كيف نحافظ على برودة المنازل في ظل ارتفاع درجة حرارة كوكبنا؟
٢٨ مارس ٢٠٢٥في كثير من الأماكن، لا يقتصر الحفاظ على برودة الجو عند ارتفاع درجة الحرارة على راحة الإنسان فحسب، بل يمكن أن تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على صحته وإنتاجيته واقتصادات البلدان.
قد تُعرّض زيادة قدرها 1.5 درجة مئوية فقط فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، 2.3 مليار شخص لخطر موجات حر شديدة. وقد صرّح العلماء بأننا قد نصل إلى هذا المستوى من الارتفاع في درجات الحرارة بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين إذا لم نخفض انبعاثات الكربون.
يتسبب الطقس الحار في حوالي 12000 حالة وفاة سنويا. وبحلول عام 2030، تتوقع منظمة الصحة العالمية، أنه قد يكون هناك 38 ألف حالة وفاة إضافية سنويا بسبب التعرض للحرارة لدى كبار السن.
قد يبدو شراء مكيف هواء حلا سريعا وسهلا، لكن هذه الأجهزة كثيفة الاستهلاك للطاقة تُفاقم المشكلة. ليس هذا فحسب، بل يمكن لمكيفات الهواء أن تُسرّب مُواد ضارة، مما قد يُساهم أيضا في ظاهرة الاحتباس الحراري.
في تصريح لليلي الرياحي، من برنامج الأمم المتحدة للبيئة لـ DW: "علينا الخروج من هذه الدائرة المُفرغة، إن الطريقة التي نُبرّد بها منازلنا وأماكن عملنا حاليا تُشكّل عاملا رئيسيا في تغير المناخ".
معضلة التبريد
في عام 2024، وهو العام الأكثر حرارة على الإطلاق منذ بدء قياس حرارة كوكب الأرض، ارتفع الطلب على الكهرباء إلى ما يُقارب ضعف معدل نمو العقد الماضي، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية. لكن رغم ذلك، فقد تمّ توفير الجزء الأكبر منه من الطاقة المتجددة، بنسبة 38%.
لكن لا يزال الوقود الأحفوري يُوفّر جزءا كبيرا من هذه الطاقة، وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن ثلثي كهرباء العالم تمّ توفيرها من الفحم خلال عام 2024، مع نموّ طاقة الفحم بنسبة تقارب 1%. ويُعدّ تكييف الهواء أحد العوامل الرئيسية المُساهمة في تزايد الطلب على الكهرباء.
وقد تأكدت هذه النتيجة أيضا في تحليل لأكبر ثلاث أسواق للطاقة في العالم، وهي الهند والصين والولايات المتحدة، أجراه مركز أبحاث الطاقة "إمبر". وذكر التقرير، الصادر في أوائل مارس 2025: "لقد دفعت موجات الحر الشديد استخدام مكيفات الهواء إلى مستوى قياسي، مما زاد الطلب على الكهرباء وضغط على شبكاته".
مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وعدد السكان، والدخل في دول مثل الهند والصين، قد يقفز عدد وحدات تكييف الهواء العاملة حول العالم من أكثر من 2.4 مليار وحدة حاليا، إلى 5.6 مليار وحدة بحلول عام 2050، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وتقدر الوكالة أيضا أنه في حال عدم تحسن الأمور، قد يتضاعف الطلب على الطاقة لتبريد المساحات ثلاث مرات بحلول منتصف القرن، مما يعادل استهلاك الصين والهند للكهرباء حاليا.
وقالت الرياحي، التي تتولى مهمة منسقة عالمية لشبكة "تحالف التبريد" التي تعمل على تعزيز التبريد المستدام، إن "هذا السيناريو سيُثقل كاهل شبكات الكهرباء، وسيُعيق في نهاية المطاف الجهود المبذولة لتحقيق أهداف المناخ".
بحلول عام 2050، تشير التقديرات إلى أن تبريد المساحات وحده سيمثل ما بين 30 و50 بالمئة من ذروة استهلاك الكهرباء في العديد من البلدان. "أما اليوم، فيبلغ المتوسط 17 ٪"، وفقا للرياحي.
ما الحل؟
يلعب تكييف الهواء دورا هاما في الازدهار والتنمية الاقتصادية، إذ يتيح لسكان الدول الحارة العيش والعمل براحة أكبر. ولكن ما لم تصبح أجهزة التكييف أكثر مراعاة للمناخ وحمايته، فإن الزيادة المتوقعة في أعدادها ستشكل تحديا كبيرا.
وأشارت الرياحي إلى وجود نقص في الوعي ببدائل التبريد، بالإضافة إلى عوائق مالية تمنع الناس من شراء أجهزة تكييف موفرة للطاقة ومُبردات منخفضة الانبعاثات.
وأضافت: "تكييف الهواء لا يعني بالضرورة أرخص مكيف هواء في السوق. بل يجب أن يكون الهدف هو تصميم مدننا ومبانينا لتقليل الطلب على التبريد في المقام الأول. ويمكن أن يعني ذلك أيضا إيجاد طرق لخلق حوافز ولطرح أكثر التقنيات كفاءة في السوق".
تبريد الأسطح في المستوطنات العشوائية
يتطلب تحمّل درجات الحرارة المرتفعة مع الحدّ من الانبعاثات، أكثر من مجرد تحسين جودة مكيفات الهواء، إذ يُمكن مثلا لتجهيز المباني بمظلات خارجية، أو أسطح خضراء، أو طلاء دهانات عاكسة لأشعة الشمس، أن يُقلّل من امتصاص الحرارة. كما أن توسيع المساحات الخضراء، والمناطق التي تحتوي على ممرات مائية ورياحية في المدن، أن تساعد على ذلك أيضا.
في الهند، تعمل مؤسسة ماهيلا للإسكان مع سكان الأحياء الفقيرة الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف مكيفات الهواء لمساعدتهم في الحفاظ على برودة منازلهم. وتُركّز المؤسسة على تدابير منخفضة التكلفة، مثل طلاء أسطح الصفيح المموج الحابسة للحرارة باللون الأبيض، وزراعة الأشجار بالقرب من المنازل لتوفير الظل، أو تركيب أسقف مصنوعة من حصائر الخيزران المضغوطة التي تمتص الحرارة.
صرحت مديرة المؤسسة، بيجال براهمبات، بأن طلاء الأسطح بالدهانات العاكسة لأشعة الشمس يُمكن أن يُخفّض درجات الحرارة الداخلية بما يصل إلى 6 درجات مئوية، وهو تغيير شبهه السكان باستخدام مكيف هواء.
وأضافت: "لقد ارتفع مستوى الراحة بشكل ملحوظ، وزادت الإنتاجية الاقتصادية بمقدار ساعة ونصف إلى ساعتين بمجرد انخفاض درجة الحرارة". وأضافت المتحدثة أن "الناس تمكنوا أيضا من خفض فواتير الكهرباء، لأنهم لم يعودوا بحاجة إلى استخدام المراوح".
دروس من الصحراء
يُنفذ مشروع آخر في الصحراء المصرية حيث يمكن أن تصل درجات الحرارة في الصيف إلى ما يناهز 50 درجة مئوية، وهو أيضا مشروع يعالج مشكلة الحرارة من خلال تصميم المباني الذكية.
صرحت المهندسة المعمارية سارة البطوطي، مؤسسة شركة المباني الخضراء "إيكونسلت"، بأنهم تمكنوا من خفض درجات حرارة المباني بحوالي 10 درجات مئوية دون حلول ميكانيكية.
وعملت شركتها مع الحكومة المصرية لتطوير 4000 قرية ريفية، يقطنها حوالي 58 مليون نسمة، حتى تتمكن من التعامل بشكل أفضل مع الحرارة الشديدة. ولكن بدلا من استخدام حلول عالية التقنية، قالت البطوطي إن العديد من التغييرات مستوحاة من الطرق المحلية الأصلية.
وأضافت: "لقد نجت هذه القرى لأن هناك معرفة متأصلة بالتكيف مع الظروف القاسية منذ آلاف السنين. ما نقوم به هو تحديد أي هذه الحلول قابلة للتطبيق وندمجها، أي أننا لسنا بحاجة للاختراع".
هذا يعني استخدام مواد متوفرة محليا مثل الحجر الجيري المسامي والحجر الرملي الذي يسمح بتدفق الهواء عبر الجدران. كما أن رفع الهياكل قليلا عن الأرض لمنع امتصاص الحرارة من الأسفل، وإضافة مداخل معتمة، وتركيب أسقف عاكسة، واستخدام نوافذ مائلة ومظلات قابلة للتعديل لحجب الحرارة مع السماح بدخول الضوء، كلها حلول جيدة.
"التبريد أحد آفاق المستقبل"
أكدت البطوطي على ضرورة إعادة النظر في قطاع الهندسة المعمارية بحيث تُصمم المباني لمعالجة مشكلة التبريد منذ البداية.
وقالت: "كلما ارتفعت درجة الحرارة، وطال فصل الصيف، زاد إقبال الناس على اقتناء مكيفات الهواء. علينا أن نتساءل عن قطاع الإسكان نفسه. هل يراعي تخفيف الحرارة داخل البيوت أم لا؟".
وأضافت البطوطي أن دور الإسكان في التغلب على الحرارة يجب أن يحظى بتركيز أكبر في فعاليات مثل مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ. وقالت "علينا أن نتعامل مع الموضوع ببالغ الأهمية، تماما مثل الطاقة المتجددة والنظيفة. إن التبريد هو أحد آفاق المستقبل".
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة