فرحة ممزوجة بالألم.. نازحو شمال غزة يعودون إلى ديارهم
٢٨ يناير ٢٠٢٥لم ينتظر الغزاوي محمود أيوب طويلا، فقد حزم حقائبه وبعض البطانيات ليشد الرحال عن مخيم النصيرات بوسط القطاع ليعود إلى منزله في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة.
فخلال الأشهر الماضية، عاش أيوب كغيره من الكثير من سكان القطاع داخل خيمة في المخيم، لكنه قرر العودة إلى داره مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء بين إسرائيل وحماس.
وفي مقابلة مع DW، قال أيوب "أنا سعيد بفكرة العودة إلى شمال قطاع غزة بعد نزوح دام 16 شهرا. كان خبر اتفاق وقف إطلاق النار بمثابة مبعث للأمل".
وفي طريقه إلى حي الشيخ رضوان، قدم جيران أيوب في مخيم النصيرات العون له وهو يفك خيمته.
وانتظر بعض سكان المخيم بعض الوقت للوقوف على الوضع في القطاع مع بدء سريان الاتفاق بين حماس وإسرائيل.
وفي ذلك، قال أيوب "قمت بالاتصال بالعديد من الأصدقاء المتواجدين في شمال غزة لمعرفة ماذا صار بمنزلنا". وأضاف "أخبرونا أنه قد دُمر تقريبا، لذا فلسنا متأكدين مما إذا كنا سنتمكن من العيش فيه، لكن بغض النظر عن حال منزلنا، فقد قررنا العودة. فحتى إذا لم نتمكن من العيش في المنزل، سننصب خيمتنا بجانبه ونعيش إلى جواره أنا وزوجتي وأطفالي".
بيد أن طريق العودة من وسط القطاع إلى شماله لم يكن معبدا بالورود؛ إذ تطلب السير على الأقدام في طريق رافقه معه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قسرا من شمال غزة خلال الحرب.
وقال أيوب "لا نعرف كيف ستكون الرحلة؟ الطريق طويل حيث يتعين علينا قطع مسافة تقترب من 7 كيلومترات على طول الساحل".
شارع الرشيد
يشار إلى أن عودة النازحين إلى شمال غزة قد تأخرت حيث كان الآلاف ينتظرون في شارع رشيد الساحلي الذي يمتد من شمال القطاع إلى جنوبه.
ويُتاح للسكان النازحين التحرك شمالا سيرا على الأقدام عبر طريق الرشيد الساحلي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء بين إسرائيل وحماس التي نفذت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الإرهابي والذي أدى إلى اندلاع الحرب في غزة.
أعلنت إسرائيل الأحد (26 يناير/كانون الثاني 2024) عن انتهاك حماس للاتفاق الذي تم خلاله الإفراج عن سبع رهائن إسرائيليات ومئات السجناء الفلسطينيين.
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه "خلال تنفيذ المرحلة الثانية من التبادل أمس، ارتكبت حماس انتهاكين، إذ لم يتم الإفراج عن الرهينة أربيل يهود التي كان من المقرر الإفراج عنها السبت، كما لم يتم تقديم القائمة التفصيلية لوضع جميع الرهائن".
وجرى خطف أربيل يهود، التي تحتجزها حركة "الجهاد الإسلامي"، مع صديقها من كيبوتس نير عوز خلال هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي أودى بحياة شقيقها.
يشار إلى أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. كما تصنف حركة "الجهاد الإسلامي" على أنها منظمة إرهابية أيضاً، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران.
وأعلنت قطر أنه تم التوصل إلى اتفاق بين الفصائل المسلحة وإسرائيل سيتم بموجبه إطلاق سراح أربيل يهود الخميس (30 يناير/ كانون الثاني) إلى جانب رهينتين إسرائيليتين أخريين.
وقال نتنياهو إن الدفعة الأخرى سوف تشمل الجندية أغام بيرغر، فيما يُتوقع إطلاق سراح ثلاثة رهائن آخرين السبت كما هو مخطط في مقابل إطلاق سراح فلسطينيين محتجزين في سجون إسرائيلية.
في المقابل، ستسمح إسرائيل بحركة النازحين من جنوب إلى شمال غزة عبر "حاجز نتساريم" الذي يمتد من شرق القطاع إلى غربه ويفصل بين جنوب غزة وشمالها. وبُني الطريق خلال الحرب ويخضع في الوقت الراهن لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
وفي طريق العودة، تفرقت بعض العائلات حيث اضطر العديد من سكان غزة إلى ترك أقاربهم وراءهم أثناء تحركهم.
ومنذ صباح الاثنين (27 يناير/كانون الثاني)، عبرت أول موجة من آلاف النازحين إلى شمال القطاع سيرا على الأقدام. وبعد ساعات، سُمح أيضاً للمركبات بالعبور بعد الخضوع للتفتيش. وكان بعض الفلسطينيين قد أقاموا في العراء منذ ليلة السبت ليكونوا من أوائل العابرين.
وقال رزق أيوب، أحد العابرين في طريقه إلى مدينة غزة مع 57 من أقاربه: "على مدار اليومين الماضيين، كنا ننام في العراء، ننتظر أن يفتح الجيش الإسرائيلي حاجز نتساريم حتى نتمكن من العودة إلى شمال قطاع غزة ورؤية ما تبقى من منازلنا المدمرة — إذا كان هناك شيء متبقٍ على الإطلاق."
"فرحة تفوق الوجع"
وامتزج شعور العائدين إلى شمال القطاع بالفرحة لكن كان يعتصرهم الوجع. بيد أن الشعور بفرحة العودة فاق أي مشاعر حزينة.
وبينما كانت في طريقها إلى حي النصر بمدينة غزة، قالت أماني زهد إن "المشهد يظل رهيبا وغير مألوف في الوقت نفسه. هناك الكثير من الناس، لكنهم سعداء. رغم معاناتهم، فكلنا يشعر بالسعادة. أنا واثقة أن المستقبل سيكون أفضل".
بيد أن العودة كانت مؤلمة بشكل خاص لمن فقدوا أقاربهم. وقال تامر الفراني، موظف في منظمة محلية غير حكومية، إن الكثير من العائدين يأملون في دفن أحبائهم الذين بقوا تحت أنقاض منازلهم التي تعرضت للقصف.
وأضاف "فقدت الاتصال بأختي وزوجها وأطفالها الأربعة منذ الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي. في ذلك الوقت، كانت أسرة شقيقتي تقيم في منزل بحي تل الزعتر في مخيم جباليا مع عائلة أخرى".
وأشار إلى أن أسرة شقيقته اضطرت إلى النزوح من شمال مدينة غزة، حتى وصولهم إلى المخيم، مضيفا أنه فقد الاتصال بها منذ ذلك الحين.
وقال "بعد أسبوعين، سمعنا من الآخرين أن المبنى الذي كانوا يقيمون فيه قد تم قصفه بالكامل، ومات كل من كان بداخله. كان مبنى مؤلفا من أربعة طوابق، ولا يزال العديد من الذين كانوا بداخله تحت الأنقاض".
ملف المفقودين
ومع عودته إلى شمال القطاع، يأمل تامر في الوقوف على مصير شقيقته وأسرتها حتى لو تطلب الأمر البحث تحت أنقاض المنزل، قائلا: "نعلم أن الدفاع المدني لا يمتلك معدات كافية، لكننا سوف نحفر بأيدينا في سبيل العثور على جثثهم لدفنهم".
وفي بيان، قال الدفاع المدني إنه "بناءً على بيانات المواطنين، سجلنا أسماء وأماكن مئات الضحايا المفقودين تحت أنقاض المباني والمنازل". وأشار البيان إلى أن طواقم الدفاع المدني لا تدخر جهدا في انتشال ما تستطيع انتشاله من الجثامين رغم أن الإمكانات المتوفرة بسيطة.
بدورها قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنه جرى الإبلاغ عن فقدان 9200 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى نهاية العام الماضي.
وأضافت أن 6800 حالة هي الآن رهن التحقيق. ويشير البعض إلى أن إسرائيل ربما احتجزت بعض المفقودين أو ربما لقوا مصرعهم خلال الحرب.
ومع عودة النازحين، التقى بعض أطفال غزة بعائلاتهم بعد أن تفرقوا بسبب الحرب.
وفي ذلك، قال تامر "نريد أن نداوي جروحنا ونعيد بناء حياتنا بقدر استطاعتنا. الخسارة هائلة فهناك الكثير من الأشخاص المفقودين. ومع ذلك، يجب أن نجد طريقة لنشرع في فصل جديد من حياتنا".
أعده للعربية: محمد فرحان
الصور من محمد المدهون