فنزويلا وإيران: شريكان تحت الضغط
٨ مارس ٢٠٢٥في منتصف شهر فبرايرأقلعت طائرتان تابعتان لشركة الطيران الفنزويلية كونفياسا من مطار مدينة إل باسو المكسيكية. كانت وجهتهما: فنزويلا. وعلى متنها: مهاجرون من هناك، بعضهم أعضاء في عصابة ترين دي أغوا الإجرامية. كانت الرحلة نتيجة للمحادثات التي أجراها المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ريتشارد غرينيل مع الرئيس نيكولاس مادورو في كاراكاس قبل أيام قليلة. كما اصطحب غرينيل ستة مواطنين أمريكيين كانوا مسجونين في فنزويلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. رسالة الاجتماع: الولايات المتحدة وفنزويلا تتحدثان مع بعضهما البعض مرة أخرى.
أما الوضع في إيران فهو مختلف إلى حد ما: لم يرسل ترامب ممثلًا له هناك حتى الآن. ويستند الاتصال مع الحكومة هناك حاليًا على الضغط السياسي في المقام الأول. فحسب الموقع الرسمي للبيت الأبيض، لا ينبغي أن تمتلك إيران قنبلة نووية وينبغي "تحييد" "الإرهابيين" الإيرانيين ومواجهة إنتاج الأسلحة في البلاد. وتحقيقًا لهذه الغاية يجب على وزارة الخزانة الأمريكية ممارسة "أقصى قدر من الضغط" على الحكومة في طهران. وعقب هذه التصريحات أعرب وزير الخارجية الإيراني عن استعداده لإجراء محادثات. وقال قبل بضعة أيام: "إذا كان الشاغل الرئيسي هو أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية فهذا أمر يمكن تحقيقه".
ويبقى أن نرى كيف سيؤثر مسار حكومة ترامب الحاسم تجاه فنزويلا وإيران على العلاقة بين البلدين. فقد حافظت الدولتان في السابق على علاقة سياسية وثيقة وعملتا معاً بشكل وثيق على الصعيد الاقتصادي. وفي يونيو 2023، سافر الرئيس الإيراني آنذاك إبراهيم رئيسي إلى كاراكاس لإجراء محادثات مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
العرض: المنفى في كراكاس
وقد وصل الأمر إلى حد أن الحكومة في كراكاس عرضت على القيادة السياسية في طهران اللجوء في نوفمبر من العام الماضي في حال الإطاحة بنظام الحكم في إيران. وذكرت ذلك صحيفة "لا تيرسيرا" التشيلية وغيرها. ويبدو أن الخطط متقدمة جداً: وحسب المعلومات الواردة في الصحيفة، فإن أعضاء القيادة الإيرانية قد حصلوا بالفعل على ممتلكات في فنزويلا.
الضغوط الاقتصادية العالية
ويتعرض كلا البلدين لضغوط اقتصادية عالية ناجمة بشكل رئيسي عن العقوبات الغربية القوية، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا. وهي مبررة على أساس انتهاكات حقوق الإنسان والحقوق المدنية في فنزويلا وكذلك في إيران. كما أن إيران تخضع للعقوبات بسبب برنامجها النووي.
بالإضافة إلى ذلك، كلتا الدولتين معزولة للغاية في منطقتيهما: "تقول أستاذة العلوم السياسية سارة بازوبندي من معهد السياسات الأمنية في جامعة كيل، "لم يعد لإيران شريك من الدول في الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، فهي تعتمد على الجهات الفاعلة غير الحكومية في العديد من البلدان، وعلى رأسها حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية العراق والميليشيات الحوثية في اليمن". ومع ذلك فقد تضاءلت أهميتها بشكل كبير منذ الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة".
وتقول سابينه كورتنباخ، الرئيسة المؤقتة للمعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية في هامبورغ، إن الوضع مشابه في فنزويلا. "في نهاية المطاف، لا تحظى البلاد بدعم في أمريكا اللاتينية إلا من نيكاراغوا وكوبا وأجزاء من المعارضة في بوليفيا". وبالتالي فإن التعاون بين البلدين منطقي من الناحية الاقتصادية، تتابع كورتنباخ. "فكلاهما معنيان بتجنب العقوبات قدر الإمكان، أو على الأقل التخفيف من آثارها".
وتحقيقاً لهذه الغاية، يعمل البلدان معاً بشكل وثيق. على سبيل المثال تصدّر إيران المنتجات النفطية المكررة إلى فنزويلا، حيث لا يمكن معالجة النفط الخام الفنزويلي في كثير من الأحيان بسبب نقص البنية التحتية. كما تدعم إيران فنزويلا في بناء المصافي والبنية التحتية والصناعة. وحسب صحيفة "لا تيرسيرا" فإن الأسلحة مثل الطائرات بدون طيار تجد طريقها أيضاً من إيران إلى فنزويلا.
من جانبها تزود فنزويلا إيران بالنفط الخام والمنتجات البترولية بالإضافة إلى المنتجات الزراعية مثل البن والكاكاو والفاكهة الاستوائية. كما تدفع الحكومة في كاراكاس ثمن الخدمات التقنية الإيرانية بالذهب الفنزويلي.
التقارب الأيديولوجي
وتقول الخبيرة الأيبيرية الأمريكية سابينه كورتنباخ إن أساس العلاقة الوثيقة بين البلدين هو التقارب الأيديولوجي بينهما. "ترتبط الدولتان بإيديولوجية ما يسمى "النضال ضد الإمبريالية" ضد الولايات المتحدة الأمريكية. في إيران بدأ ذلك مع ثورة عام 1979، وفي فنزويلا منذ أواخر التسعينيات، وبالتحديد منذ رئاسة هوغو شافيز في عام "1999" .
وحسب كورتنباخ فقد دفع هذا الأمر فنزويلا إلى تقديم نفسها كرائد لنظام عالمي متعدد الأقطاب. "تهدف حكومة مادورو إلى تشكيل كوكبة تكون فيها الولايات المتحدة الأمريكية أقل قوة عالمية وأقل تأثيرًا. وفي مثل هذه الكوكبة فقط يمكن لحكومة مادورو البقاء على المدى الطويل".
وبناءً على ذلك فإن الهجمات اللفظية على الولايات المتحدة هي جزء من المخزون الأيديولوجي لنيكولاس مادورو. ففي أكتوبر الماضي على سبيل المثال، تحدث عن "السلوك الاستعماري والإمبريالي الجديد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية".
وتتبنى سارة بازوبندي وجهة نظر مماثلة فيما يتعلق بإيران. فإيران تشترك في رؤية عالمية مشتركة ليس فقط مع فنزويلا، ولكن أيضًا مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية. "ويستند ذلك إلى تراجع النظام الليبرالي الحالي وتراجع القوة العالمية للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية". ويعكس الخطاب الذي تروجه قيادة البلاد هذا الأمر. "بغض النظر عمن يتولى السلطة في الولايات المتحدة، فإن سياستهم تجاه إيران هي نفسها: العداء والغطرسة والنفاق"، هذا ما أعلنه المرشد الديني والسياسي الإيراني علي خامنئي في نوفمبر 2020، بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ذلك الوقت. "إنهم الوجه الحقيقي للشر".
مستقبل غامض
وبناءً على ذلك تقول سارة بازوبندي إن إيران تشارك فنزويلا طموحاتها. "على أساس هذه الرواية المشتركة، تثق هذه الدول ببعضها البعض. والثقة مهمة للغاية في هذه العلاقات. لأن تعاونهما الفعلي قائم على ذلك أيضًا". ومع ذلك يبقى أن نرى كيف ستتطور العلاقة بين البلدين في ظل إدارة ترامب".
وتقول سارة بازوبندي: "إن المسار الاستراتيجي لإيران يمر بنقطة تحول. يريد ترامب أن تتخلى طهران عن طموحاتها النووية. وإلا سيزداد خطر توجيه ضربة عسكرية من إسرائيل ضد المنشأة النووية. "ومع ذلك إذا قبلت إيران هذا الشرط، فمن المرجح أن يتم تخفيف العقوبات، مما يفتح المزيد من الفرص أمام إيران للاندماج مجددًا في الاقتصاد العالمي. وفي هذه الحالة، قد لا تكون فنزويلا شريكًا جذابًا". ومع ذلك إذا قررت إيران رفض الشرط الأمريكي واستمرت في برنامجها النووي، فقد تصبح دول مثل فنزويلا أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية بالنسبة لإيران، بحسب بازوبندي.
وتتبنى سابينه كورتنباخ وجهة نظر مماثلة. "إذا تعاونت الولايات المتحدة الأمريكية مع إنتاج النفط الفنزويلي في المستقبل، فسيكون ذلك بالتأكيد أمرًا مثيرًا للاهتمام بالنسبة لحكومة مادورو".
أعده للعربية: م.أ.م