عندما تلجأ ناشطة تونسية لإضراب عن الطعام كملاذ أخير ضد القمع
٢٦ يناير ٢٠٢٥سهام بن سدرين، ناشطة حقوقية تونسية تبلغ من العمر 74 عاما، صار البقاء داخل زنزانتها في سجن منوبة النسائي بالنسبة لها لا يطاق. إذ كتبت منشورا على صفحتها بمنصة فيسبوك في 14 يناير الجاري "لم أعد أستطيع تحمل الظلم الذي لحقني. أنا عازمة على انتشال نفسي بأي ثمن، من هذه الحفرة التي رُميت فيها ظلما"، وهي مضربة عن الطعام منذ ذلك الحين.
كانت بن سدرين في السجن الاحتياطي منذ أغسطس الماضي، بتهمة "الاحتيال" و"الحصول على مزايا غير عادلة"، فضلاً عن اتهامات بتزوير جزء من تقرير رسمي أثناء توليها رئاسة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس. وقد اعتبر محاميها ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة الاتهامات بأنها اتهامات لا أساس لها.
في تصريح لـ DW، اعتبر عياشي الهمامي، أحد أعضاء فريق الدفاع عن بن سدرين وناشط بارز في مجال حقوق الإنسان، أنه "لا يوجد مبرر للاحتجاز. كان الأمر ليبرر لو كانت بن سدرين تشكل تهديدا للأمن، أو بإمكانها التأثير على الأدلة في القضية".
وأضاف الهمامي في تصريحه لـ DW"احتجاز بن سدرين لا يختلف عن الغالبية العظمى من المعارضين السياسيين المسجونين الذين تتم محاكمتهم بسبب آرائهم التي تتعارض مع السلطات التونسية".
ووفقا لتقرير هيومن رايتس ووتش العالمي لعام 2025 الذي نشر مؤخرا، ظل أكثر من 80 شخصا إلى غاية نوفمبر/تشرين الثاني رهن الاعتقال لأسباب سياسية أو بسبب ممارسة حقوقهم في تونس.
عهد سعيد.. تدهور ملحوظ في ميدان حقوق الإنسان
تدهور وضع حقوق الإنسان في تونس منذ يوليو/تموز 2021، أي عندما بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد في تعزيز سلطته بقوة. فقد حل سعيد معظم المؤسسات الديمقراطية في البلاد، والقضاء، الذي لم يعد مستقلا، كما يقول مراقبون.
وفي رواية سعيد، فإن مثل هذه التحركات ضرورية ومبررة في ما يسميه "حرب التحرير الوطنية" في البلاد من المشاكل الناجمة عن أزمات الاقتصاد والهجرة.
في الصيف الماضي، قبل الانتخابات الرئاسية في تونس، اتخذ وضع حقوق الإنسان منعطفا نحو مزيد من التدهور، حيث مُنع معظم المرشحين من الترشح ضد سعيد أو تم سجنهم. كما هو الحال بالنسبة للعشرات من الصحفيين والناشطين، من بينهم سهام بن سدرين.
وخلال أكتوبر/تشرين الأول، انتُخب سعيد لولاية أخرى مدتها خمس سنوات كرئيس للبلاد، في تصويت قال المراقبون إنه لم يكن حرا ولا ديمقراطيا. وإن استمرار حكم سعيد ليس أمرا سيئا بالنسبة لخصومه السياسيين فقط، بل أيضا بالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان بشكل عام.
ضحايا الانتهاكات في حقبة الدكتاتورية في انتظار تطبيق العدالة
الوضع الحالي ليس مختلفا عما كانت عليه الأوضاع عام 2011، حينما اعتبرت البلاد نموذجا ديمقراطيا للمنطقة بعد انتفاضات "الربيع العربي".
من بين جميع بلدان "الربيع العربي"، كانت تونس الدولة الوحيدة التي أنشأت هيئة رسمية لضمان العدالة لآلاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الأنظمة السابقة بين عامي 1955 و2013، وهي هيئة الحقيقة والكرامة.
تم اختيار سهام بن سدرين لرئاسة اللجنة خلال ولايتها التي استمرت أربع سنوات بسبب الخبرة الواسعة التي اكتسبتها خلال أربعة عقود كناشطة في مجال حقوق الإنسان.
لكن لم يرحب الجميع بعمل اللجنة، فقد منعت السلطات الأمنية والقضائية مرارا وتكرارا الوصول إلى الأدلة الأرشيفية، فضلا عن رفضها الكشف عن أسماء السياسيين المتورطين.
ومع ذلك، وثقت هيئة الحقيقة والكرامة بمرور الوقت أكثر من 62 ألف شكوى جنائية ونحو 10 آلاف حالة تعذيب.
في ديسمبر/كانون الأول 2018، أي في نهاية ولايتها، أحالت الهيئة 205 حالة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل سياسيين ومسؤولين أمنيين ورجال أعمال إلى الدوائر الجنائية المتخصصة في تونس للملاحقة القضائية. من بين هذه الحالات، كانت 23 حالة مرتبطة باتهامات فساد ضد مسؤولين حكوميين.
ولكن منذ ذلك الحين، لم يحدث الشيء الكثير فيما يتعلق بالمساءلة. وفقا للائتلاف المدني المدافع عن العدالة الانتقالية في تونس، لم يتم إصدار حكم واحد على مدى السنوات الست الماضية.
إضافة إلى ذلك، أصدر الرئيس سعيّد، في مايو/أيار 2022، بموجب مرسوم، قانونا يمنح العفو لرجال الأعمال الذين حوكموا بتهمة ارتكاب جرائم مالية إذا وافقوا على سداد المبلغ المتنازع عليه من مكاسبهم غير المشروعة أو استثمارها في التنمية.
وفي العام نفسه، حُذِفَت ضمانات العدالة الانتقالية الدستورية من الدستور الجديد للبلاد، الذي صاغه سعيّد بنفسه. لقد أصبح الوضع مأساويا لدرجة أن الناشط الحقوقي التونسي عادل بن غازي يقول إنه على وشك فقدان كل أمل في أن تفي الحكومة بوعود العدالة الانتقالية في البلاد.
وقال في تصريحه لـ DW: "أصبحت العدالة الانتقالية قضية متعثرة في تونس، حتى الآن، لم يتلق الضحايا أي شكل من أشكال الاعتذار، وما زالوا يعانون إلى اليوم".
بن سدرين منهكة في ظل استمرار إضرابها عن الطعام
لم تكن أي من هذه التطورات جيدة للناشطة الحقوقية سهام بن سدرين. وقال بسام خواجة، نائب مدير فرع هيومن رايتس ووتش بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تصريح لـ DW: "زعم عضو سابق في اللجنة في مايو 2020 أن بن سدرين زورت جزءا من التقرير الذي ركز على الفساد في النظام المصرفي. لقد راجعنا هذه الشكوى ولا نعتقد أنها صحيحة".
عندما اعتقلت بن سدرين في الأول من أغسطس/آب، كتب خواجة على موقع المنظمة الحقوقية أن "هذه حالة انتقام واضحة، ويجب على السلطات الإفراج عن بن سدرين على الفور، وإسقاط التهم، والتوقف عن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان".
وقالت الأمم المتحدة أيضا في بيان لها حول الموضوع، إن اعتقال بن سدرين "قد يرقى إلى مستوى المضايقة القضائية بسبب العمل الذي قامت به كرئيسة للجنة، وأنه كان يهدف إلى تشويه سمعة" تقرير اللجنة.
يوم الخميس، أي اليوم التاسع من إضرابها عن الطعام، زار بن سدرين أعضاء الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ونائب محاميها.
وفي بيان أصدروه عقب الزيارة، أفاد زوار بن سدرين على صفحة بن سدرين على فيسبوك أنه قد بدت عليها علامات إرهاق مثيرة للقلق، مضيفين أنها اضطرت إلى الاستعانة بالأكسجين خلال النهار.
تواصلت DW مع مكتب الرئيس قيس سعيّد لطلب تعليق، لكن إلى غاية وقت نشر هذا التقرير لم تتلق ردا.
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة