تونس ـ اتهامات للسلطة بتسييس الأحكام في ظل قضاء "مُكَبَّل"
٢٦ فبراير ٢٠٢٥قضت محكمة تونسية الثلاثاء (25 فبراير/ شباط 2025) بإعدام ثمانية متهمين باغتيال المعارض والنائب السابق بالمجلس التأسيسي عن محافظة سيدي بوزيد وأمين عام حزب "التيار الشعبي" محمد البراهمي، الذي راح ضحية الاعتداء المميت يوم 25 يوليو/تموز 2013.
وقال المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أيمن شطيبة في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية "إن الدائرة الجنائيّة الخامسة المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، أصدرت أحكاما تراوحت بين الإعدام والسجن لمدة 5 سنوات في حق المتهمين".
وأوضح المتحدث أن إصدار عقوبة الإعدام بحق المتهمين الثمانية جاء من أجل "جريمة الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على قتل بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهرج والقتل بالتراب التونسي، وأيضا من أجل "جريمة المشاركة في قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية القصد".
مخاوف حقوقية!
الإعدام كما يشرح الكاتب والمحلل حاتم النفطي في حواره مع DW عربية، لا تٌنفذ في تونس منذ 1991، لكن مازال حكما قانونيا ضمن سلم العقوبات بالبلد. ويضيف المتحدث "أن قيس السعيد ردد أكثر من مرة أنه مع تنفيذ الحكم، وكانت هناك تخوفات حقوقية كبيرة من هذا الموضوع، لكن إلى الآن لم يتم الأمر في عهده".
من الجانب الحقوقي، كان "الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام"، وهي منظمة حقوقية مستقلة، قد عبر عن رفضه للأحكام القضائية الابتدائية في قضية اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد المشابهة في مارس 2024، التي قضت بإعدام أربعة متهمين.
وأوضح الائتلاف معارضته لقانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال في الصيغة التي تمت المصادقة عليها سنة 2015، وعلى وجه الخصوص تنصيصه على عقوبة الإعدام التي يسعى إلى إلغائها من القوانين التونسية.
واعتبر شكري لطيف، رئيس الائتلاف على موقعه الرسمي حينها، أن محاولة التوظيف السياسي لمثل هذه القضايا، قد يؤدي إلى التطبيع مع عقوبة الإعدام، والسعي لتفعيلها بعد سنوات طويلة من وقف تنفيذها.
من جانبه، يرى صلاح الدين الجورشي، المحلل والناشط في المجال الحقوقي، أن الأحكام الصادرة في هذه القضية، "كانت بسبب الأدلة التي أثبثت تورط المتهمين، لكن لا ندري إن كانت الحيثيات تجعل الحكم يصل للإعدام. لكني مبدئيا ضد الحكم بالإعدام".
وأشار المتحدث في حوار مع DW عربية، أنه "قد طالت هذه القضية إضافة لقضية شكري بلعيد وأثارتا جدلا في الساحة السياسية، لأن هناك محاولات لتأكيد تورط قيادات حركة النهضة، رغم عدم توفر دلائل تؤكد ذلك".
انتقادات حقوقية داخلية وتنديد أممي
جرت قضايا حقوقية عديدة على تونس في الآونة الأخيرة إدانات دولية بسبب "اضطهاد المعارضين" منها الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، التي دعت السلطات التونسية إلى وضع حد لموجة الاعتقالات، لا سيما ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين.
وأضافت المفوضية "على السلطات التونسية أن تضع حدا لأنماط الاعتقال والاحتجاز التعسفي والسجن التي يتعرّض لها العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحافيين والنشطاء والسياسيين".
تزايدت الضغوط على النظام التونسي تزامنا مع انطلاق الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان في مقرّ الأمم المتّحدة بمدينة جنيف السويسرية، حيث أطلقت أكثر من 50 منظمة حقوقية حملة دوليّة للمطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين والصّحفيين والمدوّنين داخل السجون التونسيّة.
بعد يوم واحد على هذا التنديد، أُطلق سراح سهام بن سدرين (74 عاما)، إحدى أشهر الناشطات في مجال حقوق الإنسان في البلاد والتي كانت محتجزة منذ آب/أغسطس من العام الماضي، وظلت ممنوعة من السفر.
كما أفرجت السلطات عن وزير البيئة السابق رياض المؤخر، والصحفي محمد بوغلاب، الذين كانا يقبعان في السجن بتهم مختلفة، إلى جانب العشرات من المعتقلين السياسيين والحقوقيين والصحفيين.
وقد رفضت تونس انتقادات المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وأصدرت وزارة الخارجية التونسية في وقت متأخر من مساء الاثنين بيانا، أعلنت فيه "استغرابها" مما جاء في تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان. وقالت إنه يتضمن "مغالطات".
بالنسبة للجورشي، فإن السلطة التونسية "ورطت نفسها في قضايا لا أدلة لها عليها لتقنع الرأي العام داخليا ودوليا بأن التهم صائبة".
ويرى المتحدث أن "الأطراف الدولية كما هو الشأن بالنسبة للأصوات الحقوقية داخليا لم تعد مؤثرة، إذ أن هناك إصرار من السلطة على أن ما يجري في تونس هو أمر داخلي، ولا يجوز لأي جانب خارجي أن يعطي رأيا حوله".
ويرى الحقوقي أن "مجال الحرية في تونس يضيق أكثر فأكثر، وهو ما خلق حالة تصادم مستمر بين الحقوقيين والسلطة. ولا توجد مؤشرات على أن الأطراف الدولية سيكون لها تأثير مستقبلا".
من جهته، اعتبر المحلل حاتم النفطي، أن "القضاء في تونس مكبل، حتى أننا لم نعد نتحدث عن السلطة القضائية بل عن الوظيفة القضائية، فالرئيس قيس سعيّد منح نفسه صلاحيات كبيرة، وبدأ في عزل قضاة، كما حل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي المنتخب، وعوضه بآخر، فاليوم القضاة في تونس يواجهون السلطة التنفيذية مباشرة".
وربطا بالقضايا الحالية في تونس، يرى النفطي أنه "وإن تمت المحاكمة بوجود قرائن مهمة، فالقضاء يبقى رهن التشكيك في أحكامه، هذا هو مشكل النيل من القضاء في أي بلد، فعبر ضربه تضرب حتى القضايا العادلة مثل قضايا بلعيد والبراهمي، مما قد يستعمله المتهمون في هذه القضية لصالحهم لاحقا".
"إخراس أصوات المعارضة"
في ظل تشديد الأحكام على المنتمين للتيار الإسلامي، مقابل الإفراج مؤخرا على وجوه بارزة من المعارضين في التيار العلماني، فإن الكثير يسترجعون بعضا من مظاهر سياسات نظام زين العابدين بنعلي، ومنهم المحلل النفطي، الذي اعتبر أن "هذه الاستراتيجية استعملها النظام في التسعينيات وبداية الألفية الحالية، وهذا ليس بغريب بما أن الكثير من الوجوه في مناصب السلطة اليوم تنبع من النظام القديم".
لكن الواضح في رأي المتحدث، هو أن "السلطة لا تبتغي من ذلك سوى إخراس أصوات المعارضة بغض النظر عن انتمائهم للتيار العلماني أو الإسلامي".
أما بالنسبة للحقوقي الجورشي، فالنظام التونسي "وجد نفسه أمام معارضة واسعة من مختلف الأطراف السياسية والحقوقية في البلد، وهو ما يدفع هذه الأطراف للتكاثف وتوحيد الموقف رغم تناقضاتها".
وأنهى المتحدث كلامه قائلا "في تونس اليوم، حتى بعض الأشخاص والأطراف التي كانت قريبة من الرئيس سعيّد، وجدت نفسها في موقف صعب وهي تواجه هذا الطيف الواسع من السياسيين والمثقفين".