قاعدة بيانات حول مصير ضحايا النازية بدعوى "القتل الرحيم"
٢٥ أغسطس ٢٠٢٥علمت باربرا باوم قبل نحو عشرة أعوام ما حدث في الواقع لخالتها. ففي عام 2015 وجّهت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" نداءً ذكرت فيه أنَّها تريد التعمّق في موضوع "القتل الرحيم" خلال الحقبة النازية وتبحث عن أقارب للضحايا. استجاب أكثر من 100 شخص، من بينهم أيضًا باربرا باوم البالغة من العمر 82 عامًا وتعيش في ميونيخ. بعد وقت قصير سُمح لها الاطلاع على ملفات تتعلق بحياة أنيليزه فايدرت ووفاتها. وهذه الملفات تشمل وثائق من مصحة ودار تمريض إيغلفينغ-هار السابقة بالقرب من ميونيخ.
وحول ذلك قالت باربرا باوم لـDW: "لم أكن أتخيل على الإطلاق أنَّ كل شيء كان موثقًا بهذه التفاصيل، ولكن النازيين كانوا دائمًا دقيقين جدًا. وفي النهاية، أصبحت تقاريرهم نادرة ومرعبة بشكل متزايد. وخالتي كثيرًا ما كانت تُعطى مهدّئات، وفي النهاية تم تقييدها في السرير، وتوفيت كما ذكر تقرير التشريح بسبب التهاب رئوي".
"العملية تي 4": قتل جماعي ممنهج
وأنيليزه فايدرت كانت صماء ولم تتعلم الكلام، ولذلك فقد كانت تعتبر "ضعيفة عقليًا". وتم إدخالها في عام 1921 إلى مصحة ودار تمريض إيغلفينغ-هار، حيث توفيت بعد 20 عامًا نتيجة حرمانها المتعمد من الغذاء. وقد تم تشخيص وفاتها بالالتهاب الرئوي لإخفاء سبب الوفاة الحقيقي.
ومصيرها مثال واضحٌ على آلة القتل والإبادة النازية، التي بدأت بتعميم من وزارة داخلية الرايخ الألماني صدر في الـ18 آب/أغسطس 1939، لقتل جماعي ممنهج للأطفال المرضى والمعاقين، وبعد فترة قصيرة شمل ذلك بالغين، من خلال "برنامج القتل الرحيم العملية 4 تي".
وتشير التقديرات إلى أنَّ النازيين قتلوا في أوروبا نحو 300 ألف شخص كانوا يعانون من أمراض عقلية وإعاقات بدنية، فالنازيون اعتبروهم "عديمي الفائدة" للمجتمع،. ويفترض المدافعون عن الضحايا أنَّ هذا العدد كان أكبر بكثير.
النازيون أجروا أبحاثًا واسعة في مجال الدماغ
ولكن هذا ليس كل شيء: فقد استخدم النازيون أدمغة الكثير من ضحايا "القتل الرحيم"، بمن فيهم أنيليزه فايدرت، بعد وفاتهم لأغراض بحثية. وحول ذلك يقول هيرفيغ تشيك، وهو مؤرخ طبي نمساوي في جامعة فيينا الطبية: "كان يتم بهذه الطريقة جمع الأدمغة وتصنيفها وتحويلها إلى عينات معظمها على شكل مقاطع مجهرية، وكانت تُحفظ بعناية لفحصها لاحقًا. أدمغة أطفال لديهم إعاقات تم تسميمهم في المصحات؛ وأشخاص لديهم أمراض عقلية تركهم النازيون ليموتوا في المصحات النفسية بسبب الإهمال الممنهج أو التجويع. أو حتى أطفال وبالغين تم قتلهم في غرف الغاز الخاصة بما يعرف باسم العملية تي 4".
نقل بالحافلات إلى مراكز القتل
انطلقت في 18 كانون الثاني/يناير 1940 حافلة أول "عملية تي 4" في الرايخ الألماني من مصحة ودار تمريض إيغلفينغ-هار، التي توفيت فيها أنيليزه فايدرت لاحقًا. ونقلت الحافلة خمسة وعشرين رجلًا إلى مركز القتل غرافينإيك، حيث قتلوا بالغاز في اليوم نفسه. وقبل ذلك قتل النازيون الأشخاص المصابين بأمراض عقلية في بولندا.
وفي هذا الصدد تقول بيتينا روكينباخ، وهي رئيسة الأكاديمية الوطنية الألمانية للعلوم ليوبولدينا، إنَّ: "قتل المرضى والأشخاص المعاقين، والذي تم التقليل من شأنه عمدًا بوصفه 'قتلًا رحيمًا‘، هو مثال على التشابك بين الطب والبحث العلوي البيولوجي والأيديولوجية العنصرية النازية". وفي ألمانيا استغرق الأمر وقتًا طويلًا جدًا للتذكير بضحايا جرائم ما يعرف باسم 'القتل الرحيم‘".
قاعدة بيانات على الإنترنت للضحايا كموقع تذكاري رقمي
وأنشأت الآن أكاديمة ليوبولدينا، بالتعاون مع جمعية ماكس بلانك ومجموعات بحثية في ألمانيا والنمسا وبريطانيا، قاعدة بيانات إلكترونية تقدّم لأول مرة مدخلًا منهجيًا لآلاف الأسماء والبيانات الشخصية الخاصة بضحايا البحث الطبي القسري. وملف أنيليزه فايدرت مدرج أيضَا صمن قاعدة البيانات.
وهذا يمثل بالنسبة لباربرا باوم، التي تقدم منذ سنين دورات توعية في الفصول الدراسية حول جرائم "القتل الرحيم" النازية، خطوةً مهمةً أخرى لضمان عدم نسيان مصير خالتها والضحايا الآخرين الكثر. وتقول: "نحن نعيش طبعًا في الحاضر وليس في الماضي، ولكن يجب أن نتعلم من الماضي. ومعرفة ما حدث سوف يساعدنا على أن لا يتكرر ذلك مرة أخرى".
أعده للعربية: رائد الباش