قصف إسرائيل لقطر.. تحذير يهز أسس التحالف الخليجي - الأمريكي؟
١١ سبتمبر ٢٠٢٥أثارت الضربة الإسرائيلية لمبنى سكنى في قلب قطر قيل إن قيادات حركة حماس كانت تجتمع فيه، قلقاً شديداً بين دول الخليج وسببت ما وصفه خبراء بالشرخ العميق في مستوى الثقة بين واشنطن والدول الخليجية.
وكانت الغارة الإسرائيلية قد أصابت مكتب وسكن قيادة الحركة الفلسطينية في حي "كاتارا" الفاخر وسط العاصمة القطرية الدوحة، بجوار عدد من السفارات، بينها الإسبانية والكينية والفلبينية.
وفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي بدأت موجة من التحركات الدبلوماسية بين الدول العربية، إذ وصل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى قطر ومن المتوقع وصول ولي العهد الأردني الأمير حسين يوم الأربعاء، بينما من المتوقع أن يصل ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان يوم الخميس.
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
"حليف لا يمكن الوثوق به"
ويرى دبلوماسيون وخبراء أن "ما جرى مع الدوحة بضوء أخضر أمريكي يبعث برسالة واضحة لكل المنطقة، ملخصها إنه لا ثقة أو اطمئنان للحليف الأمريكي بأية حال من الأحوال" بحسب وصفهم، إذ أنه يمكن ألواشنطن أن تطلق يد إسرائيل في أي وقت وفي أي مكان، وهو ما يضع التعاون الخليجي الأمريكي بأكمله على المحك.
ويطرح الهجوم الإسرائيلي على قطر عدة تساؤلات أهمها رد الفعل الخليجي المرتقب على الهجوم الإسرائيلي، فهناك من يرى أن دول الخليج قد تلوح بورقة التعاون في المجالات المختلفة مع الولايات المتحدة لتحصل على ضمانة بعدم تكرار ما حدث، على أن يكون الموقف موحداً وبالتنسيق بين الدول.
لكن هناك من يرى أن كل دولة ستقوم بمفردها بتقدير الأمر واتخاذ ما يتوافق مع مصالحها المنفردة وفقا لقوة العلاقة مع الولايات المتحدة، فالموقف الإماراتي قد يختلف عن نظيره السعودي أوالقطري أو البحريني.
فهل تضحي دول الخليج بمصالحها مع الولايات المتحدة خدمة لمبدأ التعاون الدفاعي المشترك؟ في هذا السياق يقول أحمد أبو دوح الزميل المشارك في مركز تشاتام هاوس بلندن إنه لا يعتقد أن كلا الأمرين يتناقضان مع بعضهما "أي أن يكون هناك معاهدة دفاع مشترك بين أي تكتل خصوصاً في منطقة جغرافية متقاربة في شكل تعاون إقليمي، وأن يكون هناك تحالفات خارجية مع قوى العظمى، فكلاهما يكمل الآخر، لكن السؤال الأهم على المستوى السياسي هل التفاهم الدفاعي، الاستثمارات والنفط مقابل الدفاع سيستمر في المستقبل؟".
وأضاف خلال حوار هاتفي مع دويتشه فيله عربية :"أتصور أنه من الممكن أن يستمر وأنا أتوقع أن يستمر، لكن ليس بالمستوى نفسه بسبب تغير أساسي حدث وهو سياسة "أمريكا أولاً" التي لا أتصور أنها ستقتصر على إدارة ترامب وحده، ولكنها ستستمر في المستقبل، مع تصاعد التوافق الداخلي في الولايات المتحدة على الانعزالية، والعودة إلى عقيدة مونرو، التي تحدد السياسة الخارجية الأمريكية، بالتركيز على الأمريكيتين بشكل أكبر"
ويشير أبو دوح إلى أن تداعيات ذلك تتمثل في أن تصبح خيارات دول الخليج الأمنية أقل، وبالتالي منذ هجوم بقيق وخريص على السعودية في 2019 ثم على أبو ظبي في 2022، ثم هجوم إيران على قطر ثم هجوم إسرائيل الأخير، "أثبتت الولايات المتحدة أنها - ومن وجهة النظر الخليجية - حليف لا يمكن الوثوق به ولا يمكن الاعتماد عليه في وقت الأزمات وبالتالي عليها أن تجد بدائل تكمّل علاقتها مع الولايات المتحدة، إما أن تكون هذه البدائل مع قوى أخرى سواء بينيه خليجيه أو قوه عربيه أو قوه خارجيه أو مع الولايات المتحدة أيضا عبر إعادة النظر في التحالف القائم، لكن التحالف القائم لن يستمر كما هو عليه على المدى الطويل".
هل كانت واشنطن تعلم؟
وفيما يرى البعض أن إسرائيل التفت على الولايات المتحدة وغامرت بتوجيه ضربة لأحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، غير عابئة بالضرر الذي يمكن أن تحدثه العملية في العلاقات بين الدوحة وواشنطن، لكن هناك من له رأي آخر، إذ يرى البعض أن ضربة من هذا النوع لا يمكن أن تكون قد مرت دون علم الولايات المتحدة نظراً لوضع قطر واستضافتها لقاعدتي العديد والسيلية، وأن ما حدث ما كان يمكن السماح به دون علم وموافقة واشنطن.
ونشرت صحيفة جيروزاليم بوست نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين إن الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بالهجوم ووافقت عليه. ولم يُدلِ أي مسؤول أمريكي بأي تعليقات حيال ما نشرته الصحيفة الإسرائيلية.
جاء ذلك على الرغم من صدور بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي جاء فيه أن "العملية ضد كبار قادة حماس الإرهابيين كانت عملية إسرائيلية مستقلة تمامًا. إسرائيل هي التي بادرت بها، ونفذتها، وهي تتحمل المسؤولية الكاملة".
موقف خليجي موحد؟
وحول ما إذا كان من الصعب اتخاذ موقف خليجي موحد يمكن أن يُلزم واشنطن بعدم تكرار ما حدث أم أن كل دولة ستتعامل مع الموقف بحسب ما يتوافق مع مصالحها المنفردة وفقاً لقوة العلاقة مع الولايات المتحدة، يرى أبو دوح أن "هناك بعض الاعتبارات يجب أن يتم التركيز عليها عند النظر إلى كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة".
أضاف أنه "إلى الآن تحاول الولايات المتحدة المناورة عبر التركيز على أن الهجوم الإسرائيلي مشروع على قيادات حماس لكنه للأسف حدث في موقع اسمه قطر، أي أنها تريد وبالتعاون مع إسرائيل، أن تدفع برواية أو خطاب خارجي مفاده أن الهجوم ليس على قطر، لما لذلك من تبعات خاصة بالقانون الدولي، وأن الهجوم كان على حماس".
ويرى خبراء أن على دول الخليج أن تتبنى مقاربة موحدة، لن تستطيع أن تلزم الولايات المتحدة بأي شيء، لكنها تستطيع أن تدفع في هذا الاتجاه، فعلى سبيل المثال تنخرط السعودية والإمارات بالفعل في مفاوضات حول توقيع اتفاقي الدفاع المشترك، أو معاهدتي الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة منذ إدارة بايدن.
ويرى أبو دوح أن "هذه المفاوضات، على حد علمي، لا تزال سارية لكنها تباطأت الآن. هذا الهجوم فرصة لدول الخليج لأن تدفع باتجاه هذا الأمر لأن يتم على قاعدة أن أمن دول الخليج صار مهدداً من قبل القوتين المتنافستين اللتين تسعيان لفرض الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، إيران وإسرائيل".
مصير التحالف الأمريكي - الخليجي
ويتفق خبراء على أن الضربة الإسرائيلية جاءت بمثابة اختبار قوي للتحالف الأمريكي – الخليجي والمستمر منذ عقود. فما مصير هذا التحالف؟
يشير الخبير بمعهد تشاتام هاوس إلى أنه "لو لم توافق الولايات المتحدة على هذا الأمر، وهذا ما أتوقعه تحت إدارة ترامب، فدول الخليج سيكون أمامها خيار واحد، وهو المزيد من التحوط مع القوى العظمى الأخرى، وأنا أعني هنا، روسيا والصين بشكل خاص، ليس في المجال الدفاعي، لأن هذه القوى لا تريد أن تنخرط أمنياً بشكل أوسع، ولكن أن تعمق شراكاتها مع هذه الدول بإرسال رسالة واضحة للولايات المتحدة أن التحالف الذي كان يسمى قبل ذلك غير قابل للاهتزاز، أصبح الآن مهتزاً بالفعل".
وعلى مدى عقود - وبعد حرب تحرير الكويت بوجه خاص - ترسخ لدى دول الخليج أن الولايات المتحدة لا تعمل فقط على حمايتها من الخصوم الإقليميين (وتحديداً إيران)، بل إن الوجود الأمريكي على أرض دول الخليج يكسبها مناعة طبيعية ضد أي اعتداءات خارجية، ، لتأتي الضربة الإسرائيلية وتحدث تأثيراً سلبياً في هذه القناعة.
ويطرح الهجوم الإسرائيلي على قطر سؤالاً بشأن اتفاقيات التعاون العسكري والأمني الواسعة بين دول الخليج والولايات المتحدة، فإن كان التعاون موجها بشكل رئيسي ضد "الخطر الإيراني" والعمل على "مكافحة الإرهاب"، فهل هذه هي حدود التعاون الدفاعي الأمريكي فقط؟
وكان وزير الخارجية القطري قد ذكر في كلمته بعد الهجوم أن منظومة الدفاع الجوي القطرية (وهي منظومة أمريكية ) لم ترصد الصواريخ الإسرائيلية، فهل يعني ذلك أن المنظومة لا تستطيع اكتشاف الصواريخ الإسرائيلية أم أن برمجها مصمم بهذا الشكل وهل تم تعطيلها عن بعد؟
ويرى خبراء عسكريون أن هذا الأمر إن صح فإن ذلك يعني أن كل أنظمة الدفاع الجوي الخليجي التي تم الحصول عليها من الولايات المتحدة لها حدود معينة لا يمكنها تخطيها.
ومن المعروف أن الدفاعات الأرضية والجوية القطرية هي أمريكية بالكامل تقريباً، فكيف أمكن أن تتجاوز المقاتلات الإسرائيلية هذه الدفاعات. يشير خبراء إلى إمكانية حدوث تعطيل متعمد من الخارج، أو أن الدفاعات الموجودة على الأراضي القطرية غير مجهزة للتصدي للتقنيات الأمريكية
في هذا السياق، يقول العميد متقاعد شارل أبي نادر الخبير العسكري والاستراتيجي إنه "لا يمكن أبداً استبعاد أن الهجوم حدث برعاية أمريكية، وعندما يكون هناك رعاية أمريكية، سوف يكون هناك تعطيل مباشر تقني، أو تعطيل ربما شفهي لوسائل الدفاع الجوي القطرية، وأصلاً هناك قدرة للقاذفات الإسرائيلية أن تتجاوز كل وسائل الدفاع التي هي مع الدول الخليجية، حتى لو كانت أمريكية، فهي غير مجهزة بكل قدراتها، بمعنى أنه لا يمكن أن تُعطى كل الإمكانيات لكي تتصدى، وخاصة لمقاتلات اف - 35 الأمريكية والإسرائيلية".
وتطرح الغارة الإسرائيلية الكثير من الشكوك لدى باقي الدول الخليجية حول قدرة الدفاعات الأمريكية الموجودة على أراضيها والتي تعتمد تلك الدول بشكل أساسي في دفاعاتها عليها، فإن كان ذلك قد حدث مع قطر التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، فما الذي يمنع أن يحدث ذلك على أراضيها.
يقول العميد متقاعد شارل أبي نادر إن من الناحية التقنية فحتى إذا كانت الدول الخليجية تملك قدرات وأسلحة أمريكية، فهي تعلم جيداً أن هناك حدود لإمكانياتها في مواجهة القدرات الإسرائيلية، "هذا الموضوع لمسناه عندما كان هناك محاولة لصفقة اف- 35 للإمارات، وكان هناك شروط وقيود إسرائيلية على هذا الموضوع، مضيفاً أن هذا الأمر يمتد إلى كل الدول الخليجية وإلى كل الأسلحة".
وعما إذا كانت العلاقات الخليجية - الأمريكية قد تضررت نتيجة الضربة الإسرائيلية لقطر، لا يعتقد أبي نادر أن هناك شرخاً قد وقع في جدار العلاقات بين الطرفين، "صحيح أن قطر والإمارات والسعودية أعلنوا عن استيائهم ومعارضتهم لهذه العملية واعتبروها ضد السيادة، ولكن عملياً الجو الأمريكي في تقديري يفرض أن يسير الجميع في إطار الأجندة الأمريكية، مشيراً إلى أنه كان هناك تحديد إسرائيلي وأمريكي أصلاً أن الاستهداف كان مركزاً على الأهداف المتعلقة بحماس فقط ولم تكن قطر نفسها مستهدفة.
وأضاف الخبير العسكري اللبناني: "في تقديري كان هناك اقتناع أو استسلام لهذا الموضوع من الدول الخليجية، خاصة أن الإسرائيليين أنفسهم صرحوا أنهم سوف يلاحقون مسؤولي حماس أينما كانوا، سواء كانوا في الخليج أو في تركيا أو في مصر ولا نستبعد أن يتم استهداف في مصر أو تركيا وليس بالضرورة أن يتم ذلك بالقاذفات وربما يتم استخدام وسائل أخرى خاصة وأن هناك قرار إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة بملاحقة قادة حماس مهما كانت الدولة المستضيفة".