لماذا تقود السعودية حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟
٨ أغسطس ٢٠٢٥يراها البعض "براعة دبلوماسية" تُتيح فرصة حقيقية للسلام في الشرق الأوسط. بينما يقول المنتقدون إنها خطوة أنانية، و"خدعة دعائية" للمساعدة في تلميع صورة الدولة. فلماذا تقود السعودية حملة الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية؟
بدأت الحملة السعودية الحالية لحث المزيد من الدول على الاعتراف بفلسطين كدولة منذ حوالي سنة. في سبتمبر/ أيلول 2024، أعلنت السعودية، بالاشتراك مع النرويج، عن إطلاق "التحالف العالمي لتفعيل حل الدولتين" وعقدت أول اجتماعين له في الرياض.
في ديسمبر/ كانون الأول 2024، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجددا على تأكيد اعتقاد معظم دول العالم بأن حل المشاكل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، هو حل الدولتين.
في الأسبوع الماضي، ترأست المملكة العربية السعودية وفرنسا مؤتمراحول هذا الموضوع. خلال الاجتماع وبعده، أعلنت دول عديدة: فرنسا وكندا ومالطا والمملكة المتحدة وأستراليا، أنها ستعترف، أو تفكر جديا في الاعتراف بدولة فلسطينية.
كما أسفر الاجتماع عن وثيقة من سبع صفحات، هي "إعلان نيويورك"، وقّعتها جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وحوالي 17 دولة أخرى.
يحدد الإعلان مسارا تدريجيا نحو حل الدولتين. ويدعو حماس، التي قادت التوغل في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى نزع سلاحها، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين، والتخلي عن القيادة في غزة. وقال الموقعون: "ندين أيضا الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة والبنية التحتية المدنية، والحصار والتجويع، والتي أسفرت عن كارثة إنسانية مدمرة".
تم وصف توقيع جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وعددها 22 دولة، على الإعلان بأنه إنجاز دبلوماسي. وهذه هي المرة الأولى التي ينتقد فيها الكثيرون حماس علنا. ويُنسب إلى المملكة العربية السعودية، إلى جانب فرنسا، الفضل في تحقيق ذلك.
وأوضح كريستيان كوتس أولريشسن، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس: أنه "نظرا لمكانة المملكة العربية السعودية في العالم العربي والإسلامي، ورعاية المملكة للحرمين الشريفين: مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإن أي شيء تفعله المملكة العربية السعودية له وزنه".
لماذا تفعل السعودية هذا الآن؟
قبل هجمات حماس في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والحملة العسكرية الإسرائيلية التي تلتها، كان هناك حديث عن تطبيع المملكة العربية السعودية للعلاقات مع إسرائيل. لكن لو فعلت ذلك، لفعلته دون أي اعتبار لقضية الدولة الفلسطينية، التي لطالما شكّلت عقبة خطيرة بين إسرائيل والعلاقات الجيدة مع جيرانها.
ونتيجة لذلك، غالبا ما كان يُنظر إلى السعودية من قِبل مواطني الدول العربية الأخرى على أنها "خائنة" للقضية الفلسطينية. ولهذا السبب، أشار بعض النقاد إلى أن خطوات السعودية الأخيرة في الأمم المتحدة ليست سوى وسيلة لتصحيح تلك الصورة السلبية في العالمين العربي والإسلامي.
ولكن في الواقع، وكما كتب عزيز الغشيان، المحلل السعودي في مركز أبحاث "منتدى الخليج الدولي" الذي يوجد مقره في واشنطن، في مجلة "القاهرة للشؤون العالمية"، فإن "أحد المفاهيم الخاطئة الراسخة حول هذا الموضوع هو الاعتقاد بأن استعداد السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أمر جديد، في حين أنه في الواقع يعود إلى أواخر الستينيات". كما أشار كوتس أولريشسن إلى أن الخطط السعودية لحل الدولتين تعود أيضا إلى عقود مضت.
في عام 2002، اقترح العاهل السعودي الملك عبد الله، الذي كان وليًا للعهد آنذاك، ما يُعرف حاليا بمبادرة السلام العربية. في قمة جامعة الدول العربية التي عُقدت في بيروت في العام نفسه، وافقت جميع الدول الأعضاء على دعم المقترح، الذي ينص، على اعترافها بإسرائيل وتطبيع علاقاتها معها إذا أنهت إسرائيل احتلالها ووافقت على إقامة دولة فلسطينية.
مع مرور الوقت، تعثرت المبادرة لعدة أسباب، من بينها الخلافات حول حق الفلسطينيين في العودة إلى الأراضي التي انتزعتها منهم إسرائيل، والربيع العربي الذي غيّر مسار السياسة الإقليمية، ثم اتفاقيات أبراهام التي شهدت تطبيع العديد من الدول العربية مع إسرائيل بما يخدم مصالحها الخاصة.
قال كوتس أولريشسن: "لكن لسنوات عديدة، كانت مبادرة السلام العربية هي الموقف السعودي الافتراضي"، وهو موقف أعيد تأكيده مؤخرا في عام 2020.
وأضاف: "الآن، من المرجح أن الوضع في غزة وتفاقم العنف في الضفة الغربية، جعل السعوديين يرون أنهم لا يستطيعون الصمت في وجه هذا الدمار والمعاناة الإنسانية". في واقع الأمر، تم وصف "إعلان نيويورك" الصادر الأسبوع الماضي، بأنه عودة لمبادرة السلام العربية التي قادتها المملكة العربية السعودية عام 2002.
السلام في مصلحة السعودية
يقول الخبراء إن هناك أسبابا أخرى تجعل قيادة المساعي نحو إقامة دولة فلسطينية أمرا مفيدا للمملكة العربية السعودية.
أحد هذه الأسباب الواضحة هو الاستقرار الإقليمي، وهو أمر بالغ الأهمية للمملكة العربية السعودية لتحقيق خططها الكبرى لتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط.
كما تُعزز الدبلوماسية السعودية أهدافا أخرى في السياسة الخارجية. وقد ذكر موقع "رصيف22" الإعلامي العربي في مقال رأي الأسبوع الماضي، أن: "قيادة الرياض جزء من عملية إعادة تموضع سعودية مدروسة".
وأضاف: "لقد حوّلت المملكة العربية السعودية مبادرة السلام العربية إلى رافعة سياسية ذات أهمية دولية، وشكلت كتلة تصويتية عربية-إسلامية، ومنحتها نفوذا في مفاوضات الطاقة والأمن البحري مع الغرب، والأهم من ذلك، أنها عززت مكانتها في سياق ما بعد حرب غزة".
هل ستنجح المبادرة السعودية الفرنسية؟
يقول كوتس أولريشسن إنه من السابق لأوانه الجزم بذلك. "لكن صدور بيانات من المملكة المتحدة وكندا بالاعتراف المشروط بفلسطين يُشير إلى أن النهج السعودي الفرنسي يُحدث فرقًا".
بعد اجتماع الأسبوع الماضي في نيويورك، دعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان المزيد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى دعم "إعلان نيويورك" قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أوائل سبتمبر.
وهناك احتمال كبير أن يدعمه الكثيرون، لأنه يوفر مخرجا، حسب فيصل عباس، المعلق الدائم على الشؤون السعودية ورئيس تحرير صحيفة عرب نيوز اليومية الصادرة باللغة الإنجليزية، في تصريحه لموقع سيمافور الإلكتروني الأمريكي الأسبوع الماضي.
وأضاف قائلاً: "بالنسبة لواشنطن، تتوافق المبادرة الدبلوماسية السعودية - الفرنسية مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وتوفر مخرجا من الصراع الدائم. ويمكن أن تساعد في استقرار المنطقة، مما يقلل الحاجة إلى التدخل العسكري الأمريكي". مؤكدا "أنها توفر لإسرائيل ضمانات أمنية طويلة الأمد، إذا كانت مستعدة للتخلي عن مطالب اليمين المتطرف بضم الضفة الغربية، إلى جانب مواقف متطرفة أخرى".
لا تزال المبادرة السعودية الفرنسية تواجه معارضة كبيرة من إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة. ولم تشارك إسرائيل ولا الولايات المتحدة في الاجتماع، وقد انتقدته كلتاهما. وصفت إدارة ترامب الأمر بأنه "خدعة دعائية"، واشتكى سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة من أن "منظمي المؤتمر ينخرطون في مناقشات وجلسات عامة بعيدة عن الواقع".
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة