شركات تطالب الاتحاد الأوروبي بسياسة مناخية مستدامة وواضحة
١٦ يونيو ٢٠٢٥في رسالة مفتوحة في نهاية مايو/أيار دعت حوالي 150 شركة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي بنسبة 90 في المائة على الأقل بحلول عام 2040. وحجتهم في ذلك: إن الهدف المناخي القوي وإزالة الكربون من الاقتصادات الوطنية من شأنه أن يحسن المرونة وأمن الطاقة والقدرة التنافسية.
الموقعون على الرسالة هم أعضاء في مجموعات قادة الشركات التي يعقدها معهد قيادة الاستدامة في جامعة كامبريدج.
الرسالة موجهة إلى المفوضية الأوروبية وأعضاء البرلمان الأوروبي ورؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي. ومن بين الموقعين شركات كبيرة مثل SAP ومجموعة أوتو وأليانس.
وحتى الآن حدد الاتحاد الأوروبي لنفسه هدفا يتمثل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بعام 1990 وأن يصبح محايدا مناخيا بحلول عام 2050. ولا يوجد حتى الآن هدف مؤقت ملزم لعام 2040.
السعي للحصول على ميزة تنافسية عالمية
يمكن للأهداف المؤقتة الواضحة أن تمنح الشركات المزيد من الوضوح. ويوضح للمستثمرين ما إذا كانت أوروبا لا تزال على مسار العمل المناخي، لأن هناك الآن شكوك حول هذا الأمر. وأعادت المفوضية الأوروبية مؤخرا طرح بعض التوجيهات للمناقشة. ومن المقرر تبسيط الإجراءات.
وحسب مانون دوفور فإنه "لا يمكن التنبؤ" حاليا بما إذا كان الأمر سيبقى على هذا النحو أو ما إذا كانت اللوائح التي تم اعتمادها بالفعل سيتم تخفيفها من الباب الخلفي. وحسب المدير الإداري لمكتب بروكسل التابع لمركز الأبحاث الدولي E3G المتخصص في الدبلوماسية المناخية الدولية فإن هذا الأمر يتسبب في تردد المستثمرين.
ويرى دوفور أنه من الواضح أن وراء مطالبة الشركات بمزيد من الطموح المناخي هو الأمل في أن يمنح ذلك الشركات في الاتحاد الأوروبي ميزة تنافسية. وعلى خلفية الاستثمارات الخضراء الضخمة في الصين، فإن "التحول التكنولوجي في أوروبا لم يعد مشروعا أوروبيا بحتا"، بل يجب أن يُنظر إليه في سياق المنافسة العالمية.
"في بعض القطاعات قد يكون من الصعب إلى حد ما على أوروبا الحفاظ على ميزتها التنافسية. أما في قطاعات أخرى فإن أوروبا في وضع جيد للغاية"، كما يقول دوفور. فأوروبا رائدة في جميع المجالات المتعلقة بتقنيات الشبكات أو الكابلات، وكذلك في بعض مجالات تكنولوجيا احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه والتي تُستخدم لالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون من المنشآت الصناعية. "لا يزال بإمكان أوروبا الفوز هنا".
المزيد من الشركات لديه أهداف مناخية
ليس من قبيل الصدفة أن المزيد من الشركات تدعو الآن الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات أكثر حسما.
ومنذ بدء العمل بالصفقة الخضراء في الاتحاد الأوروبي في عام 2019 تم استثمار مئات المليارات من اليورو في التكنولوجيا والصناعة الخضراء، وتم اعتماد عدد من اللوائح التنظيمية لاقتصاد أكثر استدامة. ومنذ ذلك الحين حدث تغير عميق في موقف الشركات في جميع أنحاء أوروبا تجاه سياسة المناخ.
وقد خلص تحليل أجرته منظمة InfluenceMap غير الربحية ومقرها المملكة المتحدة إلى أن هذه السياسات تؤتي ثمارها.
واليوم تتبع 23 في المائة من الشركات في الاتحاد الأوروبي استراتيجيات من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق الأهداف المناخية.
وفي عام 2019 كانت هذه النسبة لا تزال عند 3 في المائة. وفي الوقت نفسه انخفضت نسبة الشركات المصنفة على أنها "غير صديقة للمناخ" من 34 في المائة إلى 14 في المائة.
سياسة المناخ في مصلحة العديد من الشركات
إن الهدف المتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول عام 2040 الذي دعت إليه الرسالة المفتوحة "من شأنه أن يمنحنا مسارا واضحا لتوسيع نطاق تدابيرنا واستثماراتنا من أجل التحول إلى نماذج أعمال أكثر استدامة وخفض انبعاثاتنا بسرعة". وفي نهاية المطاف فإن الخطر المناخي هو خطر اقتصادي ومالي، حسب الرسالة المفتوحة من مجموعة قادة الشركات.
وحسب تقرير الاستدامة الصادر عن شركة Deloitte الاستشارية، أفاد جميع المديرين الذين شملهم الاستطلاع في ألمانيا تقريبا أن شركاتهم قد تأثرت بالفعل سلبا بتغير المناخ في عام 2022.
وقال 50 في المائة منهم إن عملياتهم مثل الاضطرابات في نماذج الأعمال أو شبكات التوريد العالمية كانت مرتبطة مباشرة بأحداث تغير المناخ.
الأولوية للاستدامة في عملية اتخاذ القرارات
على الرغم من ذلك وجدت الوكالة الفيدرالية الألمانية للبيئة في استطلاع أجرته في عام 2021 أن نصف شركات مؤشر داكس الألماني فقط هي التي أبلغت عن المخاطر الاقتصادية لأزمة المناخ.
يُظهر أحدث استطلاع لشركة ديلويت من عام 2024 أن غالبية المديرين التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع والذين يزيد عددهم عن 2,000 مدير تنفيذي من 27 دولة حول العالم يعطون الأولوية الآن للاستدامة في عملية اتخاذ القرارات. وذكر 85 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أنهم سيزيدون استثماراتهم في هذا المجال، مقارنة بنسبة 75 في المائة في العام الماضي.
ومع ذلك فإن أولئك الذين يدعون إلى حماية أقل طموحا للمناخ بحلول عام 2040 يتحدثون أيضا في بروكسل. وتشمل هذه الشركات بشكل رئيسي شركات الصناعات الثقيلة الأوروبية والصناعات الكيميائية الألمانية واتحاد الصناعات الألمانية وصناعة الأسمنت الأوروبية وشركات النفط والغاز.
لن يؤثر التحول المتأخر في الاقتصاد على الشركات فحسب، بل سيكلف دافعي الضرائب مبالغ طائلة في ضوء الأضرار الناجمة عن أزمة المناخ.
وتظهر دراسة أجراها خبراء في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ أنه حتى لو تم تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير عما هي عليه اليوم، فإن نصيب الفرد من الدخل العالمي سيتقلص بنسبة 19 في المائة بحلول عام 2050. وهذا يعادل حوالي 38 تريليون دولار سنويا أي حوالي ستة أضعاف التكلفة المقدرة لتدابير حماية المناخ.
فصل النمو عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
وفي الوقت نفسه يجري فصل النمو عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم. ففي الفترة من 2015 إلى 2022 نما الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 22 في المائة، بينما زادت الانبعاثات بنسبة 7 في المائة فقط. وزادت أكثر من 40 دولة من ناتجها المحلي الإجمالي وخفضت الانبعاثات في نفس الوقت. هذا حسب دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والأمم المتحدة في عام 2025. وقد استمر هذا التطور في النمو بوتيرة متسارعة منذ التسعينيات.
وتقول الدراسة إن الاستثمارات في الطاقة النظيفة أصبحت الآن ضعف الاستثمارات في الوقود الأحفوري وتوفر حلولا مناخية ميسورة التكلفة وابتكارات ووظائف ونموا.
ونمت أسواق الطاقة النظيفة بسرعة، أولا من خلال السياسات ثم من خلال طلب السوق. واليوم تبلغ نسبة 87 في المائة من الاقتصاد العالمي أهدافا صافية صفرية. واتخذت الحكومات وكذلك المناطق والمدن والشركات تدابير للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وفي الوقت نفسه يتضاءل حاليا زخم حماية المناخ. ويقول المؤلفون: "إن السياسات غير الواضحة تخاطر بتأخير الاستثمار الخاص والتسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.75 في المائة في وقت مبكر من عام 2030".
وفي العام الماضي أوصت المفوضية الأوروبية بخفض الانبعاثات بنسبة 90 في المائة على الأقل بحلول عام 20240 مقارنة بمستويات عام 1990. ومن المتوقع صدور الاقتراح التشريعي المقابل قبل العطلة الصيفية.
ومع ذلك لا يزال يتعين التفاوض عليه من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي. وقد أعرب بعض أعضاء البرلمان الأوروبي عن مخاوفهم من أن الهدف المقترح قد يكون طموحا للغاية. ويبدو أن نسبة متزايدة من مجتمع الأعمال ترى الأمور بشكل مختلف.
أعده للعربية: م.أ.م