لماذا الاتحاد الأوروبي حذر في إدانة الحملة القمعية في تركيا؟
٢٨ مارس ٢٠٢٥دائما ما يدرج المراقبون العلاقات التي تربط الاتحاد الأوروبي و تركيا تحت وصف "المعقدة"؛ إذ إن أنقرة مازالت - من الناحية النظرية - دولة مرشحة للانضمام إلى التكتل الأوروبي.
لكن باعتبارها عضوا أساسيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقد تعهدت دول الاتحاد الأوروبي وتركيا بالعمل معا في صد أي هجوم قد يستهدفهما.
ومن جهة أخرى، شهدت السنوات الأخيرة اتهام الاتحاد الأوروبي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسعي إلى إضعاف مسار الديمقراطية في بلاده وأيضا بالتسبب في "تجميد" عملية الانضمام إلى الأسرة لأوروبية.
ويقول مراقبون إنه يبدو أن التكتل الأوروبي قد خفف من نبرة الانتقادات لتركيا خلال الأيام الماضية رغم ما وصفته منظمة العفو الدولية من "استخدام القوة غير الضرورية والعشوائية من قبل قوات الأمن ضد متظاهرين سلميين" في تركيا خرجوا للاحتجاج على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي يُنظر إليه باعتباره المنافس القوي لأردوغان.
وقالت الحكومة إن الاعتقال جاء تحت مزاعم فساد. ومنذ ذلك، تشهد تركيا أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة منذ أكثر من عشر سنوات.
ويعزو خبراء الموقف الأوروبي الراهن من تركيا إلى أن السياق الحالي بات أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.
أوروبا حذرة
وقال أردوغان إن احتجاجات المعارضة على اعتقال إمام أوغلو تحولت إلى "حركة عنف". وفيما وصف المتحدث باسم الحكومة الألمانية الاعتقال بـ"الأمر غير المقبول على الإطلاق"، قالت الخارجية الفرنسية إن الأمر "يشكل مساسا خطرا بالديمقراطية".
وفي السياق ذاته، حثت الخارجية الألمانية على إجراء محاكمة عادلة لعمدة مدينة إسطنبول تستند إلى مبادئ القانون.
أما على صعيد مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فقد اختار مسؤولو المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للتكتل الأوروبي، كلماتهم بعناية.
فقد حثّت المفوضية الأوروبية تركيا على "احترام القيم الديموقراطية"؛ إذ قال المتحدث باسم المفوضية غيوم ميرسيي، "نريد أن تبقى تركيا راسخة في أوروبا، ولكن هذا الأمر يتطلّب التزاما واضحا بالمعايير والممارسات الديموقراطية".
وعندما سُئل عما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيلغي أو يؤجل محادثات المرتقبة مع مسؤولين أتراك الشهر المقبل، لم يقدم ميرسيي إجابة قاطعة، بيد لم يستبعد ذلك تماما.
وفي مقابلة مع DW، قال جان ماركو، الأستاذ المتخصص في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بمعهد العلوم السياسية في غرونوبل، إن "هناك تناقضا بين خطورة ما يحدث في تركيا وما يمكن وصفه برد أوروبي خافت". وأضاف ماركو وهو دبلوماسي فرنسي سابق، "استغرق الشركاء الأوروبيون وقتا للرد".
عين أوروبا على قوة تركيا العسكرية
من جانبها، ترى أماندا بول، المحللة البارزة في "مركز السياسة الأوروبية"، أن ثمة لسبب وراء هذا التناقض.
وفي مقابلة مع DW، أضافت "ربما يكون هذا انعكاسا للوضع الجيوسياسي الجديد الذي نعيشه جميعا في الوقت الراهن".
يُشار إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وسياسته "أمريكا أولا" دفعت دول أوروبية إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة والخروج عن عباءة الحماية الامريكية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تركيا؛ إذ يحتل الجيش التركي المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الناتو.
وفي ذلك، قالت بول إن موقع تركيا الجغرافي المواجه لأوكرانيا وروسيا عبر البحر الأسود ، وامتدادها بين القارتين الأوروبية والآسيوية، يمنحها "ثقلا جيوسياسيا فرديا لا تمتلكه أي دولة في المنطقة أو حتى في العالم بأسره".
وقد يضع الاتحاد الأوروبي صناعة التسليح التركية المزدهرة في عين الاعتبار في إطار مساعيه لتسليح جيوشه بعيدا عن التسليح الأمريكي.
وقالت بول إن "توفر الصناعات الدفاعية التركية الكثير للجانب الأوروبي في وقت يعاني فيه من نقص كبير في الأسلحة".
وهج أردوغان الدبلوماسي
ويقول خبراء إنه قبل أن تتزايد الانتقادات الدولية لأردوغان عقب اعتقال إمام أوغلو، كان الرئيس التركي يستمتع بوهج دبلوماسي.
فقد انضمت تركيا إلى ما أُطلق عليه "تحالف الراغبين" الذي يضم دول أوروبية تدعم أوكرانيا فضلا أن الأسبوع الماضي قد شهد قيام كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي بالاتصال بأردوغان لإطلاعه على المحادثات الدفاعية التي تجرى داخل أروقة التكتل الأوروبي.
وفي هذا السياق، قالت بول إن تركيا "أصبحت لاعبا رئيسيا في السياسة الخارجية سواء في محيطها وخارجه ... في سوريا أو جنوب القوقاز أو آسيا الوسطى".
وأضافت أنه على وقع ذلك، يشعر أردوغان "بأنه شريك لا غنى عنه تقريبا لأوروبا في الوقت الحالي. وهذا ما منحه ثقة أكبر لاتخاذ مثل هذه الخطوات في الداخل التركي".
ونفى أردوغان الاتهامات بأن اعتقال إمام أوغلو له دوافع سياسية.
القيم أم المصالح؟
يعتقد الباحث جان ميركو أن الرئيس التركي يُولي اهتماما وثيقا لما يعاصره العالم في الوقت الحالي بما يتعلق بمسار الديمقراطية.
وقال إن المناخ العالمي يشهد تخبطات وارتدادات في كبرى الديمقراطيات الغربية بما فيها الولايات المتحدة، مضيفا أنّ "هناك نوعا من المنافسة بين أوروبا والولايات المتحدة لجذب تركيا. أعتقد أن الأوروبيين على الأرجح لا يريدون خسارة تركيا، وأعتقد أن أردوغان يدرك ذلك جيدا".
بيد أن بعض الخبراء يعتقدون أن الدول الأوروبية سوف تواجه ضغوطا للرد على الاعتقالات والاحتجاجات التي شهدتها تركيا في الآونة الأخيرة.
ويُتوقع أن يضغط المشرعون في دول الاتحاد الأوروبي على حكوماتهم للخروج بموقف أكثر صرامة، ما دفع ميركو إلى التساؤل: "ماذا سيحدث إذا ازداد وتيرة القمع في تركيا؟".
وفي محاولته الإجابة، قال "ليس أمام الأوروبيون سوى التعبير عن آرائهم بصراحة أكبر، لكن في نهاية المطاف، سوف يجدون أنفسهم محاصرين بين قيمهم ومصالحهم الاستراتيجية".
أعده للعربية: محمد فرحان