حرية الإعلام الأردني: إلى أين؟
١١ أغسطس ٢٠١٢قامت السلطات الأردنية في التاسع و العشرين من يوليو/ تموز بإيقاف بث قناة جوسات التلفزيونية بعد استضافة برنامجها الحواري "في الصميم" الذي تقدمه المذيعة رولا الحروب لمعارضين سياسيين وجهوا انتقادات لسياسات الحكومة والملك في عدة مجالات. واختلف المحللون في سبب الإغلاق، فمنهم من عزى ذلك إلى هيئة المرئي والمسموع، إلا أن مدير عام الهيئة الدكتور أمجد القاضي أوضح لوكالة بترا أن "لا علاقة للهيئة أو أي جهة حكومية بقرار إغلاق القناة، لكنه لم يخف في الآن ذاته تزامن الإغلاق بعيد بث برنامج ورد فيه عدد من المخالفات لمدونة السلوك الإعلامي. ويتوافق هذا الرأي مع قيام رئيس مجلس إدارة جوسات الفضائية الدكتور رياض الحروب بتقديم رسالة اعتذار إلى الملك عبد الله الثاني لا تترك مجالاً للشك بأن وقف بث القناة له علاقة بالمساس بشخص الملك.
يأتي هذا في وقت يكثر فيه الجدل حول التضييق على حرية الإعلام في الأردن، حيث أشار رئيس جمعية الصحافة الإلكترونية الأردنية شاكر الجوهري في حديث له مع دي دبليو إلى تمتع الصحفيين الأردنيين من الناحية التشريعية بقدر كاف من الحرية إلا أنها "منتزعة" من خلال التطبيق على حد قوله، موضحاً أن "الحكومة إذا أفلحت في تعطيل وعرقلة الإصلاحات السياسية، فإنها بالتأكيد لن تتركنا في حالنا، خاصة وأن الإصلاحات الشكلية والالتفافية التي أقدمت عليها، تلقى تأييدًا علنياً من بريطانيا و أمريكا. وهذا يعني أنها لا تلقى ضغوطاً دولية من قبل الدول المانحة ترغمها على الاستجابة لمطالب الإصلاحات الشعبية". و كان السفير الأمريكي ستيوارت جونز قد أوضح خلال أمسية رمضانية في التاسع والعشرين من يوليو/ تموز في عمان أن إصلاحات الأردن كافية في الوقت الراهن.
إجماع على عدم صلاحية قانون المواقع الإلكترونية
وفي سياق متصل أثارت مسودة مشروع قانون المواقع الالكترونية للعام 2012 حفيظة العديد من العاملين في الأوساط السياسية والقانونية. فعلى الرغم من نفي الحكومة وجود مشروع بهذا الصدد، أثار هذا المشروع زوبعة من الاعتراضات و النقاشات. فقد أعلنت جمعية الصحافة الإلكترونية الأردنية في بيان لها في الرابع من آذار/ مارس رفضها للقانون في حال صدوره متهمة الحكومة بارتكاب "مجزرة كبرى" بحق الصحافة التفاعلية في الأردن مناشدة الملك لوضع حد "لتهور الحكومة". وتمنع مسودة هذا القانون كل من لا يملك المقدرات المالية البالغة خمس عشرة ألف دينار أردني ككفالة مالية، وكل من لم ينل شهادة الثانوية العامة من ممارسة أي نشاط تدويني على الإنترنت.
من جانبها أوضحت الحكومة الأردنية في بيان لها بعد لقائها مع جمعية الصحافة الإلكترونية الأردنية في الرابع و العشرين من يوليو/ تموز أنها معنية فقط بتطبيق قانون المطبوعات بالتعديلات التي أدخلتها عليه حكومة معروف البخيت قبل عام، والتي تشترط على رؤساء تحرير الصحف و المواقع الإلكترونية عضوية نقابة الصحفيين. وشدد وزير الإعلام الأردني سميح المعايطة على ضرورة ترخيص الصحف والمواقع الإلكترونية وفقا لتفسير مجلس تفسير القوانين، والتي تنص على دفع كافة الصحف كفالة مالية، في حين اعترض الجوهري على ذلك مبيناً أن القانون قد سن قبل صدور الصحف والمواقع الإلكترونية.
حملات شعبية متضاربة إزاء سياسات الحكومة
أما قانون الاتصالات الجديد والمتضمن لمواد صريحة بشأن إنترنت "نظيف" خالٍ من مواد تمس الأخلاق العامة، فيهدف "لحماية المستخدمين وخصوصاً شرائح صغار السن والأطفال من الاستغلال والآثار السلبية لبعض المواقع الإلكترونية" وفقاً لوزير الاتصالات عاطف التل في خطاب له في الثلاثين من يوليو/ تموز الماضي. في حين أوضح الصحفي يحيى شقيرفي جريدة العرب اليوم أن حملة الحجب خطوة خطيرة، مشيراً إلى أن "الحجب المطلق للمواقع الإباحية يعكس عقلية "الوصاية" حتى على البالغين التي لا تختلف عن المبررات التي قد تساق ليتم التوسع في حجب مواقع سياسية أخرى على أساس مضمون ما تنشره"، مذكراً بقدرة الأهالي طبقاً للقانون الحالي للاتصالات على الاشتراك في خدمة "الانترنت الآمن" لحجب ما يرونه مضراً بمصلحة أبنائهم القاصرين.
و كانت مبادرة "إنصاف" قد تبنت منذ أواخر العام المنصرم حملة فيسبوكية شعبية تدعو لقانون الحجب. الأمر الذي دعا إلى إطلاق حملة مضادة على الفيسبوك تدعى " أنا بعرف أحمي حالي. مش شغل الحكومة تحجب النت" و التي اجتذبت أكثر من عشرة آلاف مؤيد خلال ثلاثة أشهر. و تنادي هذه الصفحة برفض أي تدخل حكومي في حرية الانترنت ومن ضمنها رفض سياسة حجب المواقع مشيرة في الآن ذاته إلى ضرورة نشر الوعي ببرامج ووسائل الحماية المنزلية التي تمكن المستخدم نفسه من حماية أولاده من أي محتوى ضار وفق رغبته الشخصية.
و أضاف شاكر الجوهري في حديثه مع دي دبليو والذي هو أيضاً رئيس تحرير جريدة " المستقبل العربي" الإلكترونية أن "محاولة تضييق فضاء الإنترنت سياسة عابرة للحكومات في الأردن، وهي متصلة بحرص أكيد على تحصين الفساد. فالأصل أن الشفافية الإعلامية تحصن الأمن الداخلي للدول". مشيراً إلى أن " ليس من مصلحة الحكومة أن تسعى إلى التراجع عن الإصلاح، وإغلاق أبوابه، وكبت حرية الإعلام في ذات الآن، لأن هذا يعني تحفيز مختلف وسائل الإعلام، وخاصة الإلكترونية منها، للتصدي لسياسات الحكومة، التي تريد أن تنجز مهماتها المثيرة للجدل دون خوض مواجهات مع الإعلام الإلكتروني".
تزامن هذه الأحداث في الأشهر الأربعة الأخيرة يطرح السؤال مجدداً: إلى أين تتجه حرية الإعلام في الأردن؟ أهي حرية على حساب الأمن؟ أم هي حرية تضمن الأمن؟
تقى هلال
مراجعة: ابراهيم محمد