تعليق المساعدات الأمريكية.. أي تداعيات على الدول العربية؟
٦ فبراير ٢٠٢٥في خطوة مفاجئة تهز أسس السياسة الخارجية الأمريكية، قرر وزير الخارجية ماركو روبيو تعليق جميع المساعدات الأمريكية المقدمة إلى الدول النامية. يأتي هذا القرار ضمن إطار مراجعة شاملة لتقييم فعالية تلك المساعدات، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس ترامب الذي يتبنى سياسة "الولايات المتحدة أولاً".
القرار أثار العديد من التساؤلات حول مصيرملايين الدولارات التي كانت مخصصة لدعم الدول التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأمريكي في مجالات التعليم والصحة والتنمية. ورغم أن هذا القرار يعكس التزام الولايات المتحدة بمصالحها، إلا أن تأثيره سيكون كبيراً على الأنشطة الإنسانية التي تمس حياة ملايين الأشخاص في دول مثل لبنان، ليبيا، واليمن.
دول عربية مستفيدة من المساعدات الأمريكية
بحسب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، تم تخصيص حوالي 123 مليون دولار في عام 2023 لدعم الأنشطة الإنسانية والتنموية في لبنان، خاصة في قطاعات التعليم والمياه. وكان من المتوقع أن تواصل الوكالة دورها المهم في تعزيز الحوكمة الرشيدة وتحقيق فرص اقتصادية للمواطنين ذوي الدخل المحدود، من خلال تمويل مشاريع لتحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية.
وفيما يخص الأزمة السودانية، خصصت الولايات المتحدة 5 ملايين دولار لدعم اللاجئين السودانيين في ليبيا، الذين فروا نتيجة النزاع المسلح في السودان. منذ بداية الأزمة، فر حوالي 2.2 مليون شخص من ابلاد بحثاً عن ملاذ آمن في دول الجوار. وُجهت هذه المساعدات عبر شريكين رئيسيين هما اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي لتلبية احتياجات اللاجئين الطارئة.
أما في المغرب، تم تخصيص 4 ملايين دولار لدعم التعاونيات الزراعية المتأثرة بالأزمات الاقتصادية مثل الجفاف وأزمة الغذاء العالمية. ووافق الكونغرس الأمريكي على تخصيص مليوني دولار لدعم برامج الوكالة في المغرب. وفي اليمن، الذي يعاني حوالي 17.6 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، تم تخصيص مساعدات لدعم الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والمأوى والصحة والتغذية.
وفقاً لشبكة CNN، أرسل وزير الخارجية ماركو روبيو برقية تعليق المساعدات، مع استثناء المساعدات الغذائية الطارئة والتمويل العسكري الأجنبي لإسرائيل ومصر. كما أعلنت الحكومة الأمريكية، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة التعاون الدولي، عن اتفاقيات تمويل ثنائية مع مصر تبلغ قيمتها الإجمالية 130 مليون دولار.
تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في عام 1961، وهي المسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية الأمريكية لدعم مكافحة الفقر والأمراض والكوارث في مختلف أنحاء العالم.
برامج تنموية مهددة
منذ عام 2011، قدمت وكالة التنمية الأمريكية (USAID) أكثر من 350 مليون دولار لتونس لدعم التحول الديمقراطي وتعزيز النمو الاقتصادي، مع التركيز على الشفافية والمساءلة. وفي هذا السياق، أوضحت المحللة الاقتصادية جنات بن عبد الله، المتخصصة في التجارة الدولية، "أن العلاقات بين تونس والولايات المتحدة بدأت منذ مرحلة الاستقلال وشهدت تطورًا ملحوظًا في مجالات التنمية، والعلاقات الاجتماعية، والعسكرية".
أضافت جنات "الولايات المتحدة خصصت في عام 2024 مبلغ 11 مليون دولار لتعزيز التنافسية بين الشركات الصغيرة وخلق نحو 8 آلاف فرصة عمل". "كما تم تمويل مشاريع في مجالات مثل الرعاية الصحية وصناعة البلاستيك والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى دعم مراكز الشباب والطاقة البديلة، مما أثر بشكل إيجابي على المجتمع المدني التونسي".
فيما يري مراقبون أن القرار يزيد من الضغوط الاقتصادية على العديد من الفئات الاجتماعية في ا لمنطقة العربية، التي تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية، خصوصًا مع التوقعات بتقليص كبير في حجم المساعدات الموجهة إليه.
من جانبه، أشار الدكتور عامر السبايلة، الخبير الاستراتيجي، إلى "أن العديد من منظمات المجتمع المدني في الدول العربية تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، لاسيما من الولايات المتحدة، في الآونة الأخيرة". وأضافت السبايلي أن "العديد من البرامج، بما في ذلك برامج تشغيل الشباب والخدمات البلدية، كانت تعتمد بشكل رئيسي على المشاريع التنموية الممولة من الولايات المتحدة"، مؤكدا أن "توقف هذه المساعدات سيتسبب بلا شك في ردود فعل سلبية، خصوصًا في ظل غياب البدائل الجاهزة، وفي وقت تعاني فيه البلدان من أزمات اقتصادية."
أزمات اقتصادية مرتقبة
من جانبه أوضحت جنات " أن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية بهذه الطريقة، مع تعليق جميع المساعدات للدول المستفيدة دون أي إشعار مسبق أو مفاوضات دبلوماسية، يشكل ضربة قوية لتلك الدول. فهي بالفعل تعاني من مديونية خارجية مرتفعة وضغوط مالية شديدة، مما يعني أن هذه الدول قد تكون على شفير أزمة اقتصادية غير مسبوقة. وفي ظل غياب الدعم الخارجي، قد تتفاقم الأوضاع".
وكانت إدارة الولايات المتحدة تواصل تقديم الدعم المستمر عبر المساعدات الخارجية بهدف تعزيز الاستقرار والتنمية في العديد من الدول، وتعتبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) من أبرز الجهات المساهمة في هذا المجال. من خلال شراكات مع الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية، إذ تساهم الوكالة في تعزيز النمو الاقتصادي وتطوير مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة في الدول العربية.
ويرى مراقبون أن تجميد المساعدات الأمريكية قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية كبيرة، حيث أن العديد من الدول والمنظمات تعتمد بشكل كبير على هذا الدعم. ويشددون على أن هذا القرار قد يسبب حالة من عدم الاستقرار والقلق في أنحاء مختلفة من العالم.
ويري السبايلة "أن هذه المساعدات كانت تدعم الميزانيات وتغطي عجز الحكومات في مجالات التنمية والتشغيل". و" أن إيجاد بديل لهذه البرامج سيكون تحديًا كبيرًا، خاصة أن الكثير من هذه البرامج أصبحت متجذرة على مدى سنوات طويلة، مما يجعل من الصعب تأمين نفس القيمة والاستمرارية".
غياب البدائل يرفع سقف المساومة
وفقًا لمعهد واشنطن، الصادر في مايو من العام الماضي، وقعت الولايات المتحدة والأردن ثلاث اتفاقيات تمويلية بقيمة 340 مليون دولار لتعزيز الازدهار الاقتصادي وتمكين المرأة، مع إعداد "استراتيجية التعاون الإنمائي" 2020-2025 لدعم التنمية الاقتصادية.
من جانبه، أشار الدكتور عامر السبايلة، الخبير في الشأن الأردني، إلى أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب علاقاتها مع الدول عبر منهج جديد، مع الحفاظ على قوتها السياسية. وأكد أن العلاقات الرسمية قد تواجه تحديات أكبر منذ وصول ترامب إلى السلطة.
في هذا الصدد، .اوضحت جنات "أن سياسة المساعدات الأمريكية كانت تهدف إلى السيطرة على الدول النامية واستخدامها لتحقيق مصالحها في مجلس الأمن، لكن اليوم، بدأت الولايات المتحدة في التخلي عن هذه السياسة".
وأضاف السبايلي "أن البدائل المتاحة لتمويل جديد ليست كثيرة. فهناك بعض البرامج التابعة للاتحاد الأوروبي التي قد تتوسع قليلاً"، ولكن لا "يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل لسد الفجوة التي ستتركها المساعدات الأمريكية. البحث عن حلول طويلة الأمد يتطلب وقتًا وجهدًا، وقد يؤدي إلى أزمة اقتصادية، خاصة في البلدان التي تعاني من عجز في الميزانية وارتفاع الديون ومشاكل البطالة".
مما لا شك فيه، فإن إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب ستضع خطة لاعادة ترتيب أولويات المساعدات الامريكية للدول النامية. لكن تبقى أولويات السياسة الخارجية الامريكية بوصلة لتوجيه تلك الأموال بناءا على مبدأ الربح والخسارة خدمة لشعار ترامب "امريكا اولا".