حزب البديل وحماية الدستور.. الحياد السياسي في ألمانيا!
١١ مايو ٢٠٢٥"توصلنا إلى قناعة بأنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا لديه مساع يمينية متطرفة مؤكدة. وهذا الاستنتاج يستند إلى تحقيق دقيق للغاية أعده خبراء في فترة تشمل نحو ثلاثة أعوام".
هذا التبرير مقتبس من البيان الصحفي الصادر عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV) في 2 أيار/مايو 2025، والذي يعود إلى سينان سيلين وزيلكه فيليمز، نائبي رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني، المعروف باسم "المكتب الاتحادي لحماية الدستور".
وتجدر الإشارة إلى أنَّ منصب رئاسة المكتب الاتحادي لحماية الدستور شاغر منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وذلك بعد إعفاء رئيسه توماس هالدينفانغ من قبل وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر. وكان السبب إعلان أعلى مسؤول في هيئة حماية الدستور، ترشحه للبرلمان الاتحادي (بوندستاغ).
توماس هالدينفانغ ومبدأ الحياد
وهذا يعني أنَّ هالدينفانغ، عضو الحزب المسيحي الديمقراطي، قد دخل المعترك السياسي. وهذه الطموحات الواضحة لا تتوافق مع مبدأ الحياد، الذي يجب أن يلتزم به أي مسؤول كبير يعمل في أحد أجهزة أمن الدولة. لذلك تم اعفاءه من منصبه ، ولكن مع ذلك فقد اتهم حزب البديل من أجل ألمانيا دائمًا هالدينفانغ والجهاز كله بالعمل بدوافع سياسية.
بمجرد ما تم تصنيف حزبهما "كحزب يميني متطرف بالتأكيد" رفع زعيما حزب البديل أليس فايدل وتينو شروبالا دعوى قضائية لدى المحكمة الإداريةفي مدينة كولونيا. وبررا هذه الدعوى القضائية بأنَّها إشارة واضحة ضد إساءة استخدام سلطة الدولة من أجل محاربة المعارضة وإقصائها.
من جهته علل المكتب الاتحادي لحماية الدستور هذا التصنيف بأنَّ "الفهم السائد للشعب في حزب البديل، القائم على العرق والأصل، لا يتوافق مع النظام الأساسي الديمقراطي الحر". فحزب البديل من أجل ألمانيا ينظر مثلًا إلى المواطنين الألمان ذوي الأصول المهاجرة المنحدرين من بلدان ذات أغلبية مسلمة على أنَّهم "أعضاء غير متساوين من الشعب الألماني، الذي يعرّفه الحزب عرقيًا".
حزب البديل يصف هيئة حماية الدستور بأنَّها "سلطة مُستغلة سياسيًا"
في الانتخابات البرلمانية في 23 شباط/فبراير، تمكّن حزب البديل من مضاعفة نتيجته إلى نحو 21 بالمائة وأصبح الآن أقوى كتلة برلمانية معارضة. وعلى هذه الخلفية ترى قيادة حزب البديل تصنيف المكتب الاتحادي لحماية الدستور، مناورة مقصودة من قبل وزيرة الداخلية المنتهية ولايتها نانسي فيزر.
وقد وجه زعيما حزب البديل، فايدل وشروبالا، اتهامات خطيرة لها ولهيئة حماية الدستور: "لن نسمح بأن تحاول سلطة مُستغلة سياسيًا بتشويه المنافسة الديمقراطية وبنزع الشرعية عن ملايين أصوات الناخبين. هذا العمل المشين يُقوّض القيم الأساسية لديمقراطيتنا، ولا مكان له في دولة القانون".
"لم يكن هناك أي تأثير سياسي على التقييم الجديد"
من جهتها أكدت نانسي فيزر على أنَّ مكتب حماية الدستور يعمل بشكل مستقل. وقالت إنَّ "التصنيف الجديد هو نتيجة تحقيق شامل ومحايد، ومثبت في تقرير يقع في 1100 صفحة. ولم يكن هناك أي تأثير سياسي على التقييم الجديد". ولكن الواقع أنَّ جهاز الاستخبارات الداخلية يخضع إداريًا ومهنيًا لوزارة الداخلية الاتحادية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أثار قرار عدم الكشف عن التقرير وإبقائه سرًا انتقادات واسعة النطاق. حيث أعرب وزير الداخلية الاشتراكي الديمقراطي لولاية مكلنبورغ فوربومرن، كريستيان بيغل، عن أنَّه يريد تكوين صورة بنفسه عن المواد التي جمعها المكتب الاتحادي لحماية الدستور. وحول ذلك قال لمحطة "إن دي آر" العمومية، إنَّه لا يعرف حتى الآن إلا العناوين الرئيسية. ولكن هذا يتعلق "بالسماح على الأقل بذكر الحقائق الصعبة التي تبرر هذه النتيجة".
خبير قانون دستوري ينتقد السرية
الباحث القانوني والسياسي في جامعة أولدنبورغ، فولكر بومه-نيسلر يذهب إلى أبعد من ذلك ويصف السرية بأنَّها "فاضحة". وحول ذلك قال لصحيفة "برلينر مورغنبوست" إنَّ جهاز الاستخبارات يُقدّم ادعاءً شاملًا، ولكن لا يمكن للمواطنين والجمهور مراجعة إن كانت الأدلة تدعم هذا الادعاء.
ويقول بومه-نيسلر إنَّ المعلومات التي يجب أن تبقى سرية قد يتم حجبها قبل نشرها. ولكن هكذا تتدخل هيئة حماية الدستور في السياسة، بينما يجب على المواطنين أن يثقوا بها تمامًا، كما يقول: "هذا في الديمقراطية غير مقبول على الإطلاق".
انتقادات شديدة في وسائل الإعلام الأجنبية
وحتى التغطية الإعلامية الدولية لم ترحّب كثيرًا بقرار مكتب حماية الدستور. فقد وصفت صحيفة "رزيكزبوسبوليتا" البولندية عمل السياسيين والسلطات الألمانية هذا بأنَّه "موضع شك متزايد". ومع ذلك اعترفت بأنَّ سياسة حزب البديل من أجل ألمانيا يمكن أن تثير القلق والاستياء. وأضافت الصحيفة أيضًا أنَّها تتفهم بسبب التاريخ الألماني تعامل ألمانيا بطريقة خاصة مع الأحزاب والأفكار اليمينية.
ولكن في الوقت نفسه أعربت صحيفة رزيكزبوسبوليتا عن دهشتها من توقيت التصنيف المعلن عنه لحزب البديل من أجل ألمانيا "كحزب يميني متطرف بالتأكيد". وسألت الصحيفة قراءها: كيف يمكن الحكم على وضع تم فيه قبل أيام قليلة من تشكيل الحكومة الجديدة اتخاذ مثل هذا القرار المثير للجدل والذي يقضي بمراقبة أهم حزب معارض؟
هل ألمانيا ديمقراطية غير آمنة؟
والأكثر من ذلك تقييم صحيفة "نويه تسورشر تسايتونغ": ألمانيا ليست ديمقراطية ليبرالية، بل ديمقراطية غير آمنة. "أجهزة الدولة هناك لا تثق بالمواطنين. ولا تعتبر نفسها كمؤسسات تقدّم خدمات للحاكم، بل كحاكم"، وفق ما كتبت الصحيفة. وأضافت أنَّ عبء الإثبات لا يقع على عاتق حزب البديل من أجل ألمانيا، بل على عاتق المكتب الاتحادي لحماية الدستور، الذي رفع الحزب الآن دعوى قضائية ضده.
والآن بات جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية والحكومة الاتحادية الجديدة عرضة لضغوط متعددة: إعلامية وسياسية وقانونية. وقد أثار تصنيف حزب البديل من أجل ألمانيا "كحزب يميني متطرف بالتأكيد" النقاش من جديد حول احتمال حظر الحزب. وكذلك يذكّر عمل هيئة حماية الدستور بإجراءات أخرى مثيرة للجدل ضد أحزاب سياسية.
حزب اليسار أيضًا رفع دعوى على هيئة حماية الدستور
لقد تأثر لفترة طويلة العديد من أعضاء حزب اليسار من هيئة حماية الدستور ، بمن فيهم نائبة رئيس البوندستاغ السابقة بيترا باو وخليفها في هذا المنصب، بودو راميلو. وقد نجحا في الدفاع عن نفسيهما أمام المحكمة ضد المراقبة التي كان قد فرضها عليهما المكتب الاتحادي لحماية الدستور.
ولكن حزب البديل لم ينجح حتى الآن في حالات مشابهة. ففي أيار/مايو 2024، فشل حزب البديل في دعواه القضائية أمام المحكمة الإدارية العليا (OVG) في مدينة مونستر ضد تصنيفه الحديث آنذاك على أنَّه "حالة مشتبه بها يمينية متطرفة".
واعتمد المكتب الاتحادي لحماية الدستور على هذا الحكم الآن في تصنيفه حزب البديل من أجل ألمانيا "كحزب يميني متطرف بالتأكيد". ولكن بعيدًا عن القرارات القانونية، تظل المسألة خلافًا سياسيًا.
أعده للعربية: رائد الباش