كيف يساهم اليمين الشعبوي والمتطرف في خلق انقسامات مجتمعية؟
١٧ مارس ٢٠٢٥إن التحذير من الانقسامات هو سمة عصرنا: دونالد ترامب يقسم الولايات المتحدة الأمريكية، والحكومة الأمريكية تقسم الغرب الديمقراطي، وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف يقسم المجتمع الألماني، وقضية الهجرة تقسم أوروبا، والطريقة التي يتم التعامل بها مع التغير المناخي تقسم العالم بأسره. ويحذّر المراقبون من أن العالم آخذ في الاستقطاب، وأن الانقسامات بين الفئات الاجتماعية والبلدان بأكملها تتعمق.
وفي الوقت نفسه يتزايد جبل التحديات المشتركة. فالحروب والصراعات والهجرة والتجارة والمناخ والقضايا الاجتماعية والتقدم التكنولوجي توحد العالم، بغض النظر عن الانقسامات والخلافات.
ولطالما اشتهرت المجتمعات الديمقراطية بأنها الأفضل في حل المشاكل. والافتراض هو أنه حيثما يتم التفاوض على التحديات الاجتماعية معًا بشكل مفتوح، تكون هناك فرصة أكبر لإيجاد حلول جيدة تدعمها أغلبية واسعة.
استعداد أقل لحلول الوسط
لكن هذه السمعة عانت في عالم يسوده الاستقطاب. فقد تضاءلت الرغبة في التسوية والتوصل إلى تفاهم. وأصبح المزاج السياسي أكثر تناقضًا.
ويحذر عالم الاجتماع نيلز تيشلر من معهد أبحاث التماسك الاجتماعي في جامعة بريمن من عواقب الاستقطاب. ويقول في مقابلة مع DW أنه عندما تتعارض المجموعات السكانية مع بعضها البعض، تصبح التسويات السياسية مستحيلة، ويضيف "كلما زادت المواقف المسبقة تجاه المجموعات وكلما زادت الاختلافات في التعاطف بين المجموعات على أساس الخصائص الفردية، كلما تعرض التماسك للخطر".
دراسة: حزب البديل والأحكام المسبقة
في دراسة حديثة حول الانقسام الاجتماعي، اكتشف معهد الأبحاث تأثيرًا ملحوظًا: حيثما يكون اليمين المتطرف قويًا، تزداد الآثار الانقسامية إلى ما هو أبعد من ناخبيه. وببساطة في معاقل حزب البديل من أجل ألمانيا حتى الأشخاص الذين لا يصوتون للحزب لديهم تحيزات أكثر ضد الأقليات.
قام الباحثون بتحليل العلاقة بين النجاحات الإقليمية لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) والتعاطف مع فئات اجتماعية معينة. ويقول تيشلر: "وجدنا مؤشرات على أنه في المناطق التي حقق فيها حزب البديل من أجل ألمانيا نجاحًا سياسيًا بشكل خاص، صنف الناس هناك الفئات المحرومة والأقليات الاجتماعية بتقييمات تفضيلية أقل".
وهذا يؤثر بشكل خاص على المهاجرين والمسلمين والمثليين والأشخاص ذوي المستوى التعليمي المنخفض، "وهذا يعني أننا نشهد علامات انقسام في المناطق التي يكون فيها حزب البديل من أجل ألمانيا أقوى". أيهما جاء أولاً: الانقسام أم اليمين المتطرف؟ يقول تيشلر إن الاثنين يسيران جنبًا إلى جنب.
توظيف الهجرة لأغراض دعائية
يحذر اليمين المتطرف أيضًا من انقسام المجتمع. لكنه يذكر سببًا رئيسيًا واحدًا فقط: الهجرة. فهم يطالبون بإغلاق الحدود. ويكرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارًا تعميما بأن المهاجرين مجرمون وخطرون. وتحدثت زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايدل عن المسلمين بوصفهم "سفاحين" و"فتيات محجبات".
وتصل النغمات الشعبوية إلى وسط المجتمع: فريدريش ميرتس (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) الذي يُفترض أنه المستشار الألماني المستقبلي، أشار أيضًا في الماضي إلى أطفال العائلات المهاجرة على أنهم "باشوات صغار". وهي عبارة تشير إلى العائلات المسلمة.
"إن التحول إلى اليمين الذي نشهده حاليًا قد أثر على جميع الأحزاب في ألمانيا تقريبًا"، كما يلخص جيهان سنان اوغلو، رئيس المرصد الوطني للتمييز والعنصرية في المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة.
ويقول إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الخضر والليبراليين مسؤولون جزئيًا عن بعض القوانين الأكثر تقييدًا في سياسة اللجوء والهجرة.
وينتقد سنان اوغلو أنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذه السياسات التقييدية ستبعد الناخبين عن اليمين المتطرف من أجل إعادتهم إلى وسط المجتمع. وهي بالتأكيد ليست وسيلة لمواجهة السياسات العنصرية لحزب البديل من أجل ألمانيا. "ويتضح ذلك من خلال مثال شرق ألمانيا، حيث يعيش عدد أقل بكثير من اللاجئين والأشخاص ذوي الأصول المهاجرة مقارنةً بغرب البلاد. ولكن في الوقت نفسه، لدينا في الوقت نفسه معاقل حزب البديل من أجل ألمانيا هناك".
ويرحب عالم الاجتماع بالنقاش المفتوح حول الهجرة وحدود قدرة المجتمع على استيعاب اللاجئين. ومع ذلك ينتقد سنان اوغلو فشل السياسة في تركيز الانقسام في المجتمع على قضية الهجرة.
نتيجة الانقسام: التهميش
فشل له ثمن باهظ، خاصة بالنسبة لمجتمع المهاجرين، كما يحذر سنان اوغلو في مقابلة مع DW. "على سبيل المثال عندما نتحدث عن الهجرة غير النظامية طوال الوقت: يدرك المهاجرون بوضوح شديد من المقصود فعليًا بهذه المناقشات: أي نحن". سوف يتمسك المجتمع الألماني ذو الأغلبية الألمانية بالأعراف التي تهمش المهاجرين حتى بعد عقود من الزمن في البلاد.
ما يحدث حاليًا هو طرد رمزي للمهاجرين، مع عواقب اجتماعية بعيدة المدى: "الناس ينسحبون ويعيشون في خوف، ويفكرون في الهجرة. وهذا يضع ضغطًا على علاقاتنا العاطفية وصداقاتنا"، يقول سنان اوغلو.
ولا شك لديه أن اليمين المتطرف يقود الانقسام. ولكن المجتمعات الغربية تجعل الأمر سهلًا للغاية بالنسبة لهم. وهذا لأن القادة السياسيين، سواء في ألمانيا أو المملكة المتحدة أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية لن يعالجوا المصدر الحقيقي للانقسام في مجتمعاتهم: القضية الاجتماعية.
"وضع القضية الاجتماعية في صلب الموضوع"
يقول جيهان سنان اوغلو منتقدًا النقاشات المجردة حول التماسك الاجتماعي: "نحن بحاجة إلى الحديث عن القضايا المادية، نحن بحاجة إلى التركيز على هذه القضية الاجتماعية وليس التمسك ببعض المثل والقيم التي لا تنطبق أبدًا على أجزاء كثيرة جدًا من هذا المجتمع. فالأمر يتعلق بالإيجارات الميسورة والأجور العادلة وفرص التقدم الاجتماعي.
إن مسألة التماسك والأمن في المجتمع تقاس بشكل خاطئ فقط بقضية الهجرة، فـ"عن أمن من نتحدث في الواقع؟ إن الأشخاص الذين يتحدثون عن الأمن والنظام فيما يتعلق بالهجرة هم نفس الأشخاص الذين جعلوا سوق العمل أكثر مرونة، والذين جعلوا الوظائف أكثر هشاشة والذين أدخلوا انعدام الأمن في ظروف معيشة الناس في المقام الأول".
بالنسبة لعالم الاجتماع جيهان سنان اوغلو، فإن صعود اليمين المتطرف في العالم الغربي هو نتيجة للانقسام، الانقسام الاجتماعي.
أعده للعربية: م.أ.م