سجن سيليفري التركي.. صورة أخرى لـ"صيدنايا" في إسطنبول؟
٦ أبريل ٢٠٢٥
"مستقبل تركيا السياسي ينمو في زنازين هذا السجن"، كما قال جميل توغاي، رئيس بلدية مدينة إزمير في غرب تركيا، بعد زيارته لسجن سيليفري في بداية هذا الأسبوع أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول المسجون وسجناء سياسيين آخرين.
وهذا السجن يعرف رسميًا باسم سجن مرمرة، ويقع في بلدية سيليفري بمنطقة تراقية على بعد نحو 70 كيلومترًا عن مركز مدينة إسطنبول.
وافتتح هذا السجن في عام 2008 وكان مصممًا في الأصل ليكون أكبر سجن في تركيا وتطور مع مرور السنين ليصبح أكبر سجن شديد الحراسة في أوروبا. وتصفه منظمات حقوق الإنسان بأنَّه "معسكر اعتقال" للمعارضين ومنتقدي النظام والأكراد.
ويمتد هذا السجن بحسب المعلومات الرسمية على مساحة تزيد عن كيلومتر مربع ويضم عشرة مجمعات احتجاز ومستشفى وعددًا من قاعات المحاكم. وتوجد فيه بالإضافة إلى ذلك 500 وحدة سكنية ومدرسة ابتدائية وروضة أطفال ومركز تسوق ومرافق أخرى للموظفين. وكان مصممًا في الأصل لاستيعاب 11 ألف سجين ولكنه كان يأوي مؤقتًا بحسب لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي ما يصل إلى 23 ألف سجين مع نهاية عام 2019، ما يشير إلى اكتظاظ هائل.
وسجن سيليفري تحول إلى رمز للقمع في تركيا، خاصةً منذ زيادة أعداد المعتقلين السياسيين فيه. ساهم حجم السجن وتنوع السجناء المسجونين فيه - من زعماء مافيا وحتى كبار السياسيين المعارضين - في لعبه دور مهم في السياسة التركية.
سيليفري: سجن في بؤرة الانتقادات
وتشتهر بلدية سيليفري تقليديًا بأراضيها الخصبة وحقول عباد الشمس الشاسعة، وقد كانت تجذب لفترة طويلة السياح من إسطنبول بشكل خاص، وذلك بفضل ساحلها الخلاب الممتد على طول 30 كيلومترًا وأجوائها الليبرالية، غير أنَّ صورة هذه المدينة تغير بشكل جذري منذ بناء السجن في عام 2008.
ونتيجة لاعتقال الكثير من منتقدي الحكومة والمعارضين والمثقفين المعروفين فيه فقد أصبح سجن سيليفري في بؤرة الاهتمام المحلي والدولي. وكذلك أدى اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مؤخرًا إلى تفاقم الوضع المتوتر أصلًا وأعاد سجن سيليفري إلى عناوين الأخبار.
ولكنه ليس السجين البارز الوحيد هناك: فحتى الناشط الحقوقي والراعي الثقافي المعترف به دوليًا عثمان كافالا موجود أيضًا في سيليفري منذ عام 2017. وقد حُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب ضمن سياق احتجاجات حديقة غيزي.
ومن بين نزلائه البارزين الآخرين حاليًا كل من رئيس حزب النصر الشعبوي اليميني أوميت أوزداغ، والنائب البرلماني جان أتالاي من حزب العمال التركي، ورئيس غرفة إسطنبول العمرانية المعروف تايفون كهرمان، والمخرجة السينمائية تشيديم ماتر، ومديرة أعمال الفنانة عائشة باريم.
وكذلك كان في سجن سيليفري في الماضي مواطنون أجانب مثل الناشط الحقوقي الألماني بيتر شتويدنر، و صحفي صحيفة "فيلت" دينز يوجيل.
وقد مكث في هذا السجن أيضًا ولمدة عشرة أشهر مرشدٌ اجتماعي من مدينة كولونيا الألمانية اسمه عادل دميرجي؛ كتب كتابًا حول تجربته في هذا السجن بعنوان "زنزانة B-28". ووصف في حوار مع DW أجواء القمع داخل السجن بقوله: "سُجنت في البداية داخل زنزانة انفرادية في المبنى رقم 9، وكنت أستطيع الحديث مع السجناء المجاورين فقط من خلال القضبان. وكانت هذه الطريقة الوحيدة". وبعد ذلك نقلوه إلى زنزانة لثلاثة أشخاص مع سجينين آخرين.
والمبنى رقم 9 في سجن سيليفري معروف بأنَّ المسجونين فيه معتقلون سياسيون فقط، كما ذكرت جمعية المجتمع المدني التركية في نظام السجون (CISST).
وفي عام 2022، طالب سكان منطقة سيليفري ورئيس بلديتهم بتغيير اسم السجن، وذلك لأنَّ اسم سيليفري لم يعد يرتبط إلا بالسجن وليس بساحل سيليفري أو بمنطقتهم. ومنذ ذلك الحين أصبح السجن يسمى رسميًا "سجن مرمرة".
العزل: شكل من أشكال التعذيب
تعمل سبنم كورور فينكانجي كرئيسة مؤسسة حقوق الإنسان التركية وهي حائزة على جائزة السلام من ولاية هيسن الألمانية؛ وقد أعربت عن قلقها العميق من الظروف السائدة في السجون التركية شديدة الحراسة مثل سجن سيليفري. ووصفت الوضع هناك بأنَّه مثير للقلق، مشيرة إلى أنَّ قسمًا كبيرًا من السجناء يعزلون في زنزاناتهم من دون أي اتصال مع السجناء الآخرين. وهذا العزل يشكل بحسب سبنم كورور فينكانجي شكلًا من أشكال التعذيب، وذلك لأنَّهم يُحرمون أيضًا من التواصل الاجتماعي الأساسي.
وبحسب هذه الطبيبة الشرعية المعروفة فقد تحدث الكثير من السجناء عن وجود زنازين لا يصلها ضوء شمس تقريبًا بسبب الجدران العالية والكتل الخرسانية الضخمة، ونادرًا ما تتم تدفئتها في أيام الشتاء الباردة؛ "هذه الظروف تزيد كثيرًا من تفاقم وضع السجناء الصعب أصلًا"، كما تقول سبنم كورور فينكانجي.
والسجون التركية مكتظة جدًا، بحسب جمعية المجتمع المدني التركي في نظام السجون: في عام 2022 كان يوجد أكثر من 300 ألف سجين في 265 سجنًا تركيًا مغلقًا - وهذا العدد غير موجود داخل أوروبا إلا في روسيا؛ وهو وضع مثير للقلق.
وتشير سبنم كورور فينكانجي إلى أنَّ العديد من السجون التركية كانت مكتظة أصلًا بنسبة 30 بالمائة فوق طاقتها قبل موجات الاعتقالات الأخيرة، وأنَّ هذا الرقم ارتفع الآن أكثر. وتضيف أنَّ هذا الاكتظاظ يؤدي إلى مشكلات خطيرة مثل نقص إمدادات المياه والأدوية وسوء التغذية وظروف صحية سيئة ونقص حاد في أماكن النوم "مما يضطر السجناء أحيانًا إلى النوم بالتناوب"، كما تقول الناشطة الحقوقة سبنم كورور فينكانجي.
خلط المعارضين السياسيين المتناقضين
وأثبتت مؤسسة حقوق الإنسان التركية وجود اتجاه مثير للقلق: إذ يتحدث المحامون وبشكل متزايد حول وضع موكليهم وبشكل مقصود في سجون مع سجناء من معسكرات سياسية متناقضة. ترسم سبنم كورور فينكانسي مقارنة مثيرة للقلق بين الظروف التي سادت خلال الانقلاب العسكري في ثمانينيات القرن العشرين.
وتقول إنَّ هذه الممارسة تؤدي إلى خلق عبء إضافي على السجناء. وتشرح من خلال مثال سجن سيليفري حيث يتم وضع السجناء السياسيين الليبراليين اليساريين هناك عن قصد مع السجناء الإسلامويين المتطرفين. وبذلك لا يتعرض السجناء للضغط والقمع من قبل موظفي السجن فقط، بل يصبحون أيضًا عرضة للتوتر والمضايقات المستمرة من قبل مجموعات السجناء المعادية. وتضيف أنَّ هذا الخلط المتعمد للمعارضين السياسيين يخلق مناخًا من الخوف وعدم الثقة داخل السجن ويزيد كثيرًا من تفاقم وضع السجناء الصعب أصلًا.
أعده للعربية: رائد الباش