختتم ناجي تقريره بالقول إنه مازال هناك وقت أمام أوروبا، ومع ذلك لا يجب أن يعطي ذلك الزعماء الأوروبيين شعورا بالارتياح. ولا يعد توفر دفاع صاروخي متكامل وقوى ومتعدد الطبقات مع ردع موثوق بضربة طويلة المدى خيارا فهو يعد عنصرا لا غني عنه على نحو متزايد لأمن أوروبا في المستقبل.
تحرير: خ.س