جنوب لبنان.. آمال منسية على شواطئ بحر من الدمار
٩ أبريل ٢٠٢٥في قرية حولا وهي بمحاذاة الحدود الجنوبية للبنان، لا تزال دراجة أحد الأطفال معلقة على شجرة جوز أمام المنزل. ظن الطفل أنه سيعود للعب بها بعد أيام، لكن أيامه تحولت إلى شهور من النزوح. تروي هذه الدراجة الحكاية التي تختصر المأساة: منازل مدمّرة، وطفولة مؤجلة، وأمل ينتظر قراراً سياسياً لم يأتِ بعد.
يقول صبحي عبدالله وهو من قرية حولا في اتصال مع DW عربية إن "العودة إلى القرى الحدودية في الجنوب ليست محفوفة بالمخاطر فحسب، بل بالتشاؤم أيضاً. غياب الدولة جعل من الرجوع رحلة شاقة، حيث لا تزال البنية التحتية مدمرة، والكهرباء والمياه غائبة، والطريق نحو المنازل مليئة بالعوائق والتحديات".
وزارة الأشغال: دور محوري في إعادة الإعمار
ويتابع صبحي قائلاً: "في انتظار دور وزارة الأشغال العامة، مرت أيام وأسابيع دون تحرك رسمي. وعندما سأل أحد الأهالي عن الجهة التي تعمل على تأهيل الطريق، كانت الإجابة واضحة: "ليس الدولة، بل متبرع قام بتنظيف الطريق وتعبيده بشكل مؤقت فقط، لتسهيل عودة السكان". أما شركة الكهرباء فقد كان الأمل أن تعيد التيار إلى 25% من المناطق الأقل تضرراً، لكن حتى ذلك لم يحدث، مما جعل العودة مشروطة بمعاناة يومية قاسية".
من جهته، أكد المكتب الإعلامي لوزارة الأشغال العامة والنقل، لـ DW عربية أن "الوزارة تلعب دوراً رئيسياً في وضع آليات إعادة الإعمار، كونها الجهة المعنية بوضع السياسات الخاصة بهذا الملف".
وأوضح المكتب أن "الوزارة مسؤولة عن إصلاح البنى التحتية التي تضررت بفعل العدوان، بما في ذلك المعابر الحدودية، المرافئ، والطرقات، لافتاً إلى أن هناك مفاوضات جارية مع البنك الدولي بشأن قرض بقيمة 250 مليون دولار لدعم عمليات الترميم".
وسط هذا المشهد، لا تزال بعض الذكريات حاضرة في المكان، تماماً كدراجة حفيد صبحي التي علّقها على شجرة الجوز قبل مغادرتهم. كان الطفل يظن أنه سيعود سريعاً للعب بها، لكنه غادر مع عائلته تاركاً كل شيء خلفه، يسأل الحفيد جده عن دراجته التي لا تزال معلّقة هناك، شاهدة على لحظة مغادرة لم تكن سهلة، وعلى حياة معلّقة بين النزوح والانتظار.
قدّر البنك الدولي في تقريره "تقييم الأضرار والاحتياجات السريعة في لبنان"، حجم احتياجات إعادة الإعمار والتعافي بعد الحرب في لبنان، بنحو 11 مليار دولار أمريكي، تشمل عشرة قطاعات رئيسية في جميع أنحاء البلاد خلال الفترة الممتدة من 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
لكن من غير الواضح بعد كيفية تمويل إعادة الإعمار إذ إن عددا من الجهات المانحة ومنها الاتحاد الأوروبي وألمانيا والولايات المتحدة تعتبر حزب الله منظمة إرهابية.
مسح الأضرار وإزالة الركام
رغم التصريحات، يشتكي سكان الجنوب من غياب النتائج الملموسة على الأرض، وهو ما يضع علامات استفهام حول جدية التنسيق بين الجهات المعنية، وتضارب المعلومات حول ارقام الخسائر.
في حديث خاص لـ DW عربية، كشف رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر، عن الأضرار الهائلة التي لحقت بالمناطق المتضررة، مشيراً إلى هدم 32,500 وحدة سكنية، وتضرر 55,000 وحدة بأضرار جسيمة، و130,000 وحدة بأضرار متفاوتة. كما قدّر تكلفة إعادة الإعمار في البنية التحتية بالجنوب بنحو ستة مليارات ليرة لبنانية.
وأكد حيدر أن مجلس الجنوب يتولى مسؤولية المباني الرسمية داخل نطاق الجنوب والبقاع الغربي وزحلة، بينما يقع ملف المباني الرسمية خارجه ضمن مهام مجلس الإنماء والإعمار. أما مسح الأضرار وإزالة الركام، فتشرف عليه جهات متعددة وفقاً للمناطق. فاتحاد بلديات الضاحية يتولى المهمة في الضاحية الجنوبية، والهيئة العليا للإغاثة تشرق على باقي المناطق.
غياب معايير التعويض
وفي اتصال مع DW عربية قال سامي وهو من قرية كفرحمام الحدودية: "مع بدء عمليات إعادة الإعمار، برزت أخطاء كبيرة، وقعنا كأهالي ضحيةً لها. فقد بلغت تكلفة الخسائر لمنزلي نحو 25 ألف دولار، وعندما زارنا فريق جهاد البناء، التابع لحزب الله والمكلّف بملف إعادة الإعمار، أجرى كشفًا ميدانيًا والتقط الصور ودوّن ملاحظاته، لكن عند العودة إلينا بالتعويض، لم يتجاوز المبلغ 2٪، وهو رقم غير منطقي ولا يعكس حجم الأضرار الفعلية".
شعور بالخذلان يرافق الأهالي في ظل غموض آلية التعويضات. فالناس وقعت بين حسابات السياسة وتعقيدات الجهات المانحة، فبقي منزل سامي كما هو، خراب بلا أفق.
وأوضح سامي بالقول: "دخل مجلس الجنوب إلى كفر حمام، وأجرى فحوصات على المنازل المتضررة، بما في ذلك منزلنا، لكنه غادر دون تقديم أي وعود أو توضيح ما إذا كانت هناك تعويضات جدية في المستقبل".
الضياع الشعبي والعجز الرسمي
وفي حديث مع محمد عواضة، وهو من قرية عيترون الحدودية، يؤكد لـDW عربية، "في ظل الدمار الذي خلفته الحرب، تبقى أولوية الأهالي إعادة بناء منازلهم بأي وسيلة كانت، بغض النظر عن الجهة التي ستتولى هذه المهمة. ومع ذلك، يدرك السكان اليوم أن حزب الله غير قادر على تحمل عبء إعادة الإعمار أو تقديم تعويضات مالية، ما يدفعهم أكثر فأكثر إلى مطالبة الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها في هذه العملية، باعتبارها الجهة المخوّلة بذلك".
في ظل وعي شعبي جديد يتكوّن، ويرفض الحلول الجزئية وينادي بإعادة بناء شاملة، الرجوع إلى القرى ممكن، لكنه ليس سهلاً. تحكمه شروط معقّدة، تبدأ بإرادة الدولة وتنتهي برغبة السكان في الحياة. فهل تتحرك الحكومة أخيراً؟ أم تبقى ذكريات الحرب أقوى من صوت الإعمار؟ أم تبقى الذكريات وحدها، تنتظر أصحابها؟
مكتب بيروت