سياسة اللجوء بعد 10 سنوات على عبارة ميركل "نستطيع فعل ذلك!"
٢٦ أغسطس ٢٠٢٥عندما قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قبل عشر سنوات عبارتها الشهيرة، وسيية السمعة لدى البعض" نستطيع فعل ذلك!"، كان لتلك العبارة تداعيات وخيمة ليس على ألمانيا وحدها، بل على أوروبا أيضًا.
وهذه العبارة تبعها في بداية أيلول/سبتمبر 2015 قرار ميركل عدم إيقاف الشرطة اللاجئين على الحدود. ونتيجة لذلك قدّم أكثر من مليون شخص طلبات لجوء في ألمانيا بين عامي 2015 و2016.
وارتفع في ذلك الوقت عدد طالبي وطالبات اللجوء بسرعة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2015، سجّلت وكالة الإحصاء الأوروبية "يوروستات" أكثر من مليون ومائتي ألف طلب لجوء، وفي عام 2016 أكثر من مليون ونصف مليون. وفي الأعوام التالية، ظلّ عدد الطلبات - باستثناء عام 2020 - أعلى من مستواه خلال الأعوام قبل عام 2015. وحاليًا تنخفض الأعداد بعد ارتفاع جديد إلى أكثر من مليون طلب أولي في عام 2023. وبعدما كانت ألمانيا الوجهة الرئيسية لطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي، تجاوزتها فرنسا لأول مرة في عام 2025، بحسب تقارير إعلامية.
الهجرة - من أهم القضايا بالنسبة للناخبين الأوروبيين
وهذه التطورات لم تمر من دون تأثير على أوروبا. ففي الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة في عام 2024، اعتبر بحسب يوروستات 24 بالمائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم أنَّ الهجرة قضية أساسية يجب مناقشتها كأولوية.
ولعبت هذه القضية دورًا بارزًا حتى في الانتخابات الوطنية، خاصة في الدول الأعضاء التي فاز فيها حزب شعبوي يميني في الانتخابات خلال السنوات الأخيرة، مثل النمسا وهولندا.
وفي هذا الصدد قالت أنوك برونك، من معهد كلينغندايل الهولندي، لـDW إنَّ الحملة الانتخابية الهولندية الأخيرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 شهدت "تركيزًا مهووسًا" على قضية الهجرة.
وتضيف أنَّ الهجرة تم تصويرها في ذلك الوقت باعتبارها سبب المشاكل في البلاد، مثل أزمة السكن، والأنظمة الاجتماعية المثقلة أو المشاكل في نظامي التعليم والرعاية الصحية. وحاليًا، تلاحظ أنوك برونك أنَّ الناس يبتعدون عن ذلك ويحاولون معالجة هذه المشاكل وعدم جعل الهجرة كبش فداء لكل شيء.
وتتكرر الشكاوى ليس في ألمانيا وحدها، بل على المستوى الأوروبي أيضًا، من أنَّ الأنظمة مرهقة بطالبي اللجوء وغيرهم من اللاجئين. وهذا يؤدي في بعض الحالات إلى إجراءات صارمة، كما حدث مثلًا في بلجيكا، حيث لم تعد الدولة توفّر السكن لطالبي اللجوء الذكور منذ عام 2023.
هل أصبح الأوروبيون أكثر عداءً للهجرة؟
يوجد فرق بين الرأي العام والأهمية المُعطاة له، كما قالت لـDW الباحثة السياسة لينكا درازانوفا من المعهد الأوروبي العالي في فلورنسا. وأضافت أنَّ أهمية موضوع الهجرة ازدادت خلال العشر سنوات الماضية من خلال حضوره الكبير في وسائل الإعلام والسياسة.
ولكن - بحسب تعبيرها - لم يتغير شيء في الموقف الأساسي حول من يؤيد أو يعارض الهجرة في المجتمع. وما تغير منذ عام 2015 هو أنَّ الناس المعارضين للهجرة عبّروا عن رفضهم بشكل أقوى. وتذكر درازانوفا كسبب لهذا الموقف المعادي للهجرة، مشاعر التهديد - مثل الخوف من المجهول أو الخوف من فقدان العمل.
وتضيف أنَّ العدد المرتفع من طالبي اللجوء الواصلين إلى ألمانيا قد أثار مثل هذه المشاعر لدى بعض الأوروبيين - وخاصة في وسط وشرق أوروبا. وصار العدد الفعلي أقل أهمية من أهمية النقاش حول موضوع الهجرة نفسه.
تغير الخطاب حول الهجرة في أوروبا
وبالإضافة إلى ذلك لقد تغيّرت منذ عامي 2015 و2016 المعايير الاجتماعية والثقافة السياسية لطريقة مناقشة قضية الهجرة واللاجئين، بحسب الباحثة السياسية درازانوفا، وهذا يرتبط أيضًا بتطبيع الآراء اليمينية المتطرفة.
وكذلك ترى الخبيرة السياسية أنوك برونك تغييرًا في النقاش. وتقول إنَّ النقاش في فترة قول أنغيلا ميركل "نستطيع فعل ذلك!" كان يتعلق أكثر بـ"واجب المساعدة". أما اليوم فقد بات يُعرض النقاش حول الهجرة أكثر باعتباره خطرًا أمنيًا.
ويمكن - بحسب تعبيرها - رؤية ذلك مثلًا في ميثاق اللجوء والهجرة الجديد الخاص بالاتحاد الأوروبي. والمسألة الرئيسية في هذا الميثاق هي كيفية حماية الحدود والإسراع في ترحيل الأشخاص الذين ليس لديهم حق البقاء في الاتحاد الأوروبي، كما تقول الباحثة السياسة برونك، وترى أنَّ السبب لهذا التطور يكمن في العبء الكبير الذي تتحمله أنظمة اللجوء في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي يشدّد قواعد اللجوء - ويتعرّض لضغط من الدول الأعضاء
وفي ميثاق اللجوء والهجرة، المقرّر أن يدخل حيز التنفيذ في صيف عام 2026، تم تحديد إجراءات حدودية للاجئين القادمين من دول ذات معدل اعتراف منخفض. وكذلك يعمل الاتحاد الأوروبي حاليًا على قانون إعادة جديد. وحتى الآن كان يمكن - بحسب منظمة مساعدة اللاجئين "برو أزول" - ترحيل المهاجرين فقط إلى بلد تربطهم به صلة أو إذا وافقوا عليه. وهذا الشرط من المقرر إسقاطه إن استطاعت مفوضية الاتحاد الأوروبي.
وهذا يعتبر شرطًا لترحيل الأشخاص رغمًا عن إرادتهم إلى بلد توجد معه اتفاقية خاصة. ومن المقرر أيضًا إنشاء "مراكز عودة". وهذا يتعلق بأحد النماذج التي تتم مناقشتها في الاتحاد الأوروبي منذ بعض الوقت تحت عنوان "حلول مبتكرة".
وبعض الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي تضغط على الاتحاد من أجل تشديد قواعد اللجوء ، حيث اجتمعت في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في حزيران/يونيو 21 دولة من الدول الأعضاء الـ27 لوضع قواعد أكثر تشديدًا لسياسة اللجوء المشتركة. وقد لبى أول مرة أيضًا المستشار الألماني فريدريش ميرتس دعوة الدنمارك وهولندا وإيطاليا.
المزاج العام إزاء الهجرة واللجوء
وتتفق الخبيرتان على أنَّ الرأي العام حول الهجرة في أوروبا لا يمكن استنتاجه بشكل مباشر من النقاشات السياسية والتشريعات.
وحول ذلك تقول برونك إنَّ النقاشات داخل المجتمع أكثر تعقيدًا. وكان بالإمكان ملاحظة ذلك مثلًا في الاستعداد العام لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد أشارت الباحثة درازانوفا أيضًا في حوارها مع DW إلى أنَّ الرأي العام تجاه الهجرة معقد جدًا. ومن الممكن مثلًا أن يكون لدى الشخص نفسه موقف إيجابي تجاه المهاجرين الموجودين في البلاد، ولكنه يرفض سياسة الهجرة المفتوحة. ولكن بشكل عام تشير الدراسات إلى أنَّ الرأي العام في أوروبا تجاه المهاجرين قد تحسّن قليلًا في السنين الأخيرة.
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: عبده جميل المخلافي