إبستين ـ معركة كسر عظام مؤلمة تُربك حسابات دونالد ترامب
٢٦ يوليو ٢٠٢٥لا تزال فضيحة الاعتداءات الجنسية المتعلقة بجيفري إبستين وارتباطاتها بالنخب الأمريكية، تتفاعل يوما بعد آخر، فيما يشبه زلزالا سياسيا يهز المجتمع السياسي والإعلامي في واشنطن، خصوصا وأن مركز الارتدادات ينبع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، الذي يزداد الضغط عليه بشكل مطرد، ليس فقط من قبل خصومه السياسيين، ولكن أيضا من طرف قاعدته الانتخابية وخاصة جماعة "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا" المعروفة باسم "ماغا".
قوة ارتدادات هذه الفضيحة ظهرت في ارتباك رد فعل ترامب الذي رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "وول ستريت جورنال" يطالبها فيها بتعويض قدره عشرة مليارات دولار، على خلفية تقرير نشرته الصحيفة، وذكرت فيه أن ترامب كتب لإبستين عام 2003 رسالة تهنئة بمناسبة عيد ميلاده تضمنّت تعبيرات فيها إيحاءات، وتحدث فيها عن "سرّ". غير أن ترامب نفى صحة الرسالة، واعتبر ما يحدث مجرد "حملة مطاردة سياسية". ويذكر أن إبستين وُجد ميتًا في زنزانته بسجن مانهاتن عام 2019. وقد وُجّهت إليه تهم استغلال العديد من الفتيات والنساء الشابات القاصرات وإتاحتهن لشخصيات مشهورة. فهل كان ترامب ضمن تلك الشخصيات؟
بهذا الصدد كتبت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار (24 يوليو/ تموز 2025) معلقة "باتت الولايات المتحدة مهووسة فعلا بالكشف عن خبايا قضة إبستين والسبب في ذلك هو دونالد ترامب نفسه. فقد وعد الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية بنشر جميع الملفات المتعلقة بالقضية، بما في ذلك "قائمة الزبائن" الغامضة لإبستين، والتي يُفترض، وفقاً لرؤية جماعة "ماغا"، أنها تضمّ بالأساس شخصيات ديمقراطية بارزة. لكن ترامب لم يفِ بوعده. (..) فهو يتهم باراك أوباما بمحاولة "انقلاب" وينشر وثائق سرية عن اغتيال مارتن لوثر كينغ، لكن كل ذلك لا يجدي نفعاً: أمريكا تريد الحديث عن ماضي ترامب مع إبستين. بعض التفاصيل حول ذلك معروفة منذ سنوات: كلا الرجلين كانا صديقين مقربين، رغم أن ترامب يحاول تصوير ذلك كمعرفة سطحية ليس إلا".
خيوط العلاقة الرفيعة بين ترامب وإبستين
تسليط الضوء على العلاقة التي كانت تربط ترامب مع إبستين جاء بعدما ندد الرئيس الأميركي بالتقرير الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال". وتشير عدة وقائع إلى أن ترامب الذي كان قطب عقارات ورجل أعمال معروف، كان يعرف إبستين الذي كان بدوره معروفا كخبير في إدارة الأموال منذ التسعينيات. وهناك صورة انتشرت للرجلين تظهرهما وهما يضحكان عام 1992 مع مشجعات اتحاد كرة القدم الأميركية في منتجع مارالاغو الذي يملكه ترامب في فلوريدا.
وفي السنة نفسها، حل إبستين ضيفا وحيدا عند لترامب في مسابقة "فتاة التقويم" التي استضافها الأخير وشاركت فيها أكثر من عشرين فتاة، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز". كما استقل ترامب طائرة إبستين الخاصة ما لا يقل عن سبع مرات في التسعينات وفق نفس التقرير، وهو ما نفاه ترامب بشكل قاطع. وعلاوة على هذه العلاقة الغامضة بين الرجلين، سبق وأن اتهمت حوالى عشرين امرأة ترامب بسوء سلوك جنسي. وفي عام 2023، أدين بالاعتداء الجنسي على الصحافية الأميركية إي. جين كارول في محاكمة مدنية.
وظهرت العلاقة الوطيدة بين ترامب وإبستين في مقال في "نيويورك ماغازين" عام 2002 وصف فيه ترامب صديقه بأنه "رجل رائع" واستطرد في مدحه قائلا "إنه شخص مرح جدا. يُقال إنه يحب النساء الجميلات مثلي، وكثير منهن أصغر سنا". غير أن الأكيد أيضا أن العلاقة بين الرجلين انقطعت فجأة عام 2004 حينما تنافسا على شراء عقار في فلوريدا ظفر به ترامب في نهاية المطاف. عودة هذه التفاصيل الجديدة / الجديدة القديمة تسببت في ازعاج كبير لترامب ولسردية خطابه الشعبوي أمام حتى مناصريه. وبهذا الصدد كتب موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (16 يوليو/تموز 2025) معلقا "قال ترامب إنه لا يفهم الجاذبية والاهتمام بقضية إبستين بالنسبة لمؤيديه. وأضاف أنه يعرف محتويات ملفها ووصفها بأنها "قذرة لكنها مملة" واستطرد الموقع ساخرا "حكايات المؤامرة والوعود بالشفافية حول ما يُزعم أنها شبكات سرية في أجهزة الدولة الأمريكية هي التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. والمفارقة اليوم هو أن هذا ما يهدد بالانتقام من حزبه ومنه شخصياً."
اسم ترامب حاضر في ملفات إبستين
فضيحة تبدو ككرة ثلج متدحرجة، ففي آخر تطور، أفادت وسائل إعلام أمريكية (23 يوليو/تموز 2025) بأن وزيرة العدل الأمريكية بام بوندي أبلغت الرئيس في وقت سابق من هذا العام بأن اسمه ورد في وثائق تتعلق بجيفري إبستين. ونقلت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" عن مصادر مطلعة تفاصيل اللقاء، حيث أبلغ ترامب بأن الوثائق تشير إليه وإلى شخصيات بارزة أخرى. وكان ترامب، الذي يتعرض لضغوط من أجل نشر الوثائق بعد أن تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية، أنكر الأسبوع الماضي أن بوندي أبلغته بورود اسمه في الملفات، لكنه أقر بتلقيه إحاطة عامة حول الموضوع. ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، تم إبلاغ ترامب خلال الإحاطة بأن الوثائق تحتوي على شائعات غير مؤكدة عن عدد من الأشخاص، من بينهم هو نفسه، ممن كانت لهم علاقات سابقة بإبستين. ووصف المسؤولون الاجتماع بأنه إحاطة روتينية تناولت عدة مواضيع. وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب أبلغ أيضا بأن وزارة العدل لا تعتزم نشر مزيد من الوثائق المتعلقة بإبستين، بسبب مخاوف من كشف معلومات حساسة تخص الضحايا. وأيد ترامب هذا القرار، بحسب التقارير.
صحيفة "برافدا" السلوفاكية (21 يوليو/تموز 2025) كتبت معلقة "في العصر الذهبي لمغامرات إبستين، كانت استعراضات القوة من قبل المُستغلين الذكور جاري بها العمل، حتى وإن كانت غير مقبولة. كان الصمت هو سيد الموقف، وكان "من اللائق" التزام الصمت، وغالباً ما كان يُسخر من الضحايا علنًا. نعم، كانت الفضائح الجنسية للسياسيين أمراً معتاداً. لكن ما نتعامل معه هنا مختلف. نحن أمام زمرة من المنحرفين النخبويين الذين يمارسون أعمالاً تجارية مشبوهة، وقد أصبحوا سياسيين أصلاً بسبب انحرافاتهم. ناخبو ترامب وقاعدة حركته "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا" كانوا غاضبين من الجميع، وقد استفاد ترامب من ذلك الغضب. أما الآن، فإن هذا المزاج الغاضب ينقلب ضده".
اتهام أوباما ـ مناورة لصرف الأنظار؟
وسط عاصفة إبستين وفي خرجة مثيرة، اتهم دونالد ترامب سلفه باراك أوباما بالخيانة ودعا إلى محاكمته بسبب تقرير يفيد بأن مسؤولين في إدارة الرئيس الديموقراطي تلاعبوا بمعلومات حول تدخل روسيا في انتخابات 2016. وأرسلت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد إحالات جنائية إلى وزارة العدل مرتبطة بتقرير نُشر الجمعة يؤكد أن مسؤولين في إدارة أوباما كانوا جزءا من "مؤامرة خيانة". ووصف مكتب أوباما اتهامات البيت الأبيض بأنها "سخيفة ومحاولة ضعيفة لصرف الانتباه". وجاء في بيان له "احتراما لمكتب الرئاسة، فإن مكتبنا لا يعطي عادة أهمية للهراء المستمر والمعلومات المضللة التي تأتي من البيت الأبيض بالرد عليها (..) ولكن هذه المزاعم مشينة بصورة كافية بحيث يجب الرد عليها. هذه الادعاءات الغريبة سخيفة ومحاولة ضعيفة لصرف الانتباه".
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" الأسترالية (24 يوليو/تموز 2025) معلقة "يبدو أن وجود رئيس دولة أجنبي في المكتب البيضاوي يثير ردود فعل متطرفة لدى دونالد ترامب، أمس الثلاثاء كان رئيس الفلبين فرديناند ماركوس جونيور شاهداً على مستوى مذهل من الوقاحة: حيث اتهم الرئيس الأمريكي سلفه باراك أوباما، بالتخطيط لانقلاب وارتكاب "خيانة" (..) يمكن تجاهل هجوم ترامب باعتباره أمراً تافهاً، وقد أدرك أوباما، مثل الكثيرين غيره، أنها مناورة صرف انتباه. لكن رغم ذلك، قد تثبت هذه التصرفات خطورتها. رئيسة وكالة الاستخبارات الأمريكية تولسي غابارد هددت ببدء تحقيقات جنائية. ونشر ترامب فيديو مزيف بتقنية الذكاء الاصطناعي يظهر فيه أوباما وهو يُعتقل (..) يبدو أن محاولات صرف الانتباه المتزايدة واليائسة عن قضية جيفري إبستين بدأت تؤتي ثمارها.
قناة فوكس نيوز التي تعد من أهم المنابر المدافعة عن ترامب تناولت "قصة أوباما"، وكذلك العديد من القنوات والبودكاست المرتبطة بحركة "ماغا". ومع ذلك، لا يزال عدد كبير من الجمهوريين في الكونغرس يطالبون بنشر ملفات إبستين (..) في الوقت نفسه، بالكاد يخفي ترامب أنه يحاول صرف اهتمام الجمهور من خلال هذه المناورات (..) وهو يبدو مستعداً لكل شيء، إلا بالطبع للكشف عن الملفات".
فخ نظرية المؤامرة يلتف حول ترامب
تعتبر نظرية المؤامرةعند دونالد ترامب من ركائز خطابه السياسي، وتقوم على الاعتقاد بأن هناك مجموعات سرية تحاول الإضرار به وبحكمه. مثل القول بأن وسائل الإعلام وبعض السياسيين والبيروقراطيين يعملون ضده بشكل غير عادل. هذه الأفكار جعلت الكثير من المراقبين يتساءلون حول ما إذا كان ذلك يقوم على وقائع أم أن ذلك مجرد تخيلات. نظريات المؤامرة جزء من الشعبوية كأسلوب سياسي يعتمد على مخاطبة "الشعب العادي" ضد "النخب" أو "المؤسسات الفاسدة". كثيرًا ما يستخدم القادة الشعبويون قصصا بسيطة وواضحة عن أعداء وهميين أو مؤامرات سرية لتقوية شعور الجماهير بالظلم وبخداع النخب.
صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" السويسرية الناطقة بالألمانية (23 يوليو/تموز 2025) كتبت معلقة "بالنسبة لحركة "ماغا"، تُعد نظرية المؤامرة حول جيفري إبستين أحد ركائزها الأساسية. وتقول هذه النظرية إن إبستين، المتهم بارتكاب جرائم جنسية بحق قاصرين، لم ينتحر في السجن، بل تم اغتياله من قبل دائرة نفوذ سرية داخل "الدولة العميقة"، وذلك لمنع تسريب معلومات فاضحة تتعلق بشخصيات بارزة من النخبة، لا سيما من الحزب الديمقراطي وهوليوود. وقد ترددت آنذاك شائعات عن "قائمة زبائن سرية" (..) حتى ترامب نفسه ألمح إلى أن إبستين ربما قد قُتل. لكن الآن، تقول وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي فجأة إنه لا توجد أدلة على جريمة قتل، ولا توجد "قائمة زبائن" أيضًا. (..) لكن من وجهة نظر حركة ماغا، فإن (عدم التزام ترامب بوعده) غير مقبول، إذ تقوم هويتها بالكامل على فكرة أن الدولة العميقة ونخبة فاسدة يتسترون على أمور مروعة. لذا فهم غاضبون بشدة. وبالتالي لن يكون من السهل على ترامب التخلص من نظريات المؤامرة التي أطلقها بنفسه".
تحرير: هشام الدريوش