إيقاف التمويل: ألمانيا تترك المهاجرين لمصيرهم في عرض البحر
٢ يوليو ٢٠٢٥يقول الأسقف البروتستانتي كريستيان شتيبلاين: "لا يمكن ترك الناس يغرقون. نقطة على السطر!". ويرى رئيس منظمة "سي آي" (عين البحر)، غوردن إيسلر، أنَّ وقف التمويل يبعث بـ"إشارة كارثية". وكذلك انتقدت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر، بريتا هاسلمان، هذا القرار بقولها: "من المتوقع أن يؤدي قرار الائتلاف إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط ويتسبب بمعاناة إنسانية".
أثار قرار الحكومة الألمانية، المكونة من ائتلاف يضم حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، عدم مواصلة تقديم الدعم المالي لمنظمات إنقاذ اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط جدلاً واسعاً في ألمانيا. ويذكر أنَّ مبادرات الإنقاذ البحري، مثل "سي آي" (Sea-Eye) و"إس أو إس هيومانيتي" (SOS Humanity) و"إس أو إس ميديتيراني" (SOS Méditerranée) و"ريسك شيب" (RESQSHIP) و"سانت إيجيديو" (Sant'Egidio)، قد حصلت على دعم مالي بلغ في عامي 2023 و2024 مليوني يورو في كل عام، ونحو 900 ألف يورو في الربع الأول من هذا العام. والآن، قالت وزارة الخارجية الألمانية إنَّ الحكومة لا تخطط لتقديم دعم إضافي.
نهج سياسي جديد مع الحكومة الألمانية الجديدة
ودافع وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، الذي كان دائماً ينتقد عمليات الإنقاذ المدني في البحر، عن موقفه هذا. وأكد على أنَّ ألمانيا تبقى ملتزمة بالإنسانية، ولكن: "لا أعتقد أنَّ من مهمة وزارة الخارجية الألمانية إنفاق المال على هذا النوع من الإنقاذ في البحر الآن. ولذلك فقد غيّرنا سياستنا". وأضاف أنَّ سياسته ستركز على "ضمان الحد من حركة الهجرة بالوسائل الدبلوماسية".
وكذلك أكد وزير الخارجية الألماني على أنَّ ألمانيا يجب أن تعمل حيث تشتد الأزمات، على سبيل المثال في السودان وجنوب السودان، وأن تكثّف نشاطاتها هناك.
بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، كريستيان فاغنر إنَّ "هذا لا يتعلق باستمرار عمليات الإنقاذ في البحر، والتي اعتبرها واجباً، بل يتعلق فقط بمسألة إن كان يجب دعمها بتمويل حكومي". وتابع أنَّ خفر السواحل الإيطالي ينقذون على أية حال قسماً كبيراً من المهاجرين. ومع ذلك ما يزال الكثير جدًا من الناس يسلكون هذا الطريق الخطر.
البحر الأبيض المتوسط مقبرة المهاجرين
وتُبيّن أحدث الأرقام مدى خطورة ركوب البحر الأبيض المتوسط: فقد سجلت في هذا العام وحده المنظمة الدولية للهجرة (IOM) 748 إنسان في عداد المتوفين والمفقودين. والهروب إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط في قوارب في الغالب سبيل غير آمن وأكثر طريق لجوء مميت في العالم. وابتلع البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014 أكثر من 32 ألف شخص.
ولذلك فإنَّ هذا القرار يعتبر بمثابة "عار في سجل حقوق الإنسان بما يخص عمليات الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط"، كما قالت ماري ميشيل: "خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ الحكومة الألمانية الحالية قد حددت في اتفاقها الائتلافي حماية المساعدات الإنسانية ومواصلة العمل الإنساني. ومبلغ المليوني يورو كان دعماً متواضعاً جداً، وفي الواقع مجرد إشارة تضامن صغيرة مع الفارين من ديارهم"، كما قالت ميشيل لـDW.
نقص في التمويل وصعوبة في الحصول عليه
وماري ميشيل متحدثة سياسية لدى منظمة الإغاثة "إس أو إس هيومانيتي" (SOS Humanity)، وهي منظمة غير حكومية من برلين، تنظّم منذ عشر سنين عمليات إنقاذ في البحر الأبيض المتوسط بسفينة "هيومانيتي 1"، وبحسب بياناتها فقد أنقذت منذ ذلك الحين أكثر من 38 ألف شخص.
وإلغاء الدعم المالي من قبل الحكومة الألمانية يعني بالنسبة لمنظمة "إس أو إس هيومانيتي" انتكاسة مالية ملحوظة، بحسب تقدير ميشيل: "وبحسب توقعاتنا فقد كان بإمكاننا أن نمّول بهذه الأموال عمليتي إنقاذ بسفينة الإنقاذ "هيومانيتي 1". وهذا يعني أنَّ لدينا بطبيعة الحال فجوة في التبرعات، ولكننا نعلق الآمال على التكاتف الاجتماعي الواسع والدعم الذي نتلقاه من المجتمع".
وقبل فترة قصيرة، في أيار/مايو 2025، كانت ماري ميشيل تعمل مع منظمة "إس أو إس هيومانيتي" كمراقبة لحقوق الإنسان على متن سفينة "هيومانيتي 1". وقد تمكنت هذه السفينة - بحسب المنظمة - من إنقاذ 297 طالب لجوء من الغرق في البحر في أربع عمليات إنقاذ، ونقلهم إلى موانئ لا سبيتسيا ورافينا وباري الإيطالية. مع ذلك فإنَّ العمل في البحر الأبيض المتوسط يزداد صعوبة - ليس فقط بسبب قرار إلغاء التمويل المُتَخذ مؤخراً من قبل الحكومة الألمانية، بل كذلك بسبب المناخ السياسي السائد في أوروبا.
وحول ذلك تقول ميشيل: "ما لاحظناه بشكل متزايد خلال العام الماضي هو نزع صفة الإنسانية عن أشخاص يبحثون عن الحماية ويهربون من دول الجنوب عبر البحر الأبيض المتوسط. وهؤلاء الأشخاص يُحرمون من حقوقهم الأساسية، ويُتركون وحيدين ليموتوا في البحر الأبيض المتوسط".
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: خالد سلامة