سحب الاستثمارات.. هل يجبر إسرائيل على تغيير نهجها في غزة؟
٢٢ أغسطس ٢٠٢٥التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت بشكل لافت تجاه قرار النرويج في 11 آب/ أغسطس الماضي بسحب جزء من استثماراتها في عدة شركات إسرائيلية، وذلك بسبب مخاوف أخلاقية تتعلق بالحرب في قطاع غزة.
أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي، وهو الأكبر في العالم وتبلغ قيمته 2 تريليون دولار، أنه سيقوم بسحب استثماراته من 11 شركة مرتبطة بإسرائيل، وإنهاء العقود مع مديري الأصول العاملين في البلاد. وقد أطلق الصندوق مراجعة عاجلة بعد تقارير إعلامية أفادت بأنه استثمر في شركة تصنع أجزاء لمقاتلات عسكرية إسرائيلية.
في حين وصفت وسائل إعلام إسرائيلية خطوة النرويج بأنها "مقلقة للغاية" و"وذات دوافع سياسية". يعتقد بعض المحللين أن المسؤولين الإسرائيليين يتعمدون الحفاظ على مستوى منخفض من الردود خوفا من تقوية حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التي تنشط ضد إسرائيل منذ أكثر من عقدين.
انتصارات رمزية لحركة المقاطعة
حققت حركة المقاطعة (BDS) هذه، عدة انتصارات رمزية منذ تأسيسها في عام 2005، وذلك من خلال الضغط على المؤسسات والشركات والحكومات لقطع علاقاتها مع الكيانات الإسرائيلية المتورطة في احتلال الأراضي الفلسطينية.
تتهم إسرائيل والولايات المتحدة هذه الحركة، التي يقودها الفلسطينيون، بمعاداة السامية. وقد أصدر البرلمان الألماني (البوندستاغ)، قرارا في عام 2019 وأعاد تأكيده في عام 2024، اعتبر بموجبه حركة المقاطعة بأنها "معادية للسامية" ومنعها من الحصول على التمويل العام.
اكتسبت الحركة زخما جديدا بعد حرب غزة. وقد أدت هذه الحملة إلى انسحاب شركات كبيرة مثل AXA وScotiabank من إسرائيل، كما دفعت صناديق استثمارية مثل Samsung Next التابعة لعملاق التكنولوجيا الكوري الجنوبي، وسلسلة متاجر 7-Eleven إلى مغادرة السوق الإسرائيلية.
وشهدت حركة المقاطعة موجة من ردود الفعل الاستهلاكية، حيث تعرضت شركات مثل ماكدونالدز لمقاطعات شعبية منظمة من قبل الحركة. كما أصدرت عدة مدن وجامعات في الولايات المتحدة قرارات بقطع العلاقات مع شركات مرتبطة بإسرائيل، مدفوعة بحملات الحركة.
ورغم أن قرار النرويج بسحب الاستثمارات من المتوقع أن يكون له تأثير اقتصادي محدود على إسرائيل، إلا أن الاقتصادي بنيامين بنتال من جامعة حيفا الإسرائيلية حذر من أن هذه الخطوة قد تشكل سابقة خطيرة. وقال في حوار مع DW: "ترسل النرويج إشارة بشأن أنشطة الشركات الإسرائيلية التي لا توافق عليها، وقد تتبعها جهات أخرى". وأضاف: "إذا انهار السد وتحول الأمر إلى فيضان، فسيكون لذلك أهمية كبيرة جدا".
النرويج تراجع استثمارات أخرى في إسرائيل
كان لصندوق الثروة السيادي النرويجي، أسهم في 65 شركة إسرائيلية حتى نهاية عام 2024، بقيمة تقارب 1,95 مليار دولار. ولا يزال يمتلك حصصا في حوالي 50 شركة إسرائيلية.
وقال الصندوق، التابع للبنك المركزي النرويجي إنه يراجع هذه الاستثمارات لضمان الامتثال للقانون الدولي. ويخطط الآن لإدارة جميع المشاريع المرتبطة بإسرائيل داخليا، والحد من الاستثمارات المستقبلية لتشمل فقط الشركات المدرجة في مؤشر الأسهم الإسرائيلي.
وقد رحبت حركة المقاطعة بقرار النرويج وقالت إنه "انتصار أخلاقي كبير". وقد ضغط اتحاد العمال النرويجي، أحد أقوى المنظمات النقابية في البلاد، على الحكومة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة. وصوت أعضاء الاتحاد مؤخرا لصالح فرض مقاطعة اقتصادية كاملة على إسرائيل.
ويأتي إعلان النرويج في سياق سلسلة من قرارات سحب الاستثمارات في أوروبا. ففي نيسان/ أبريل من العام الماضي، سحب صندوق الاستثمار الاستراتيجي الإيرلندي (ISIF) استثماراته من ست شركات إسرائيلية. كما أقرت عدة مجالس محلية في المملكة المتحدة قرارات تلزم صناديق التقاعد التابعة لها بإنهاء استثماراتها في الشركات المرتبطة بإسرائيل.
وترتبط العديد من هذه القرارات بمشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وتعتبر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المستوطنات في تلك المناطق مخالفة للقانون الدولي. وقد أعلنت إسرائيل مؤخرًا عن أكبر توسع في المستوطنات في الضفة الغربية منذ عقود، حيث صرح وزير الدفاع الإسرائيلي،يسرائيل كاتس، بأنهذه الخطوة "تمنع قيام دولة فلسطينية".
المقاطعة "لا شيء" مقارنة برسوم ترامب على إسرائيل!
يعتقد داني بحار، الباحث في مركز التنمية العالمية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، أن تأثير المقاطعات وسحب الاستثمارات على نمو إسرائيل وقدرتها على خوض الحرب لا يزال محدودا.
وقال بحار في حوار مع DW: "لم تحدث المقاطعات وسحب الاستثمارات على نطاق يمكن أن يؤثر فعليا على الاقتصاد الإسرائيلي". وأضاف: "إنها لا تقارن بالتعرفة الجمركية التي فرضها ترامب على إسرائيل"، والتي وصفها بأنها "أسوأ مقاطعة" تعرضت لها إسرائيل على الإطلاق.
وفي نيسان/ أبريل الماضي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة ستخضع لتعرفة جمركية بنسبة 17 بالمئة، رغم أن إسرائيل ألغت جميع التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية. وقد تم لاحقًا تخفيض النسبة إلى 15 بالمئة.
في إشارة إلى بيع الأصول من قبل النرويج، يرى بحار أن مشهد الاستثمار الأوسع في إسرائيل لا يزال قويا، وأن قوى السوق ستتغلب على هذا القرار. وقال: "سيشتري شخص آخر هذه الاستثمارات لأنها شركات جيدة. لدى إسرائيل الكثير لتقدمه للعالم من حيث المعرفة والمنتجات، والمستثمرون يعرفون ذلك".
ورغم تردد بعض المستثمرين بسبب التوترات الجيوسياسية وحملات حركة المقاطعة، فقد شهدت الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل انتعاشا كبيرا بعد الركود في عام 2023. ووفقا لبنك إسرائيل، بلغ حجم صافي الاستثمارات من غير المقيمين في عام 2024 حوالي 27 مليار دولار، مقارنة بـ 8 مليارات دولار فقط في عام 2023.
إسرائيل تواجه خطر زيادة العقوبات
تُبرز هذه المرونة الأسس الاقتصادية القوية لإسرائيل وارتباطها العميق بالأسواق العالمية. ومع ذلك، فإن الضغوط الدولية المتزايدة، والتي تجسدت في قرار النرويج الأخير، تشير إلى تصاعد الدعوات لمحاسبة إسرائيل على أفعالهافي غزة والضفة الغربية من خلال فرض عقوبات محددة.
في عامه الأخير في المنصب، فرض الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عقوبات على 19 مستوطنا إسرائيليا وثماني جهات بسبب أعمال عنف في الضفة الغربية، وهي عقوبات ألغيت لاحقا من قبل دونالد ترامب في كانون الثاني/ يناير إثر عودته إلى البيت الأبيض.
وقد أصدرت أكثر من 30 ولاية أمريكية، بما في ذلك تكساس وفلوريدا، قوانين مناهضة لحركة المقاطعة، تمنع الوكالات الحكومية من التعامل مع جهات تقاطع إسرائيل.
كما فرضت المملكة المتحدة وفرنسا وكندا قيودا على مستوطنين إسرائيليين متهمين بأعمال عنف، بما في ذلك حظر السفر وتجميد الأصول. أما الاتحاد الأوروبي، فقد أدرج جماعات إسرائيلية يمينية متطرفة على القائمة السوداء بسبب تورطها في هجمات ضد فلسطينيين. وفي الوقت نفسه، قامت واشنطن بحظر الوصول إلى الممتلكات والتمويل للأفراد المرتبطين بالاضطرابات.
كما فرضت تسع دول أخرى، من بينها جنوب أفريقيا وبوليفيا وماليزيا، عقوبات اقتصادية كاملة على إسرائيل. وتشمل هذه الخطوات حظر بيع الأسلحة ووقف شحنات الوقود التي يمكن استخدامها من قبل الجيش الإسرائيلي.
وأعلنت ألمانيا التي تعد من أقرب حلفاء إسرائيل، هذا الشهر عن وقف جميع الصادرات العسكرية التي يمكن استخدامها في قطاع غزة "حتى إشعار آخر"، مشيرة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
هل يمكن للعقوبات أن تجبر إسرائيل على التنازل؟
يفكر الاتحاد الأوروبي أيضا في الحد من وصول إسرائيل إلى صندوق الأبحاث الأوروبي "هورايزن أوروبا" الذي تبلغ قيمته 95 مليار يورو، وذلك بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في غزة. ومع ذلك، فإن الخطة متوقفة حاليا بسبب غياب التوافق، حيث تدعو فرنسا وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا إلى اتخاذ إجراءات أقوى، بينما تعارض ألمانيا وإيطاليا وهنغاريا فرض العقوبات.
وحذّر الباحث الاقتصادي في جامعة حيفا، بنيامين بنتال، من أن العقوبات الأوروبية "ستؤثر بشكل جدي على قدرة الشركات الإسرائيلية على العمل". إذ يذهب ما يقرب من ثلث صادرات إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي، والذي يساهم بنحو 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، حسب قوله.
وقد عبر داني بحار أيضا عن قلقه، لكنه أشار إلى الدور الكبير الذي تلعبه إسرائيل في الابتكار والتجارة العالمية كسبب في أن أي ضغط إضافي من المجتمع الدولي قد يكون تأثيره محدودا. وقال لـ DW: "بغض النظر عن رأيك في إسرائيل والحرب، فإن البلاد تتمتع بمهارات عالية في مجال الهندسة والتطوير. الاقتصاد الإسرائيلي متداخل جدا مع الاقتصاد العالمي، ومن الصعب فصله عنه".
أعده للعربية: عارف جابو