زلزال متوسط ودمار كبير .. لماذا تفاقمت الكارثة في أفغانستان؟
٣ سبتمبر ٢٠٢٥يعد ما يُعرف بـ"مقياس ريختر" مهما للعلم، حيث يُحدد قوة الزلزال الفيزيائية بناء على أقصى حركة للأرض. وبهذه الطريقة يمكن مقارنة الطاقة المنطلقة بشكل موضوعي. لكن هذا المقياس وحده لا يعطي فكرة كافية عن الأضرار الفعلية في الموقع، لأنها تعتمد أيضا على عمق الزلزال والظروف المحلية.
لماذا كان الزلزال مدمرًا إلى هذا الحد؟
بلغت قوة آخر زلزال ضرب مقاطعتي كونار ونانغارهار في أفغانستان 6.0 درجات على مقياس ريختر وهي ليست قوة شديدة، لكن ثلاثة عوامل أخرى تسببت في حدوث دمار: عمق الزلزال الضحل وتركيبة التربة واستخدام مواد بناء بسيطة غالبا بالإضافة إلى طرق البناء غير السليمة.
عمق ضحل لمركز الزلزال
وقع الزلزال الحالي على عمق ثمانية كيلومترات فقط وتعتبر مثل هذه "الزلازل الضحلة" التي تحدث على عمق أقل من 70 كيلومترا خطيرة بشكل خاص، لأن الطاقة تصل إلى السطح بشكل مباشر وفوري. وهذا يؤدي إلى حدوث حركات أرضية قصوى ويزيد بشكل كبير من احتمالية تدمير المباني والبنية التحتية.
تزداد احتمالية حدوث أضرار جسيمة في مناطق الاندساس عندما تكون بؤر الزلازل قريبة من السطح. مناطق الاندساس هي مناطق جيولوجية يتم فيها دفع صفيحة تكتونية تحت صفيحة أخرى، مما يؤدي غالبا إلى حدوث زلازل قوية ونشاط بركاني.
على الرغم من أن أفغانستان لا تقع مباشرة في منطقة اندساس محيطية من هذا النوع، إلا أنها تقع في منطقة معقدة من حيث التصادم والتشوه، حيث تغوص بقايا قديمة من الصفيحة الهندية ببطء في عمق منطقة الوشاح بباطن الأرض تحت جبال هندوكوش، مما يؤدي إلى حدوث زلازل شديدة.
تركيبة التربة
في العديد من مناطق أفغانستان تكون التربة رخوة أو تتسم بوجود رواسب وطبقات طينية. يمكن أن تتحول التربة الطينية الرخوة المشبعة بالماء أو التربة الرملية إلى "سائلة" عند وقوع زلزال، فهي تفقد صلابتها وتغوص. وهذا يمكن أن يؤدي إلى انزلاق مبانٍ بأكملها وإحداث أضرار إضافية. تزداد الرطوبة بشكل خاص بعد هطول أمطار غزيرة، مما يقلل من استقرار المباني بشكل أكبر.
طريقة البناء وهيكل المبنى
غالبا ما تُبنى المنازل الأفغانية من الطين والحجر والطوب غير المُحرق وعادة ما تكون بدون هياكل داعمة معدنية أو أساسات خرسانية تعتبر طريقة البناء هذه معرضة بشكل خاص لخطر الزلازل لأن الجدران لا تتحمل الاهتزازات ويمكن أن تنهار عند أدنى اهتزاز.
في المناطق الريفية لا توجد أي لوائح بناء أو هياكل مقاومة للزلازل. وفي المراكز الحضرية يتم بناء المنازل المبنية من الطوب دون دعامات فولاذية. وحسب التقديرات العلمية من المتوقع حدوث أضرار جسيمة حتى في حالة الزلازل المتوسطة.
مطلب قديم بإجراء أبحاث جديدة في أفغانستان
وحسب خبراء المركز الألماني لأبحاث الجيولوجيا في بوتسدام، فإن الزلزال المدمر الذي ضرب هرات في أفغانستان عام 2023 قد أكد "الحاجة الملحة لإجراء دراسة علمية شاملة للمنطقة".
لقد اختفت أفغانستان إلى حد كبير من الوعي العام في السنوات الأخيرة. كما أن الاضطرابات التي استمرت لعقود في البلاد وحكم حركة طالبان يزيدان من صعوبة العمل العلمي في الموقع.
وقد صرح مركز الأبحاث الجيولوجية الألماني بعد الزلزال الذي ضرب هرات: "لا يوجد سوى عدد محدود من محطات رصد الزلازل، ولا توجد أي قياسات إضافية بالأقمار الصناعية في الطرف الغربي من صدع هرات". وأكد المركز أن "هذا يمثل تحديا كبيرا لمعرفة نماذج هذه الزلازل الأفغانية بدقة واستخلاص استنتاجات موثوقة".
متى نشعر بالزلازل، ومتى تصبح خطيرة؟
بالإضافة إلى قيمتها على مقياس ريختر تعتمد خطورة الزلزال بشكل حاسم على مدى مقاومة المباني للزلازل وعلى طبيعة التربة.
للمقارنة: لا يبدأ الناس في الشعور بالاهتزازات في المناطق المأهولة إلا عند بلوغ الزلزال قوة 3.5 درجة، حيث يلاحظون اهتزازات وحركات خفيفة. عند بلوغ الزلزال قوة 5 درجات تهتز قطع الأثاث والأشياء غير المثبتة. تظهر شقوق واضحة في جدران المباني سيئة البناء أو تسقط الحجارة غير المثبتة.
واعتبارا من قوة 6 درجات تنهار العديد من المنازل سيئة البناء، ويمكن أن تنهار الجسور ويصاب الناس بجروح أو يتعرضون لإصابات جراء سقوط الأجسام. واعتبارا من قوة 7 درجات، تنهار المباني الأكثر متانة ويمكن أن تدمر أحياء كاملة. واعتبارا من قوة 8 درجات، يكون الدمار هائلا ويمكن توقع سقوط الكثير من القتلى على بعد مئات الكيلومترات من مركز الزلزال.
أعده للعربية: م.أ.م/ تحرير: صلاح شرارة