رغم مذكرة الاعتقال بحقه من لاهاي ـ ميرتس يريد دعوة نتنياهو!
٤ مارس ٢٠٢٥كان رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس مبتهجًا بعد فوزه في الانتخابات الاتحادية وحديثه إلى الصحفيين في مقر حزبه ببرلين.
وعلى الأرجح سيتولى ميرتس منصب المستشار، وربما مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، حزب المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، كشريك في الائتلاف. وولذلك فقد تلقى ميرتس العديد من التهاني بعد تأكيد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية المبكرة. .
ميرتس: "سنجد الوسيلة والسبل"
وكان من بين المهنئين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وذكر ميرتس أنَّ نتنياهو اتصل به وأجرى معه مكالمة هاتفية طويلة. وبعد ذلك قال جملة تثير منذ ذلك الحين ضجة في ألمانيا: في حال كان نتنياهو يخطط لزيارة ألمانيا "فقد تعهدت إليه أيضًا بأنَّنا سنجد الوسائل والسبل، التي تضمن له تمكنه من زيارة ألمانيا ومغادرتها من دون أن يُعتقل". وأضاف: "أرى أنه تصور بعيد تمامًا عن الواقع أن رئيس وزراء إسرائيلي لا يمكنه زيارة جمهورية ألمانيا الاتحادية."
يجب تنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة
ولذلك فقد أعرب ممثلو الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان الألماني (بوندستاغ) عن غضبهم. لأنَّ المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي الهولندية أصدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وكذلك بحق وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت وقياديين في حركة حماس الإسلامية (قتل الاثنان). والتهمة الموجهة إليهم جميعًا: توجد أسباب كافية للاعتقاد بأنَّهم مشاركون في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب من خلال الحرب في قطاع غزة.
نيلس شميد: "قرارات المحكمة سارية من دون استثناء"
وعن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يستعد لتشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميرتس، قال خبير السياسة الخارجية نيلس شميد حول المحكمة الجنائية الدولية: "نحن نحترم إجراءاتها وقرارات هيئاتها. وهي سارية من دون استثناء".
ولكن نيلس شميد قال لوكالة رويترز للأنباء إنَّ الدبلوماسية الذكية تتطلب أن تجد الحكومة "الوسائل والسبل المناسبة للحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة الإسرائيلية في المستقبل أيضًا". وبعبارة أخرى أنَّ: اللقاءات يجب أن تُعقد في مكان آخر، وليس في ألمانيا.
ألمانيا من الدول أعضاء المحكمة الدولية
من المعروف أنَّ جمهورية ألمانيا الاتحادية من أكبر الداعمين للمحكمة الجنائية الدولية، التي بدأت عملها في تموز/يوليو 2002 وتضم في عضويتها 125 دولة. بيد أنَّ الدول المهمة عالميًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ليست من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية؛ وكذلك الحال مع إسرائيل أيضًا.
والمهم في القضية الحالية أنَّ المحكمة لا توجد لديها أية إمكانية لتنفيذ أوامر الاعتقال بنفسها. ولكن الدول الأعضاء - بما فيها ألمانيا - ملزمة رسميًا باعتقال المطلوبين في حال تواجدهم فوق أراضيها. وهذا يعني إذا جاء نتنياهو إلى ألمانيا، فيجب اعتقاله. ولم يحدد ميرتس ما هي "الوسائل والسبل" الممكنة لتجنب مثل هذا الاعتقال.
الحكومة الإسرائيلية: "قرار فاضح"
وعلى أية حال لقد استغل نتنياهو المكالمة الودية مع ميرتس من أجل توضيح وجهة نظره: فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنَّ دعوة ميرتس جاءت "في تجاهل صريح للقرار الفاضح الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بتصنيف رئيس الوزراء كمجرم حرب".
الحكومة القديمة كانت أقل حدة في لهجتها
وفي الأشهر الأخيرة، حاولت الحكومة الحالية التحايل على هذه القضية الحساسة بطريقة أنيقة. فبعد الإعلان عن مذكرات الاعتقال في تشرين الثاني/نوفمبر، تحدث المتحدث باسم المستشار أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، شتيفن هيبشترايت، بصراحة عن المعضلة الألمانية: "من ناحية، لدينا أهمية المحكمة الجنائية الدولية، التي ندعمها بقوة. ومن ناحية أخرى، لدينا مسؤولية تاريخية. وقد أميل إلى القول إنَّني أجد صعوبة في تصور أننا سنقوم باعتقالات في ألمانيا على هذا الأساس".
آخر زيارة لنتنياهو إلى برلين قبل نحو عامين
فحتى من دون أي أساس قانوني، يوجد في ألمانيا ما يعرف باسم المصلحة الوطنية العليا، التي تعني دفاع ألمانيا عن حق إسرائيل في الوجود في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن. ولكن هل ينطبق هذا على رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي أيضًا؟. من الواضح أنَّ حكومة المستشار أولاف شولتس كانت سعيدة لأنَّ زيارة نتنياهو إلى ألمانيا لم تكن وما تزال غير متوقعة.
وفي الحقيقة، لقد زار رئيس الحكومة الإسرائيلية برلين آخر مرة لإجراء محادثات سياسية في آذار/مارس 2023، أي قبل ستة أشهر من هجوم حماس الدموي على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ويشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
علاقات ثنائية متنوعة
وعادة ما تجري ألمانيا مع إسرائيل (ومع نحو عشر دول أخرى) ما يعرف باسم مشاورات حكومية، أي اجتماعات لكلتا حكومتي البلدين، بهدف تسليط الضوء على العلاقات الثنائية المتميزة. وقد انعقد مثل هذا الاجتماع أول مرة في القدس عام 2008، وذلك في عهد المستشارة أنغيلا ميركل (الحزب الديمقراطي المسيحي)، والاجتماع الأخير في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
"تشكيك في فصل السلطات"
وفي مدونته، أوضح خبير القانون الدولي الشهير كاي أمبوس من جامعة غوتنغن أنَّ الحكومة لن يكون لديها أي مجال في حال مجيء نتنياهو إلى ألمانيا. وأضاف أنَّ القضاء والسلطات الألمانية ملزمة بتسليم الشخص المطلوب بموجب مذكرة اعتقال، وهذه مسألة تخص القضاء وليس السياسة.
و"إذا زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ألمانيا، فإنَّ هذا لن يؤدي إلى إثارة صراع غير ضروري مع المحكمة الجنائية الدولية فقط، بل سيؤدي كذلك إلى التشكيك في فصل السلطات داخل ألمانيا. وذلك لأنَّ منع اعتقال نتنياهو، يحتاج تدخل السلطة التنفيذية - على المستوى الاتحادي ومستوى الولايات - بشكل كبير في إجراءات الاعتقال والنقل الموصوفة أعلاه وبالتالي التدخل في استقلال القضاء".
دعوة علنية من أوربان إلى نتنياهو
ربما قال ميرتس جملته هذه من دون مبالاة خلال فرحته بفوزه في الانتخابات؟. وحتى خلال الحملة الانتخابية، أكد ميرتس مرارًا وتكرارًا على أنَّه إذا أصبح مستشارًا فلن يتم اعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية في ألمانيا. وبعد صدور مذكرة الاعتقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تحدّث رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بطريقة مشابهة من خلال توجيهه دعوة علنية لنتنياهو.
أعده للعربية: رائد الباش