لماذا تعارض منظمات الإغاثة إسقاط المساعدات جوًا فوق غزة؟
٣١ يوليو ٢٠٢٥حذّر روس سميث، مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أنَّ المجاعة الحالية في غزة بلغت مستوى لا مثيل له في هذا القرن. وقال سميث في جنيف: "هذا يذكرني بالكوارث السابقة في إثيوبيا أو بيافرا خلال القرن الماضي". وأضاف أنَّ "هذا ليس تحذيرًا، بل دعوة للتحرك".
وأصدر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي تحذيرًا من أنَّ "أسوأ سيناريو للمجاعة" بات يلوح في الأفق حاليًا في قطاع غزة. ويرصد هذا التصنيف بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة الوضع الغذائي في غزة. وذكر التقرير أنَّ سوء التغذية الحاد تجاوز عتبة المجاعة في مدينة غزة - وفي جميع مناطق القطاع الساحلي الأخرى. بينما يعيش الآن قسم كبير من سكان قطاع غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، في مخيمات شديدة الاكتظاظ، بسبب إعلان الجيش الإسرائيلي أجزاءً كبيرة من القطاع، الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، منطقة عسكرية محظورة.
ومن جانبه أنكر مؤخرًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "وجود مجاعة في قطاع غزة"، لكن إسرائيل أقرت بوجود وضع "صعب" في القطاع . في حين تمنع إسرائيل الصحفيين بشكل شبه تام من الوصول إلى المنطقة منذ بدء الحرب، مما يجعل تقييم الوضع بشكل مستقل أمرًا مستحيلًا.
"سياسة رمزية ساخرة" و"إهدار للمال"
ومنذ نهاية الأسبوع بدأت الجهات الدولية الفاعلة العمل للتخفيف من حدة هذه الأزمة الحادة: فقد أسقطت يوم الأحد طائرات عسكرية من الأردن والإمارات العربية المتحدة 25 طنًا من المساعدات فوق القطاع الساحلي. وكذلك أعلنت ألمانيا وفرنسا عن عمليات إسقاط جوي خاصة بهما. وحول ذلك قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس: "هذا العمل ربما لا يقدّم سوى مساهمة إنسانية صغيرة، ولكنه يبعث رسالة مهمة مفادها: نحن هنا، نحن في المنطقة ونساعد".
وقد أدى ذلك إلى صدمة لدى منظمات الإغاثة. وفي هذا الصدد يقول يان فيتو، منسق الطوارئ الإقليمي في منظمة أطباء بلا حدود: "إسقاط المساعدات الإنسانية جوًا هو مبادرة عبثية تفوح برائحة السخرية". كما تحدث مركز العمل الإنساني (CHA) للأبحاث في برلين عن "الجسر الجوي الأكثر عبثًا في التاريخ" وعن "سياسة رمزية وإهدار للمال". وذلك لأنَّ تكلفة الإنزال الجوي أعلى بـ35 مرة من تكلفة القوافل البرية، بحسب مدير مركز العمل الإنساني، رالف زودهوف.
الإنزالات الجوية لا تصل إلى المحتاجين
وكذلك يتحدث مارفن فورديرر، وهو خبير مساعدات الطوارئ في الجمعية الألمانية لمكافحة الجوع، عن "إنزال جوي رمزي وغير فعال". ووصف في حوار مع DW مشكلة جوهرية قائلًا إنَّ: "الحمولة يتم إسقاطها في محيط خطر جدًا ومن دون تنسيق، ومن دون تحديد منطقة الإنزال، ومن دون هياكل أمنية". وأضاف أنَّ المساعدات غالبًا لا تصل إلى الأشخاص الذي يعتبرون في أمس الحاجة إليها - "بل إلى الذي لا يزالون قادرين على التنقل لشق طريقهم عبر الأنقاض والشوارع المزدحمة إلى موقع إنزال المساعدات والصراع من أجل الحصول عليها".
وفي كل يوم تقريبًا يتم الإبلاغ عن وقوع وفيات عند مراكز التوزيع القليلة التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) المثيرة للجدل. وتتولى هذه المؤسسة الأمريكية توزيع المساعدات في قطاع غزة منذ أيار/مايو بمباركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أن حظرت إسرائيل عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ولكن مؤسسة غزة الإنسانية فشلت في ضمان الأمن بمراكز التوزيع. ويضاف إلى ذلك - بحسب الأمم المتحدة - أنَّ الجيش الإسرائيلي كثيرًا ما يطلق النار على المنتظرين. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فقد قُتل بين 27 أيار/مايو و21 تموز/يوليو على يد جنود إسرائيليين أكثر من 1000 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية.
لا يمكن توفير الغذاء للناس إلا عن طريق البر
ولذلك تطالب منظمات الإغاثة بمرور مساعدات الإغاثة من دون عوائق إلى قطاع غزة والعودة إلى النظام القديم. فبدلًا من توزيع المساعدات في عدد قليل من النقاط الساخنة، كان يتم توزيعها حتى الربيع بشكل لامركزي في نحو 600 نقطة توزيع.
وفي مؤتمر صحفي ببرلين قال رياض عثمان، خبير شؤون الشرق الأوسط في منظمة ميديكو إنترناشونال: "قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان يصل ما بين 500 و600 شاحنة يوميًا إلى سكان غزة واقتصادها. أما اليوم، فلا يمكن تلبية حاجة القطاع بـ600 شاحنة يوميًا، وذلك ليس فقط بسبب تدمير البنية التحتية الأساسية ونظام الرعاية الصحية بشكل ممنهج في غزة، بل كذلك بسبب تدمير الزراعة أيضًا". وحمولة الشاحنة الواحدة تحتوي في العادة على نحو 20 طنًا من مساعدات الإغاثة؛ وكثيرًا ما تحتوي بالإضافة إلى الغذاء على لوازم طبية أساسية ومياه للشرب.
وقالت وحدة "كوجات" التابعة للجيش الإسرائيلي والمسؤولة عن الموافقة وتنسيق دخول المساعدات إلى غزة، على منصة "إكس" إن 260 شاحنة إضافية دخلت إلى القطاع يوم الثلاثااء (29/7/2025).
وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، قتلت حركة حماس أكثر من 1200 شخص في إسرائيل خلال هجوم إرهابي منسّق، واحتجزت 250 آخرين كرهائن في قطاع غزة. وإثر ذلك أعلنت إسرائيل أنَّ هدفها العسكري هو القضاء على حماس، ولكنها تسببت أيضًا بسقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين وبتدمير قطاع غزة بشكل واسع النطاق. وتتحدث الآن السلطات الصحية التابعة لحماس عن قتل أكثر من 60 ألف شخص، من بينهم على الأقل 147 شخصًا ماتوا بسبب الجوع.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة فلسطينية إسلاموية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
بعد انتهاء وقف إطلاق النار في الربيع، قطعت إسرائيل وصول جميع الإمدادات لأكثر من 80 يومًا. ومنذ عدة أيام يقوم الجيش الإسرائيلي يوميًا بوقف القتال بشكل مؤقت في قطاع غزة، ويسمح بدخول المزيد من المساعدات عبر البر. وانتقد وزير الأمن اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو، إيتمار بن غفير، هذا الإجراء بوصفه "إفلاس أخلاقي … ويجب أن نرسل قنابل وليس الغذاء".
وضمن هذا السياق قالت يوليا دوخرو، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا: "توجد أدلة كافية على أنَّ إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب". وطالبت الحكومة الألمانية بوقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل وبزيادة الضغط الدبلوماسي على حكومة نتنياهو.
"قوافل الشاحنات تستطيع الإنطلاق خلال ساعات"
وبدورها منعت الحكومة الإسرائيلية الكثير من المنظمات الدولية غير الحكومية من الوصول إلى قطاع غزة؛ وحتى الجمعية الألمانية لمكافحة الجوع لا تستطيع حاليًا تقديم المساعدة إلا عبر منظمات محلية شريكة. ويدعو مارفن فورديرر إلى وقف دائم لإطلاق النار وفتح المعابر الحدودية لدخول المساعدات الإنسانية. وعندئذٍ تستطيع جمعيته نقل المساعدات خلال ساعات من الأردن إلى داخل قطاع غزة، كما يقول فورديرر: "هذه القوافل تستطيع الإنطلاق خلال ساعات، بمجرد أن تسمح الظروف السياسية بذلك".
وفي المقابل يجب من أجل الإنزالات الجوية المخطط لها الآن إعادة التخطيط اللوجستي من جديد، وهذا يرتبط بتكاليف إضافية، بحسب قول فورديرر: "من المثير جدا للاهتمام أنَّ تفكر ألمانيا في ذلك الآن مع سعي الحكومة الألمانية لخفض ميزانية المساعدات الإنسانية بنسبة 53 بالمائة. وفي مثل هذه الحالة من الصعب إنفاق الملايين على إنزالات جوية رمزية وغير فعالة".
بيد أنَّ سلاح الجو الألماني لديه خبرة سابقة في الإنزالات الجوية فوق غزة: فقد نفذت في ربيع عام 2024 طائرات نقل عسكرية من طراز A400M إنزالات جوية مشابهة لعشرة أسابيع. وبلغت حصيلتها النهائية 315 طنًا من المساعدات. وبناءً على الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية البالغ 500 شاحنة يوميًا، يمكن أن تغطي هذه الكمية احتياجات الأهالي الجائعين في قطاع غزة لفترة أقل من ثماني ساعات.
أعده للعربية: رائد الباش