ظاهرة البقشيش: عادة حسنة أم إهانة؟
١٥ أبريل ٢٠٠٦ظاهرة "البقشيش" أو الإكرامية تكاد أن تكون عالمية وإن اختلفت صورها وأشكالها ومناسبات دفعها. والبقشيش من حيث المبدأ هو تعبير عن الرضا عن الخدمة المقدمة للزبون ومقابل غير مباشر على جهد قدمه شخص، لكنه أصبح بمثابة قاعدة أساسية قد تكون إجبارية في بعض الخدمات تضاف على القيمة الفعلية للخدمة. وهو عادة قديمة عمت المجتمعات. سكيولوجيا يقول علماء النفس إن البقشيش لا يعكس الحالة المادية للشخص فقط، بل ان للأمر جوانب نفسية أخرى تتعلق بـ "تقدير الذات". وكشفت دراسات في هذا المجال عن وجود علاقة بين أحداث معينة والبقشيش وكذلك بين الحالة النفسية للزبون في لحظة معينة ونسبة البقشيش. فعندما يجلس شاب مع صديقته او خطيبته في مطعم ما في أجواء حب وسعادة ينعكس ذلك على البقشيش إما لانهما يعيشان حالة غرام أو لأنه يحاول ان يظهر أمامها بمظهر الرجل السخي الغني، وقد يحدث العكس اذا ما تعكرت الأجواء بينهما. وقد يكون دفع "البقشيش" للفت أنظار الآخرين إلى الشخص لكي يحيطون به ويزداد شعوره بعظمته وأهميته.
ثقافة البقشيش
يقال بان فكرة البقشيش ظهرت أول ما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية لذا يعرف بالإنجليزية بـ ((TIPS وهي اختصار للكلمات:To Insure Prompt Service. ولكنها ما لبثت ان انتشرت في كل بقاع العالم. وعموما تنتشر عادة دفع الإكرامية هذه مقابل خدمات معينة بذاتها مثل المطاعم والحانات والفنادق وسيارات الأجرة. و تختلف ثقافة البقشيش باختلاف المجتمعات والثقافات. فمثلا في الصين واليابان لا تعرف هذه المجتمعات تقاليد للبقشيش سوى بشكل محدود جدا وينظر إليها عادة كنوع من الإهانة. وفي الدول الأوروبية تنتشر عادة البقشيش ولكن مع ذلك لها أصولها وثقافتها. فهي مثلا يجب أن تشكل نسبة معينة من قيمة الخدمة او السلعة وما أدنى ذلك يعتبر إهانة في بعض الدول وبالذات إذا كان البقشيش من قطع النقود الصغيرة. وفي الوقت الذي يدفع البقشيش مع فاتورة الحساب أو يسلم للشخص في المطعم أو الحانة مثلا، فانه في بعض الدول يترك على الطاولة عند مغادرة المكان. وفي ألمانيا يدفع البقشيش عادة في الحانات والمطاعم وسيارات الأجرة والفنادق، غير انه في المحلات التجارية والمؤسسات الحكومية والخدمية يحظر تماما دفع أي شيء من هذا القبيل. وهو هنا يدفع كتعبير عن رضا الزبون عن الخدمة وإذا لم يكن راضيا فهو غير مجبر لأن يدفع شيئا.
"البقشيش" في البلدان العربية
دخل البقشيش إلى العالم العربي عن طريق الأتراك، لذلك فان أصل الكلمة "بقشيش" تركي. وأخذ البقشيش إشكالا مختلفة بحيث أصبح الفرق بينه وبين الرشوة ضئيلا وهو ما استدعى تدخل رجال الدين للفتوى في هذا الأمر، حيث يعتبر البعض منهم بالقول بأن ما يدفع من المال برضا نفس فهو حلال استنادا إلى القول القائل "ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا استشراف فخذه"، لكن شريطة ان لا يكون هناك شكل من أشكال الإلحاح او التلميح او ربط الخدمة وجودتها بذلك". وتختلف ثقافة البقشيش من بلد عربي إلى أخر. ففي مصر ودول المغرب العربي مثلا يعتبر البقشيش "خبز العامل" كما يطلق علية هناك، وهو عادة منتشرة بكثرة. وقد يستقبلك شخص أمام الفندق ويحاول مساعدتك ولو بحمل الصحيفة التي في يدك على أمل الحصول على مقابل. وأحيانا يصل الأمر إلى حد الإلحاح للحصول على البقشيش سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. أما في اليمن فان قيام الزبون بدفع إكرامية هي ظاهرة نادرة وإن أصبحت تأخذ بالظهور في المطاعم الكبيرة، لكن لا يتخذ ذلك صفة العادة أو الإجبار. ويفاجئ الزائر في الكثير من المطارات العربية مثلا أن شخصا يحمل له الحقائب دون أن يُطلب منه ذلك وفي نهاية المطاف يقول للزائر او المسافر "أعطني ما تستطيع". وفي العراق كان يعتبر البقشيش إلى وقت قريب نوعا من الإهانة ولكن بعد الظروف الاقتصادية بسبب الحرب والحصار صار البقشيش شيئا عاديا. فقد يساعدك شخص ما في البحث عن بدله مناسبة لك وتدفع له مقابل ذلك بقشيشا.