جدل في ألمانيا - هل سقط "جدار الحماية" من اليمين الشعبوي؟
١ فبراير ٢٠٢٥ صوّت النواب الألمان الجمعة (31 يناير/كانون الثاني) بأغلبية ضئيلة ضدّ اقتراح قانون لتقييد الهجرة تقدّم به المحافظون المعارضون وأيّده حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي. وكان حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي وحليفه الاتحاد الاجتماعي المسيحي قد تمكّنا الأربعاء من إقرار مذكّرة غير ملزمة تدعو للتصدّي للهجرة أيّدها "البديل من أجل ألمانيا".
لكنّ محاولة إقرار اقتراح القانون في البوندستاغ الجمعة باءت بالفشل إذ أيّد النصّ 338 نائبا فيما عارضه 350 نائبا وامتنع خمسة نواب عن التصويت.
ويوم الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني، أثار الاتحاد الديموقراطي المسيحي عاصفة سياسية في البلاد عندما تمكّن من تمرير قرار غير ملزم بشأن الهجرة بدعم من أصوات حزب البديل من أجل ألمانيا، وهي أول أغلبية من هذا النوع تتشكّل في البوندستاغ منذ الحرب العالمية الثانية.
وبينما تبادل النواب اتهامات حادة في البرلمان، حذر المستشار أولاف شولتس المنتمي ليسار الوسط من أنه لم يعد من الممكن الوثوق بميرتس، وأبدى مخاوفه من أن يدعو المرشح المحافظ في المستقبل حزب البديل من أجل ألمانيا للمشاركة في حكومة ائتلافية.
بالنسبة للمستشار الألماني أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD)، سيكون هذا التطور على الأرجح الموضوع الرئيسي في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية المقررة في 23 فبراير. فقد أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت الكتلة المحافظة المتمثلة في الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) بقيادة مرشحها لمنصب المستشار فريدريش ميرتس (CDU) قد أزالت " جدار الحماية السياسي" الذي كان يفصلها عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) المعروف بميوله اليمينية الشعبوية.
وكان شولتس قد صرح مساء الأربعاء في مقابلة مع التلفزيون الألماني (ARD) قائلاً إن يوم 29 يناير، اي تاريخ اول اقرار لهذه الخطة، ربما كان يومًا مهمًا في تاريخ البلاد. وأكد أن ميرتس قد أنهى توافقًا سياسيًا استمر طوال فترة ما بعد الحرب، قائلاً: "هذا التوافق كان يقوم على عدم وجود تعاون بين الأحزاب الديمقراطية واليمين المتطرف. وهذا ما حدث اليوم. لقد انهار جدار الحماية السياسي".
ميرتس يعبر عن أسفه
ففي يوم الاربعاء، وافق البوندستاغ (البرلمان الألماني) على مقترح من حزبي الاتحاد المسيحي الديموقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي بأغلبية ضئيلة لسياسة لجوء أكثر صرامة بأصوات الاتحاد والحزب الديمقراطي الحر وحزب البديل من أجل ألمانيا بالإضافة إلى عدد قليل من النواب المستقلين.
منذ انهيار ائتلاف إشارة المرور المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الحر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يعد شولتس يتمتع بأغلبية في البرلمان وبات يحكم البلاد بحكومة أقلية مع حزب الخضر. وقبل التصويت على الاقتراح، أكد ميرتس عدة مرات أنه لا يهتم بمن وافق على اقتراحه. وبعد التصويت، أضاف أنه آسف للغاية لأن حزب البديل ساعده في الحصول على الأغلبية.
قرار عدم التوافق من الاتحاد المسيحي الديمقراطي
إذن ما هو " جدار الحماية السياسي" الذي أثير حوله كل هذا النقاش؟ في مؤتمر الحزب في عام 2018، أقر حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي ما يسمى بـ "قرار عدم التوافق”. وجاء فيه: "إن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا يرفض التحالفات وأشكال التعاون المماثلة مع كل من حزب اليسار وحزب البديل من أجل ألمانيا".
وبعد انهيار الائتلاف الحاكم في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أكد فريدريش ميرتس أنه لن يقدم أي مشاريع قوانين قبل الانتخابات الجديدة، حيث يمكن للحزب اليميني الشعبوي البديل من أجل ألمانيا أن يلعب دور تأمين الأغلبية.
ما هو " جدار الحماية السياسي"؟
لسنوات عديدة كان هناك جدل ساخن في ألمانيا حول ماهية "جدار الحماية السياسي"، ومتى سينكسر؟ وما هي العواقب التي ستترتب على ذلك؟ في الواقع، كان هناك تعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا لفترة طويلة، في برلمانات الولايات، وخاصة في الولايات الواقعة في شرق البلاد، على مستوى المقاطعات. هناك، في البلديات والمجتمعات، تعمل جميع الأحزاب من حين لآخر مع حزب البديل من أجل ألمانيا لأنه يصعب تحقيق الأغلبية. ويتعاون الاتحاد الديمقراطي المسيحي في أغلب الأحيان مع حزب البديل من أجل ألمانيا. هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه دراسة أجرتها مؤسسة روزا لوكسمبورغ" المقربة من حزب اليسار.
دراسة: حوالي 120 حالة تعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا
وبناءً على ذلك، تسرد الدراسة حوالي 120 حالة تعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا بين عامي 2019 و2023، بين الأحزاب. وتؤكد عالمة السياسة أنيكا تاشكي وزميلها ستيفن هاميل أن الطلبات عادة ما يتم تقديمها أو التصويت عليها مع اليمين المتطرف.
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تقدم الاتحاد المسيحي الديمقراطي في منطقة رينكندورف ببرلين بطلب للحصول على توصية لإصدار قرار بشأن "حظر الحجاب على تلميذات المدارس حتى الصف السادس". وبعد مناقشات مطولة، تمت الموافقة على الطلب بتصويت حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب البديل من أجل ألمانيا في أغسطس/ آب 2020.
انتخاب توماس كيميريش في تورينغن
كان لانتخاب السياسي الديمقراطي الحر توماس كيميريش رئيساً لوزراء تورينغن في فبراير/ شباط 2020 أهمية خاصة خارج حدود الولاية، وبعد مناقشات محمومة وترشيحات غير ناجحة من قبل سياسيين آخرين، تم انتخاب كيمريش بأصوات الحزب الديمقراطي الحر وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب البديل من أجل ألمانيا. لكنه استقال بعد ذلك بوقت قصير ولم يبقى في منصبه سوى بضعة أسابيع، حتى بداية مارس/آذار. وأعلنت زعيمة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا آنذاك، أنيغريت كرامب كارينباور، التي حاولت عبثًا منع التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا، استقالتها.
بعد أن كان " جدار الحماية السياسي" ، جاء قرار الأربعاء ليشكل نقطة تحول في البوندستاغ، البرلمان الأكثر أهمية في ألمانيا. وقال ميرتس بعد التصويت إنه لم يتحدث مع حزب البديل من أجل ألمانيا مسبقًا: "التعاون هو التعاون وليس إجراء تصويت حيث يتفق الآخرون أو يختلفون"، كما قال زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي نقلاً عن التلفزيون الألماني ARD. وأضاف: " جدار الحماية السياسي هو الصورة الخاطئة. أريد ألا تتحول النار خلف الجدار إلى حريق هائل في جميع أنحاء ألمانيا". ويؤيد غالبية الألمان تشديد الهجرة.
ميركل تدخل على الخط
أصدرت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، التي نادرا ما تعلق على السياسة الحالية منذ انسحابها من المشهد السياسي في خريف عام 2021، بيانا يوم الخميس. وكتبت فيه أنها اعتبرت تأكيدات ميرتس منذ نوفمبر/ تشرين الثاني بأنها لن تسعى للحصول على الأغلبية إلا مع أحزاب الوسط الديمقراطي .لكن: "أعتقد أنه سيكون من الخطأ عدم الشعور بالالتزام بهذا الاقتراح وبالتالي تمكين الأغلبية بأصوات حزب البديل من أجل ألمانيا لأول مرة في تصويت في البوندستاغ الألماني في 29 يناير/ كانون الثاني 2025".
التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا يثير الجدل بين الألمان
سوف تظل قضية " جدار الحماية السياسي" تثير قلق ألمانيا في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة حتى موعد الانتخابات، لكن ما رأي المواطنين الألمان في ذلك؟
نشرت "مجموعة أبحاث الانتخابات" استطلاعا، اليوم الخميس، لصالح "التلفزيون الألماني الثاني"، أجراه قبل التصويت المثير للجدل أمس الأربعاء. وفيه، يدعم 47 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع نهج حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في قبول دعم حزب البديل من أجل ألمانيا. ورفض 48 في المائة ذلك. ووافق 71 في المائة على القول بأن حزب البديل من أجل ألمانيا يشكل تهديدًا للديمقراطية.
أعدته للعربية: إيمان ملوك